دير الزور- بعد سنوات من الحرب والحملات الأمنية والسلطات المتعاقبة، بات أهالي محافظة دير الزور شرقي سوريا يواجهون معضلة فقدان وثائقهم الشخصية، من هويات وجوازات سفر وبطاقات الأسرة، ما جعلهم أمام تحديات عديدة تتعلق بالحرمان من حرية الحركة، في ظل معالجة غير مُرضية من قبل الإدارة الذاتية التي تحكم شمال شرق سوريا.
وبدأت مشكلة فاقدي الوثائق في محافظة دير الزور، مع انقسام السيطرة عليها بين فصائل المعارضة وجيش النظام منتصف عام 2012، وتزايد أعداد المواطنين المطلوبين للأجهزة الأمنية الذين يخشون التوجه إلى مديرية السجلات المدنية، بسبب وقوعها تحت سيطرة قوات النظام.
وتفاقمت المشكلة بعد سيطرة تنظيم الدولة على المحافظة، في ظل الاعتقالات التي شنها بحق المدنيين وضياع وثائقهم في أقبيته، إلى جانب زواج عناصره الأجانب من نساء محليات دون تقييد للزواج، ليتركن مع أبناء مجهولي النسب والهوية، بعد سقوط آخر معاقل التنظيم بمنطقة الباغوز في مارس/آذار 2019.
مراكز التوثيق المدني
بعد مرور 12 عاما من التغيرات في القوى والسلطات المتعاقبة والحملات الأمنية والقصف والحروب، أصبحت قضية فاقدي الوثائق والأطفال المكتومين (بلا هوية) والمستحقين للوثائق الجديدة أمرا ملحا، يزداد فيها التحدي مع إضافة أعداد جديدة لفاقدي الوثائق يتمثل بنزلاء مخيم الهول من أبناء دير الزور الذين فقدوا وثائقهم خلال الفوضى التي تسببت بها النزاعات في السيطرة على المحافظة أواخر عام 2017.
يقول محامي من دير الزور يقيم في مناطق الإدارة الذاتية -فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت، إن فاقدي الوثائق ينقسمون إلى أبناء الأجانب غير المعلومين والمكتومين، وإلى فاقدي الوثائق. ويضيف “كلهم يتمتعون بجنسية الجمهورية العربية السورية من الناحية القانونية النظرية في حال كانت الأم ومكان الولادة سوريا”.
وتسعى الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا لتعويض فاقدي الوثائق الشخصية من خلال وثائق خاصة تصدرها المؤسسات التابعة لها، حيث يقوم مركز التوثيق المدني بدير الزور بإصدار العديد من الوثائق الشخصية للسكان، مثل البطاقة الشخصية والبطاقة العائلية.
كما يقيد المركز الولادات والوفيات وحالات الزواج والطلاق، حسب ما يقول الموظف في مركز التوثيق المدني ساري اللامي (اسم مستعار) في حديثه للجزيرة نت، حيث “أصدرت المراكز قرابة 15 ألف بيان عائلي، و25 ألف قيد فردي مؤخرا”، وهذا يوضح ضخامة أعداد فاقدي الوثائق من السكان.
ويوضح اللامي أن مراكز التوثيق المدني تشترط أن يبرز فاقدو الوثائق مرجعا تعريفيا لهم من المركز، إلى جانب اصطحاب شاهدين إلى مختار الحي، وتنظيم ضبط من مركز الأمن الداخلي بدير الزور، ثم تمنحهم ورقة تعد بمثابة البطاقة الشخصية صلاحيتها 3 أشهر فقط.
فيما يقول العضو في مجلس بلدة جديد بكارة المدني خضر المنسي (اسم مستعار) للجزيرة نت، إنه على الرغم من اعتراف الإدارة الذاتية بكل الأوراق والثبوتيات التي تصدر منها، فإن المقاطعات لا تعترف بالأوراق الصادرة من مقاطعات أخرى في نفس الإقليم الخاضع لسيطرة الإدارة، وهذا ما يسبب عائقا آخر أمام المدنيين.
