بقلم: محمد صالح محمد

على الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي تتولى فيها مملكة البحرين رئاسة القمة العربية، إذ ترأستها في العام 2003، إلا أنها المرة الأولى التي تستضيف فيها مملكة البحرين اجتماعات القمة على أراضيها.

ولهذا فهي حدث مميز في تاريخ البحرين الديبلوماسي. قد يكون من المناسب قبل الحديث عن تاريخ العلاقات بين جامعة الدول العربية ومملكة البحرين استعراض الخطوات التي سبقت نشأة جامعة الدول العربية والتي أدت في نهاية الأمر إلى نشأة الجامعة العربية التي تعتبر اليوم واحدة من أقدم المنظمات الإقليمية في العالم.

أولا: نشأة جامعة الدول العربية:

كانت نهاية الحرب العالمية الأولى (1914-1918) بداية لمرحلة من أصعب المراحل في تاريخ المنطقة العربية، حيث تبددت في هذه المرحلة الآمال بوحدة عربية.

فحتى تلك الآمال الذي أوجدها الخطاب الشهير للرئيس الأميركي ويلسون أمام الكونغرس بشأن حرية الدول الصغيرة، سرعان ما اتضح للعرب أن المقصود بذلك الدول الأوروبية الصغيرة فقط.

ومن الجدير بالذكر أن مصطلح «العالم العربي» بالمعنى السياسي لم يكن موجودا قبل العام 1914، لكن الظروف الجديدة أدخلت المنطقة في مخاض عسير، وحالة من التوتر وعدم الاستقرار.

وقد تأثرت البحرين بالحراك السياسي الذي كان يشهده عدد من المناطق العربية، لاسيما مصر والعراق حيث كان الناس في البحرين يتابعون بشغف أخبارها ويتأثرون بالوضع العام في المنطقة، وهو ما كان يزعج الوكلاء السياسيون الإنجليز في البحرين.

ومع مرور الوقت بدأت تظهر دعوات لتحقيق الوحدة العربية، وفي العام 1926 ظهرت تسمية الجامعة العربية لأول مرة في منتصف العشرينيات من القرن العشرين، وذلك حين أسست في القدس الشريف صحيفة يومية تحمل اسم «الجامعة العربية»، وهي صحيفة «سياسية علمية اجتماعية اقتصادية» مثلما تعرف الصحيفة بنفسها، وصاحب الامتياز ورئيس تحريرها هو منيف الحسيني.

وقد أخذت بعد ذلك أصوات شعبية ورسمية بريطانية تدعو لإقامة تجمع عربي يمثل الدول العربية، بغض النظر عن دوافع هذه الأصوات. ففي ثلاثينيات القرن العشرين أنشأ بعض البريطانيين المتعاطفين مع العرب في لندن «العصبة العربية» للنظر في الظلم الذي لحق بالعرب، نتيجة صدور وعد بلفور.

وكانت العصبة تدعو السفراء العرب في لندن لحضور فعالياتها. وفي هذا الشأن يقول الشيخ حافظ وهبة السفير السعودي في لندن أن الحكومة البريطانية كانت تنزعج من أي دور تلعبه الدول العربية في الدفاع عن فلسطين.

وفي العام 1938 وأوائل العام 1939 عقد في لندن مؤتمر فلسطين بمشاركة الحكومات العربية. وكان المؤتمر خطوة أولى قربت من مولد الجامعة العربية.

كان الهدف من المؤتمر بحث التعاون والتضامن العربي لحل قضية فلسطين التي كانت تعاني وقتها من الهجرات اليهودية المتنامية برعاية بريطانية. وقد حالت الخلافات الحزبية في هذا المؤتمر، وكذلك اندلاع الحرب العالمية الثانية دون تحقيق أهداف المؤتمر.

وفي العام 1944، وقبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، أنشأت مجموعة من الدول العربية المستقلة لجنة تحضيرية للمؤتمر العربي العام.

وبعد نقاشات مختلفة بين ممثلي الدول العربية حول فكرة الاتحاد العربي المطلوب، صدر في 7 أكتوبر 1944 بروتوكول الإسكندرية الذي نص على قيام جامعة الدول العربية كتجمع للدول العربية المستقلة له مجلس تمثل فيه الدول العربية بشكل متساو.

