برزت جامعة كولومبيا الأميركية مؤخرا بوصفها معقلا لحراك طلابي رافض للحرب الإسرائيلية على غزة، وهي نفسها سبق أن كانت مسرحا لاحتجاجات أخرى كتلك المناهضة لحرب فيتنام (1954-1975) والعنصرية في الولايات المتحدة.
وفضلا عن كونها الجامعة التي انطلقت منها شرارة المظاهرات الداعمة لفلسطين وامتدت إلى جامعات أخرى في الولايات المتحدة وحول العالم في الآونة الأخيرة، تبرز جامعة كولومبيا بتاريخها الحافل بالمظاهرات الطلابية.
قبل أكثر من 50 عاما، كانت الجامعة رائدة لمظاهرات طلابية ضد العنصرية والتمييز، ومعقلا لاحتجاجات مناهضة لحرب فيتنام.
ففي عام 1968، نظم طلاب بجامعة كولومبيا مظاهرات احتجاجا على مشاركة إدارة جامعتهم في معهد التحليلات الدفاعية (آي دي إيه)، الذي يقال إنه أجرى أبحاثا عسكرية حول الأسلحة المستخدمة في حرب فيتنام بالتعاون مع الحكومة.
احتجاجات وتصعيد
في اليوم الأول للمظاهرات في 23 أبريل/ نيسان 1968، وبمشاركة ما يقرب من 300 شخص، بدأ طلاب في الاحتجاج داخل الحرم الجامعي، مطالبين بإنهاء الحرب على فيتنام ووقف المشاركة بالبحوث العسكرية.
واتسعت المظاهرات أيضا للاحتجاج على التمييز العنصري، حيث قام طلاب بدخول صالة ألعاب رياضية كان من المزمع بناؤها قرب حديقة مورنينغسايد في نيويورك، للضغط على إدارة الجامعة لوقف بنائها، لأنها كانت تحمل شبهة عنصرية.
وكما حدث في المظاهرات التي جرت هذا العام دعما لفلسطين، احتل طلاب قاعة “هاميلتون هول” في الحرم الجامعي، عام 1968، وبقوا هناك لعدة أيام، وواصلوا احتجاجاتهم في 4 مبان أخرى.
وإثر ذلك طلبت إدارة الجامعة المساعدة من شرطة نيويورك، ليدخلوا في مواجهات مع الطلاب أدت لاعتقال أكثر من 700 شخص وإصابة حوالي 150 شخصا.
وبصورة مشابهة لما حصل قبل 56 عاما، أقام طلاب بجامعة كولومبيا، منتصف شهر أبريل/ نيسان من هذا العام، مخيمات في الحرم الجامعي لدعم فلسطين، واقتحموا مبنى “هاميلتون هول”.
وبينما تم اعتقال 108 طلاب في اليوم الأول الذي تم فيه استدعاء الشرطة إلى الحرم الجامعي، امتدت التظاهرات الطلابية إلى جامعات أخرى في الولايات المتحدة خلال وقت قصير.
ويطالب الطلاب المحتجون إدارة جامعاتهم بوقف الاستثمارات المرتبطة بإسرائيل وإنهاء الإبادة الجماعية في غزة.
تاريخ حافل بالاحتجاجات
وللحديث عن الاحتجاجات في الماضي والحاضر في جامعة كولومبيا، قالت الأكاديمية التركية المدرسة بقسم التاريخ بالجامعة المذكورة، نسليهان شن أوجاق، إن الجامعة كانت مسرحا للاحتجاجات طوال تاريخها.
وذكرت أن “ثمة احتجاجات كل عام تقريبا حول قضايا مثل حقوق المرأة وحقوق الأميركيين من أصل أفريقي، لا سيما بعد وفاة المواطن الأسود جورج فلويد أثناء التوقيف في عام 2020”.
وأشارت إلى أن التظاهرات الداعمة لفلسطين مستمرة في الحرم الجامعي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وزادت المشاركة فيها مع اشتداد الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة وصعوبة وصول المساعدات الإنسانية للمنطقة.
وبشأن بعض تفاصيل الأحداث الأخيرة بالجامعة، قالت شن أوجاق “إنه في ليلة استدعاء الشرطة إلى الحرم الجامعي لم يُسمح للطلاب في جامعة كولومبيا بالخروج من غرفهم من المساكن الطلابية، كما تم منع خروج أعضاء هيئة التدريس من المباني السكنية”.