وثائق محدودة التأثير
العديد من الحاصلين على الوثائق الشخصية من الإدارة الذاتية تحدثوا عن عدم اعتراف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالوثائق الصادرة عن الإدارة.
وأفاد إبراهيم الغالب (اسم مستعار)، وهو أحد الحاصلين على البطاقة الشخصية من الإدارة، بأنه “لا يتم الاعتراف بها في معظم الحواجز، وهي غير صالحة للتنقل بين مراكز المدن”.
ويستدرك في حديثه مع الجزيرة نت “يرتبط استخدام هذه الوثائق في الحصول على المحروقات والخبز المدعوم وغيرها من الخدمات التي تقدمها الإدارة الذاتية للأهالي، وفي بعض الأحيان لا يستطيع حاملها حتى الحصول على هذه الخدمات”.
أنور الخاير، وهو مدني فاقد للهوية الشخصية، تحدث للجزيرة نت عن تجربته مع حواجز قسد، قائلا إن عناصر قوات سوريا الديمقراطية يعتبرون هذه الوثائق سهلة التزوير، وبالتالي يطالبون بوثائق صادرة عن النظام، مثل دفتر العائلة أو الهوية أو جواز السفر أو رخصة القيادة.
من جهة أخرى، تخشى العديد من الزوجات السابقات لمقاتلي تنظيم الدولة الأجانب، من التوجه إلى مراكز التوثيق المدني لتسجيل أبنائهن، لأن المراكز تشترط أن تشرح الزوجة وضعها للمحكمة لتثبيت زواجها، ثم تتوجه إلى مركز الأمن الداخلي لتنظيم ضبوط بأبنائها إذا كانوا في سن فوق 3 أشهر.
وتجعل هذه الإجراءات أولئك النسوة يخشين استخراج الوثائق الشخصية خوفا من اعتقالهن أو إرسالهن إلى مخيم الهول، حسب ما تقول أم سالم (اسم مستعار) للجزيرة نت، وهي زوجة سابقة لمقاتل أجنبي في التنظيم قتل بضربة من طائرة مسيّرة شمال دير الزور، وترك لها 3 أولاد وبنتين دون أن تستطيع تسجيلهم في السجل المدني السوري في مناطق النظام بسبب الخوف من الملاحقة الأمنية.
وتضيف أم سالم “حصلت على وثائق شخصية من مراكز التوثيق المدني التابعة للإدارة الذاتية لاستلام المعونات والخدمات والحصول على اللقاحات اللازمة للأطفال ودخولهم إلى المدارس، لكن ذلك لا يسمح لهم بالتحرك خارج مناطق الإدارة الذاتية، ولا يضمن لهم أي مستقبل سوى ما توفره الموارد المحلية في مناطقها”.
عيادة قانونية
في الأثناء، تحاول بعض المنظمات المساهمة بمساعدة فاقدي الوثائق، لكن تلك المساهمة ما زالت محدودة ومقتصرة على برامج التوعية، بحسب ما يقول المحامي والقانوني رامي العساف للجزيرة نت.
وتدعم منظمة “المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية” منظمات محلية لافتتاح ما سمته “العيادة القانونية”، وهي مكتب يديره محام يتم تعيينه من قبل الإدارة الذاتية لتقديم الاستشارة القانونية لفاقدي الوثائق مثل التوجه إلى مركز التوثيق المدني.
في حين تدرس برامج مدعومة من الخارجية الأميركية تفعيل السجل المدني بدير الزور، ومنح بطاقة تعريفية إلكترونية لكل سكان مناطق الإدارة الذاتية، وبطاقة إقامة دائمة للنازحين، بدل “بطاقة الوافد” التي تشترط الإدارة على النازحين في بعض مقاطعاتها استخراجها.