يقول خبراء إن مقترح وقف إطلاق النار الذي طرحه الرئيس الأميركي جو بايدن يمثل خطوة مهمة نحو وقف الحرب بشكل كامل، لكنه في الوقت نفسه يحمل كثيرا من الألغام التي توفر لإسرائيل فرصة مواصلة الحرب خلال المرحلة الثانية من الاتفاق.
وأعلن بايدن ما وصفها بـ”خارطة طريق إسرائيلية”، قال إنها تقود لسلام دائم في غزة، داعيا حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للقبول بها لأنها “الفرصة الأخيرة”.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن المقترح يمثل فرصة للفلسطينيين والإسرائيليين، وتواصل مع دول عربية وإسلامية لإقناعها بالضغط على حماس من أجل قبول الصفقة.
وينص المقترح على مرحلة أولى من 6 أسابيع يتم خلالها وقف القتال بشكل كامل وانسحاب إسرائيل من المناطق المأهولة في قطاع غزة مقابل إطلاق عدد من أسرى الجانبين، إضافة إلى تواصل المفاوضات خلال هذه الأسابيع الستة من أجل التوصل لوقف دائم للقتال.
ويمثل إعلان المقترح على لسان الرئيس الأميركي محاولة من الولايات المتحدة لسحب البساط من تحت قدمي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حتى لا يفسد الصفقة الجديدة كما فعل في مقترحات سابقة، برأي أستاذ العلوم السياسية بلال الشوبكي.
وخلال مشاركته في برنامج “غزة.. ماذا بعد؟”، قال الشوبكي إن بايدن أراد أيضا إعفاء نتنياهو من إعلان المقترح بنفسه لأنه يلبي طلبات المقاومة في جزء كبير منه، مشيرا إلى أن واشنطن تحاول في الوقت نفسه طمأنة الإسرائيليين بأن المقاومة لن تكرر هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لأسباب داخلية تتعلق بإعادة إعمار القطاع وأخرى إقليمية تتعلق بضمانات عربية.
في الوقت نفسه، فإن حديث بايدن -برأي الشوبكي- “يمثل محاولة أميركية لتعرية من يحاولون مواصلة الحرب بحجة إمكانية تكرار عملية طوفان الأقصى، وهي أيضا محاولة لإنقاذ إسرائيل من قيادتها لأن مواصلة الحرب تعني مزيدا من الانتكاسات بعد ما حدث خلال الأسابيع الماضية”.
أفخاخ وغموض
لكن المقترح يحمل كثيرا من الأفخاخ التي يمكن لنتنياهو استغلالها لعرقلة التوصل لاتفاق، وخصوصا فيما يتعلق بالمرحلة الثانية المرهونة بمفاوضات ستجري خلال المرحلة الأولى، حسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية حسن أيوب، الذي يقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي متمرس في إفشال المفاوضات وإطالة أمدها.
كما أن الحديث عن ضمانات قطرية مصرية لعدم تسليح حركة حماس يوفر أيضا فرصة لإسرائيل لشن عمليات عسكرية جديدة -برأي أيوب- “لأنه يمنحها حق تقرير مدى التزام القاهرة والدوحة بهذه الضمانة”.
بدوره، أبدى المحلل السياسي أحمد الحيلة استغرابه من مطالبة بايدن الإسرائيليين بالضغط على نتنياهو للقبول بمقترح يقول إنه إسرائيلي بالأساس، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة “تحاول القول -بالتنسيق مع إسرائيل- إن هذا آخر ما يمكن الوصول إليه مع نتنياهو من خلال الضغط الأميركي”.
وأضاف الحيلة أن العرض الأميركي يبدو كأنه “محاولة لخلق بيئة ضاغطة على حماس لكي تقبل بما هو معروض دون نقاش حتى لو كان ملغما ويعني أن الحرب قد تستمر لسنوات تحت غطاء المفاوضات من أجل التوصل للمرحلة الثانية”.
وأكد الحيلة أن عدم وضع وقف إطلاق النار كمبدأ أساسي متفق عليه “يخلق الكثير من الغموض حول هذا المقترح”.
ويتفق الشوبكي مع الحيلة في الحديث عن خلق بيئة ضاغطة على حماس، مشيرا إلى أن بايدن لم يمنحها فرصة مناقشة المقترح كما فعل مع إسرائيل، ولكنه وضعها بين القبول به كما هو أو مواصلة الحرب.
وتعليقا على موقف حماس من المقترح الذي قالت إنها ستتعاطى معه بإيجابية، قال أيوب إن الحركة قرأت تقلبات الموقف الأميركي منذ مقترح مايو/ أيار الماضي، الذي وافقت عليه المقاومة ثم عادت واشنطن ومنحت نتنياهو فرصة إفشاله وشن عملية عسكرية في رفح لعله يحقق ما لم يحققه في بقية مناطق غزة.
ويرى أيوب أن المقاومة أدركت أن كلمة بايدن الأخيرة تعني أن فرص تحقيق نصر إسرائيلي في غزة نفدت، وأن جيش الاحتلال لن يحسم الحرب لصالحه.
إلى جانب ذلك، فإن المقترح الجديد يتعاطى مع طلب المقاومة الخاص بسحب قوات الاحتلال وعودة النازحين خلال المرحلة الأولى قبل الشروع في تبادل الأسرى، حسب أيوب، الذي يرى أن “بلينكن ومؤيدي الدعم المطلق لإسرائيل داخل إدارة بايدن خسروا هذه الجولة لصالح البراغماتيين بقيادة مدير الاستخبارات “سي آي إيه” وليام بيرنز”.
تسويق أميركي لمقترح إسرائيلي
وفي الأخير، يقول الحيلة إن بايدن “يحاول تسويق ورقة إسرائيل وكأنها حل سحري بينما هي توفر لإسرائيل فرصة مواصلة الحرب تحت مظلة التفاوض من أجل المرحلة الثانية”، مؤكدا أن واشنطن “تريد إنهاء الحرب والخروج بنفسها وبإسرائيل من المأزق”.
لكن المحلل السياسي يرى أيضا أن الورقة تحمل ألغاما بشأن خلافات جوهرية لا يمكن تجاهلها، مؤكدا أنه من الصعب التوصل لاتفاق قريب خصوصا في ظل رد مكتب نتنياهو على حديث بايدن.
وحتم الحيلة بالقول إن حديث مكتب نتنياهو عن أن تل أبيب ليست مستعدة لوقف الحرب قبل القضاء على حماس، “يمثل استباقا لأي موقف إيجابي من جانب المقاومة بشأن المقترح”.
في المقابل، قال الشوبكي إن التوصل لاتفاق حقيقي يوقف الحرب يتوقف على مدى استعداد أميركا للعمل كوسيط وليس كطرف، مؤكدا أن بإمكان إدارة بايدن استغلال المتغيرات الحاصلة داخل إسرائيل لدفع نتنياهو باتجاه وقف الحرب.