وحدد البروتوكول مهام مجلس الجامعة العربية الرئيسية في مراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء فيما بينها من اتفاقات وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها وتنسيق خططها السياسية، وصيانة استقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل الممكنة، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية.

وحرم البروتوكول اللجوء للقوة في تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء، وحدد مجالات التعاون السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية.

وفي 22 مارس 1945، ظهرت الجامعة العربية للوجود، أي قبل نشأة منظمة الأمم المتحدة بنحو سبعة أشهر، بعد أن وقع ممثلو سبع دول عربية.

وقد أخذت الصحافة العربية بعد تأسيس الجامعة العربية تتحدث عن فكرة تمثيل الدول العربية الصغيرة كالبحرين وباقي إمارات الخليج العربي في الجامعة العربية، حيث نشرت مجلة «المصور» المصرية مقالا حول هذه المسألة بتاريخ 24 مايو 1946. وهذا ما جعل السلطات البريطانية، تراقب الأمر بقلق شديد.

وما يؤكد على اهتمام بريطانيا الشديد بتأسيس جامعة الدول العربية هو طلب وزير الخارجية البريطاني أنطوني إيدين من سفيره في القاهرة تزويده بنسخة مترجمة باللغة الإنجليزية من ميثاق جامعة الدول العربية، وهو ما قام به اللورد «كيليرن» Killearn Lord السفير البريطاني في القاهرة في 12 أبريل 1945، أي بعد 21 يوما من تاريخ توقيع الميثاق.

وتشير الوثائق البريطانية في هذا الخصوص إلى أن البريطانيين كانوا قلقين من فكرة مشاركة إمارات الخليج حينها في اجتماعات الجامعة العربية حتى تلك التي ليس لها صبغة سياسية.

وبموجب ميثاقها، تتألف جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة التي تقبل الانضمام إليها. ويكون للجامعة مجلس يسمى «مجلس جامعة الدول العربية»، تمثل فيع جميع الدول الأعضاء على قدم المساواة.

فليس في الجامعة تمييز بين الدول الأعضاء بين الدول المؤسسة والدول التي انضمت فيما بعد، ولا وجود لأعضاء دائمين لهم امتيازات تختلف عن امتيازات الدول الأخرى مثلما هو الحال في الأمم المتحدة.

ويعقد مجلس جامعة الدول العربية دورات عادية وأخرى غير عادية على مستوى القمة، وعلى المستوى الوزاري، وعلى مستوى المندوبين الدائمين.

ويعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة دورة عادية واحدة في السنة خلال شهر مارس، وله عند الضرورة عقد دورات غير عادية، إذا تقدمت إحدى الدول الأعضاء أو الأمين العام بطلب ذلك، ووافق على ذلك الطلب ثلثا الدول الأعضاء.

وتعقد الدورات العادية على مستوى القمة في مقر الجامعة بالقاهرة، ويجوز للدولة التي ترأس القمة أن تدعو إلى استضافتها إذا رغبت في ذلك. ويسبق عقد الدورة العادية للقمة العربية اجتماع للمجلس على مستوى المندوبين، يتبعه اجتماع على المستوى الوزاري.

ويكون دور الاجتماع الوزاري في هذه الحالة هو التحضير للقمة، واعتماد كل الوثائق التي يعدها في الأساس كبار المسؤولين والمندوبون الدائمون.

وتعقد اجتماعات المجلس العادية على المستوى الوزاري في دورتين الأولى في شهر مارس، والأخرى في شهر سبتمبر من كل عام (أي أن مدة كل دورة ستة أشهر).

وللمجلس أن يعقد دورات غير عادية على المستوى الوزاري عند الضرورة، وذلك بناء على طلب دولتين من الدول الأعضاء أو بطلب من الأمين العام وموافقة دولتين أخريين على هذا الطلب.

ويسبق الاجتماع الوزاري اجتماع على مستوى المندوبين الدائمين لمدة يومين، يشارك فيه كبار الموظفين المختصين في الدول العربية. وتعقد هذه الاجتماعات في مقر جامعة الدول العربية عادة، ويمكن عقدها في مكان آخر بقرار من المجلس.