وأشارت أن الشرطة قامت باعتقال 108 طلاب في 18 أبريل/ نيسان، وأزالت الخيام التي نصبها الطلاب في حديقة الجامعة، ليعيد الطلاب نصبها بعد مغادرة الشرطة.
ولفتت إلى أنه لاحقا في 26 أبريل/ نيسان، دخل مئات من رجال الشرطة الحرم الجامعي واعتقلوا طلابا.
ونوّهت بأنه من “النادر جدا” استدعاء الشرطة إلى الحرم الجامعي في الولايات المتحدة.
ضغوط من الكونغرس
وذكرت أن إدارة الجامعة “تريد توجيه تهم خطيرة” إلى الطلاب الموقوفين وأن معظم هؤلاء الطلاب قد ينالون عقوبات مثل الإيقاف أو حتى الفصل من الجامعة.
وأوضحت أن هناك ضغوطا على إدارة الجامعة من الكونغرس الأميركي سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين.
وبينت أن أحد الاختلافات بين احتجاجات عام 1968 واحتجاجات هذا العام كان في جلسات الاستماع للطلاب المعتقلين، وأكدت أن الطلاب يُمنعون حاليا من إحضار محامين إلى الجلسات.
وأضافت أن الوضع كان مختلفا في احتجاجات 1968، إذ كان من حق الطلاب آنذاك الاستعانة بمحام.
من جانبها، قالت الأستاذة إليانور ستاين، المحاضرة في مجال تغير المناخ وحقوق الإنسان في جامعة ولاية نيويورك أن “العنصر الرئيسي في جامعة كولومبيا في عام 1968 واليوم هو أن الطلاب يتخذون موقفا حيال أكبر قضية أخلاقية في عصرهم”.
وقالت ستاين التي -كانت إحدى طالبات جامعة كولومبيا الذين شاركوا في احتجاجات عام 1968، وتعرضت آنذاك للاعتقال من قبل عناصر الشرطة، إن “العنصر الرئيسي في جامعة كولومبيا في عام 1968 واليوم هو أن الطلاب يتخذون موقفا حيال أكبر قضية أخلاقية في عصرهم”.
وأضافت “في وقتي كان الأمر يتعلق بفيتنام والعنصرية، أما اليوم هو احتلال غزة والإبادة الجماعية”.
مظاهرات ونتائج
وعن مشاركتها في احتجاجات 1968، ذكرت ستاين أنها انضمت إلى الاعتصام في قاعة هاميلتون، وأنهم ظلوا نحو أسبوع في القاعة، وكان الطلاب يواصلون احتجاجاتهم في 4 مبان بالحرم الجامعي.
وأوضحت أنه جرى استدعاء الشرطة إلى الحرم الجامعي صباح 30 أبريل/ نيسان حيث تم اعتقال أكثر من 700 طالب وإصابة حوالي 150 طالبا في تلك العملية.
وأضافت أن “المظاهرات لم تنته بالاعتقالات، بل على العكس اشتدت، كما هو الحال في يومنا هذا”.
واعتبرت ستاين أن “للمظاهرات نتائج إيجابية”، مستشهدة بأن صالة الألعاب الرياضية التي كان من المخطط تشييدها في مورنينغسايد بارك لم يتم بناؤها.
وذكرت ستاين أن ثمة “محاولات تبذل لإسكات” دعم الطلاب والأساتذة لفلسطين.
وتابعت “محاولة حجب (دعم) فلسطين بالقوة بدأت قبل وقت طويل من دخول الشرطة إلى الحرم الجامعي، وتطورت الأحداث بشكل طبيعي واتسعت، لأنه ببساطة يمكنك إبعاد طالب أو فصله، لكن لا يمكنك إبعاد فكرة”.
وأشارت ستاين إلى العدد الكبير للمؤسسات التعليمية المدمرة في غزة والطلاب والأكاديميين الذين فقدوا حياتهم.
وقالت “حتى الآن لم أسمع تعبيرا عن التضامن أو القلق أو الغضب من جامعة واحدة في الولايات المتحدة”.
وأردفت “لو كانت جامعة في إسرائيل، أو فرنسا، أو أي مكان آخر في العالم تم تدميرها في صراع، لكان هناك رد فعل كبير من الأكاديميين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة. لكن حتى الآن هناك صمت تام (بخصوص غزة) وهذا أمر لا يغتفر”.