طهران- ليست المرة الأولى التي تشهد فيها إيران شغورا رئاسيا، إلا أن حادث سقوط المروحية التي كانت تقل الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان ومسؤولين آخرين، وضع الأجيال الجديدة في البلاد أمام تجربة جديدة جعلتها تقلّب صفحات الإعلام الفارسي بحثا عن رواية تحل لها لغز الحادث.

وكعادته، شهد الإعلام الإيراني ارتباكا خلال الساعات الأولى من الحادث الذي وصفه بـ”هبوط صعب” للمروحية الرئاسية؛ فكان ينشر تارة خبرا عن العثور على حطامها ثم يحذفه خلال دقائق، أو يكذّب الخبر على لسان مسؤول أو مصدر مطلع.

أمّا هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، ورغم تأخرها عن الإعلام الأجنبي المنافس، فقد حاولت أن تطرح إمبراطوريتها الإعلامية المكوّنة من عشرات المحطات والإذاعات وعدد من وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية، لكونها المصدر الرسمي الوحيد المخول إعلان مستجدات الحادث.

ما بين السطور

ولا يخفى على المراقب للشأن الإيراني أن يقرأ ما بين سطور الأنباء والتقارير التي بدأ الإعلام الرسمي بتقطيرها منذ الساعات الأولى من الليل الماضي؛ فملامح مذيعي الأخبار وكذلك نبرة مقدمي البرامج التلفزيونية كانت توحي بحدوث أسوأ السيناريوهات المحتملة في حادث المروحية.

بيد أن هذه الهيئة ووكالة الأنباء الرسمية، كانتا معنيتين بقيادة وسائل الإعلام الداخلية وتوفير معلومات وبيانات عن الحادث للإعلام الأجنبي لا سيما باللغتين العربية والإنجليزية، فأخذتا مهمة طمأنة الشارع على عاتقهما ودعوته إلى تنظيم مراسم دعاء وابتهال لسلامة الرئيس ومرافقيه.

لكنهما كانتا معنيتين في الوقت نفسه بتغطية كلمة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي عقب الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن القومي الذي عُقد بحضوره إثر حادثة سقوط المروحية، وحملت كلمته معاني كثيرة لمتابعي الشأن الإيراني.

ووفق ما نشره الإعلام الرسمي، الليلة الماضية، دعا خامنئي الشعب الإيراني إلى عدم القلق في أعقاب الحادث، مؤكدا أنه “لن يكون هناك أي اضطراب في عمل البلاد”. وفسرته بعض الأوساط الإيرانية على أنه إيعاز للأجهزة الأمنية والقوات المسلحة بالاستعداد التام لمواجهة أي طارئ، وتأكيد في الوقت ذاته أن الأمور تحت السيطرة.

وبينما كانت تغريدات بعض المسؤولين والجهات المقربة من دوائر صنع القرار في البلاد تلوّح بحصول مكروه للرئيس ومرافقيه، عمل الإعلام الرسمي على إظهار حالة التماسك والوحدة بين التيارات السياسية المتنافسة في البلاد. ونشر تعليقات كبار السياسيين من التيارين الإصلاحي والمحافظ وهم يرفعون أيديهم بالدعاء لسلامة الرئيس ووزير خارجيته.

طرح تساؤلات

في الوقت نفسه، عملت الصحافة الإيرانية على طرح تساؤلات عن مستقبل المنصب الرئاسي إذا ما حصل شغور في مقعد رئيس البلاد، لترد عليها مباشرة على ألسنة مسؤولين سابقين وخبراء لتوضيح المواد الدستورية بهذا الشأن.

وذكّر الإعلام الفارسي بأن البلاد سبق وتجاوزت فراغين رئاسيين؛ الأول في يونيو/حزيران 1981 عندما قرر مجلس الشورى تنحية أبو الحسن بني صدر أول رئيس للبلاد بعد الثورة “لعدم الأهلية السياسية”. وتكرر السيناريو ذاته في العام نفسه عندما اغتيل خلفه الرئيس محمد علي رجائي بتفجير حقيبة مفخخة.

وتحت عنوان “الدستور الإيراني وحكم شغور الرئاسة”، كتبت وكالة إرنا الرسمية أن “المادة 131 من دستور الجمهورية الإسلامية توضح طريقة التعامل مع أي طارئ ناتج عن شغور منصب الرئاسة في البلاد”.

وتنص هذه المادة على أنه “في حالة وفاة رئيس الجمهورية، أو عزله، أو استقالته، أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين، أو انتهاء فترة الرئاسة وعدم انتخاب رئيس جديد نتيجة وجود بعض العقبات، يتولّى النائب الأول للرئيس أداء وظائف رئيس الجمهورية، ويتمتّع بصلاحياته بموافقة قائد الثورة الإسلامية”.

كما حرصت الوكالة الرسمية على نشر مواقف الحكومة وتأكيدها مواصلة المسيرة التي كان قد بدأها الرئيس الراحل. أما وكالة أنباء فارس المقربة من الحرس الثوري فتابعت نهجا إعلاميا لتأكيد أنه لا تغيير في سياسات البلاد العليا لا سيما الخارجية عقب “استشهاد حسين أمير عبد اللهيان”.

بدورها، نشرت وكالة أنباء تسنيم شبه الرسمية مادة تحت عنوان “6 سيناريوهات للإعلام الإسرائيلي حول استشهاد آية الله رئيسي”، حذرت فيها من الإصغاء للتقارير المفبركة التي تطرح فرضية التدخل الأجنبي في الحادث.

واتهمت الإعلام الإسرائيلي غير الرسمي بالعزف على وتر بث التفرقة واستهداف الوحدة الإيرانية، مؤكدة أن عملية “الوعد الصادق” أثبتت أن تل أبيب أضعف من أن تجرؤ على استهداف الرئيس الإيراني.

تعاون

والمتابع للإعلام الإيراني يرى أن الإعلام الإصلاحي قد تعاون مع نظيره المحافظ على نشر مواد إعلامية ترسم المشهد المقبل في البلاد انطلاقا من المادة 131. ووفقا للدستور الإيراني، فإن لجنة مكونة من الرئيس المؤقت ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية ستعمل على وضع الترتيبات اللازمة لانتخابات رئيس جديد للبلاد في غضون 50 يوما.

واستنادا إلى تجربتها في التعامل مع نبأ اغتيال القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني في غارة أميركية استهدفت سيارته قرب مطار بغداد الدولي فجر الثالث من يناير/كانون الثاني 2020، بدأت قناة “خبر” الناطقة بالفارسية منذ ساعات الصباح الأولى بتهئية الرأي العام لتلقي الخبر. وارتدى مذيعو الأخبار الزي الأسود الذي اعتادوا عليه في الإعلان عن أخبار حزينة.

وبعد الإعلان الرسمي عن وفاة رئيسي وعبد اللهيان وعدد من مرافقيهما، توحد الإعلام الإصلاحي والمحافظ في استخدام كلمات مفتاحية في الأخبار والتقارير التي يتداولها عن الحادث، لعل أبرزها الجمل المتكررة منذ صباح اليوم مثل “سقوط المروحية بسبب ظروف مناخية قاسية في منطقة جبلية وعرة”.

أما منصات التواصل الاجتماعي فعجّت بالتغريدات المعبرة عن تعاطف الأفراد والمكونات السياسية الإيرانية، ومنهم من يذكر علنا أنه كان خصما لهذه الحكومة ورئيسها إلا أنه يشعر بالحزن لفقد البلاد رئيسها.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.