ثانيا: تاريخ علاقة البحرين بجامعة الدول العربية:

يمكن تناول علاقة مملكة البحرين بجامعة الدول العربية عبر حقبتين زمنيتين مختلفتين، الأولى قبل إعلان استقلال البحرين وانضمامها لجامعة الدول العربية، والأخرى بعد إعلان الاستقلال وانضمامها للجامعة العربية.

أ – العلاقات البحرينية بجامعة الدول العربية قبل إعلان الاستقلال:

ينص ميثاق جامعة الدول العربية على أنه إذا كانت المظاهر الخارجية لبعض الدول العربية قد ظلت محجوبة لأسباب قاهرة، «فلا يسوغ أن يكون ذلك حائلا دون اشتراكها في أعمال مجلس الجامعة».

ولم يتم تطبيق النص المذكور أعلاه من ميثاق جامعة الدول العربية بشكل واسع في السنوات الأولى من عمر جامعة الدول العربية، إلا أن الأمر قد بدأ يتغير بعد قيام ثورة 1952 في مصر التي تبنت الفكر القومي العربي.

ولهذا أخذت جامعة الدول العربية تكثر من دعوة إمارات الخليج العربي التي كانت خاضعة حينها للحماية البريطانية إلى المشاركة في نشاط جامعة الدول العربية الثقافي والاجتماعي، فصار المعلمون والفنيون العرب يزورون إخوانهم في الخليج العربي ويقدمون لهم الدعم الفني الذي كانوا في أمس الحاجة إليه، في وقت كان البريطانيون يسعون لعزلهم عن محيطهم العربي قدر المستطاع.

وقد كانت البحرين من أولى إمارات الخليج التي كانت تشارك في النشاط الثقافي لجامعة الدول العربية منذ الخمسينيات. فعلى الرغم من أن البحرين لم تنضم إلى جامعة الدول العربية إلا في 11 سبتمبر من العام 1971، إلا أنها كانت تشارك بين الفينة والأخرى في بعض فعاليات ومؤتمرات الجامعة العربية، ذات الطابع غير السياسي.

ففي 22 أغسطس 1950 على سبيل المثال شارك مدير المعارف الأستاذ أحمد العمران في المؤتمر الثقافي العربي الثاني الذي عقد في الإسكندرية بجمهورية مصر العربية، تلبية لدعوة وجهتها الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية.

وكانت هناك تواصل بين جامعة الدول العربية وحكومة البحرين بشأن عدد من المسائل غير السياسية. ففي شهر مارس 1963 زار وفد من جامعة الدول العربية إمارات البحرين، وقطر، ودبي، وأبوظبي، والشارقة.

وجرى خلال هذه الزيارة التباحث حول سبل تطبيق أحكام المقاطعة العربية لإسرائيل. وبعد هذه الزيارة أصدر حاكم البحرين مرسوما بإنشاء مكتب للمقاطعة في البحرين، وكذلك فعل حكام الإمارات الأخرى آنفة الذكر.

وفي دورته الحادية والأربعين، ناقش مجلس جامعة الدول العربية موضوع الهجرة الأجنبية إلى إمارات الخليج العربي وما تشكله من خطر على هذه المنطقة العربية.

وخلص المجلس إلى اعتماد قرار بتاريخ 31 مارس 1964 طالب بموجبه بإيفاد بعثة من الجامعة العربية للاتفاق مع أمراء الخليج على تقييد الهجرة الأجنبية اتقاء لأخطارها المشتركة، وبحث وسائل توثيق الروابط الأخوية العربية مع إماراتهم.

وقد زارت البعثة البحرين في 22 أكتوبر 1964 حيث التقت بحضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين وتباحثت معه حول سبل تعزيز التعاون في المجالات غير السياسية.

وبعدها، استمر التواصل بين جامعة الدول العربية والبحرين، ففي شهر مايو 1967 كتبت جامعة الدول العربية رسالة إلى حكومة البحرين تطلب فيها ترشيح شاعر البحرين الكبير إبراهيم العريض لجائزة نوبل.

وقد اعتذر إبراهيم العريض بكل تواضع عن قبول هذا الترشيح، حيث جاء في رسالة اعتذاره: «وأود أن أؤكد لكم أن آثاري الأدبية – في رأيي – لا تحمل أي مؤهلات للحصول على هذه الجائزة، ولذلك فإن كل إيضاح حول هذه الآثار غير ذي موضوع».

وقبيل إعلان استقلال البحرين ببضعة أشهر، استضافت مملكة البحرين مؤتمر وزراء الإعلام العرب، وذلك في 23 فبراير 1971.

وهكذا يمكن القول إن خضوع البحرين للحماية البريطانية لم يحل دون وجود نوع من العلاقات بينها وبين جامعة الدول العربية، لاسيما في المجالات الاجتماعية والتعليمية والثقافية وغيرها من المجالات غير السياسية.

ب – العلاقات البحرينية بجامعة الدول العربية بعد إعلان الاستقلال:

بعد إعلان الاستقلال كانت الخطوة الأولى التي سعت نحو مملكة البحرين هي الانضمام لجامعة الدول العربية. ولهذا الغرض ابتعث حضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين د.حسين البحارنة إلى جمهورية مصر العربية للاتفاق على إقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، ولتقديم طلب الانضمام لجامعة الدول العربية.

وفي 11 سبتمبر 1971 انضمت البحرين بشكل رسمي لجامعة الدول العربية، قبل انضمامها بعشرة أيام لاحقة للأمم المتحدة.

أخذت البحرين بعد ذلك تشارك بفعالية في كافة أنشطة جامعة الدول العربية وفي مختلف أجهزتها وفروعها ومنظماتها المتخصصة، فقد ترأست المملكة على سبيل المثال اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري خلال الأعوام 1975، 1985، 2006، ثم أخيرا في مارس 2016، حين ترأست الدورة (145) للمجلس.

وأثناء ترؤسها للدورات المذكرة، فهي تترأس كذلك المجالس الوزارية المتخصصة. وقد ترأست مملكة البحرين أيضا القمة العربية الخامسة عشرة في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، في شهر مارس 2003.

وقد تبوأ عدد من المواطنين البحرينيين مناصب عليا في جامعة الدول العربية مثل السفير عبدالنبي مسيب رئيس بعثة جامعة الدول العربية في برلين بألمانيا (2006 – 2012)، ود.عبدالعزيز النجدي مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية (سابقا)، ود.جاسم المناعي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي (سابقا)، وفائقة سعيد الصالح مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية (سابقا)، وغيرهم.

ومن البحرينيين الذين عملوا كذلك في جامعة الدول العربية فيما بعد السفير خليل إبراهيم الذوادي، الذي يتولى حاليا منصب الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون العربية والأمن القومي، والسفير يوسف جميل، الذي يتولى حاليا منصب رئيس بعثة جامعة الدول العربية في نيودلهي، كما يتولى النائب عادل العسومي، منصب رئيس البرلمان العربي.

ومن الجدير بالذكر أن علاقات التعاون بين البحرين وجامعة الدولة العربية لا تقتصر على التعاون السياسي، فحسب، بل تمتد إلى مختلف المجالات.

فللجامعة العربية منظمات متخصصة مشابهة للوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، وهذه المنظمات العربية المتخصصة تعمل على تعزيز التعاون والتنسيق بين جامعة الدول العربية وباقي الدول الأعضاء في المنظمة.

ومن المنظمات العربية المتخصصة المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة التي طالما كان لها تعاون مع البحرين. ففي مارس 1977 على سبيل المثال أوفدت المنظمة بعثة للتنقيب عن الآثار في البحرين، حيث مكثت البعثة في البحرين لمدة شهرين، وقامت بإجراء تنقيبات أثرية في مناطقة مختلفة من البحرين.

وتحرص مملكة البحرين بين الفينة والأخرى على استضافة فعاليات مختلفة، في إطار جامعة الدول العربية، فقد استضافت على سبيل المثال الدورة الثالثة لمنتدى التعاون العربي الصيني في مايو 2008، واستضافت الدورة الأولى لمنتدى التعاون العربي الهندي في يناير 2016.

ومع زيادة التحديات التي تواجه الأمة العربية يزداد التطلع لدى الشعوب العربية نحو دور أكثر فعالية للجامعة العربية، وذلك للدفاع عن المصالح العربية، وتحقيق تطلعات الشعوب العربية نحو مزيد من الأمن والاستقرار والرفاه.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.