أثار حوار «عكاظ» مع الناقد الدكتور سعيد السريحي حفيظة عدد من المثقفين بردود أفعال متباينة، بين مؤيّد ومُعترض، ومتحفظ، وصامت، ولعل ما تمسّك به صاحب (الكتابة خارج الأقواس) من مراجعات، أربك المشهد بحكم ما سبق المراجعات من تزكيات اكتسبت مستويات قريبة من القطعية. وفي هذه المساحة نستعرض تعليق نخبة مثقفة على الحوار والمراجعات، فيرى المستشار الثقافي محمد رضا نصر الله أن ما قاله السريحي صحوة متأخرة، إلا أن الإتيان متأخراً خير من أن لا تأتي مطلقا كما قال. وعدّ موقف الدكتور سعيد السريحي شجاعاً، خصوصا عقب التماهي بما كان النقاد الأكاديميون المغاربة وكذلك الأكاديميون من مصر وسوريا يتداولونه من إجراءات نقدية فرنسية -على وجه الخصوص- أقامت سدّاً منيعاً بين النصوص الإبداعية، والمتلقي العربي، ما جعل الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ يرسل رسالة احتجاج إلى رئيس تحرير مجلة فصول الدكتور عزالدين إسماعيل معبراً عن عجزه عن فهم ما يكتب عن رواياته من نقد، ما دفع الناقد المصري الكبير الدكتور شكري عياد للترافع ضد هذه الإجراءات المستعارة في بحثه العميق (موقف من البنيوية) المنشور في العدد الثالث من مجلة فصول، واستعاد نصر الله الأمسية الأولى لنادي الرياض الأدبي بداية الثمانينيات الميلادية التي اشترك فيها محمد الثبيتي وعبدالله الصيخان، ومحمد جبر الحربي وسط تهليل الناقد المبشر بالحداثة الشعرية في المملكة. واستثنيتُ إثر الاستماع إلى النصوص التي ألقاها الشعراء في زاويتي (أصوات) بجريدة الرياض (محمد الثبيتي وحده)، متوقعاً أن يتقدم إلى الساحة الشعرية بثبات وقوة شاعر حداثي أصيل، له موقف، ومتمكن من أدواته الفنية، المغموسة بتجربته الاجتماعية، ووعيه المعرفي، كونه اطّلع على أمهات التجارب الشعرية الأصيلة في ديوان الشعر العربي القديم، مازجاً ذلك بقراءة واعية لأبرز تجارب الشعر العربي الحديث، مؤكداً أن الثبيتي تسيّد الساحة بلا منازع إلى وفاته رحمه الله.

فيما عدّت أستاذ الأدب والنقد في جامعة الأميرة نورة الدكتورة دوش الدوسري، من سمات الناقد الحقيقي: العقل الباحث والمرونة الفكرية، التي تتقبل الاختلافات، وتستوعب المستجدات في مجالها، وتتعايش مع تحولات الزمن، وتغير الرؤية، وترى أن مراجعات الناقد لآرائه سمة ذكاء، والذكاء يكمن في عمق الرؤية، أثناء التحولات العلمية والمنهجية، خصوصاً أنه يتعامل مع نصوص إبداعية شديدة الحساسية، كونها منتجاً إنسانياً.

وأضافت: سبقنا علماء في مراجعاتهم الفكرية، فمن المعروف مراجعات الإمام الشافعي لآرائه الفقهية، فيما عرف بالفقه الجديد والقديم، فمن باب أولى أن تحدث هذه المراجعات في النقد، وزادت: تحضرني هنا مراجعات الشاعرة والناقدة نازك الملائكة، بوصفها دارسة للنقد الأدبي وحصلت فيه على درجة عالية، ولها أكثر من كتاب فيه، وفي كتابها (قضايا الشعر المعاصر) أعلنت نازك تراجعها عن آرائها المتطرفة تجاه موسيقى الشعر العربي، خصوصاً في ما يتعلق بالقافية الموحدة، فبعد أن كانت تحاربها وتدعو إلى عدم التقيد بها، وتصفها بأنها: الحجر الذي تلقمه الطريقة القديمة كل بيت، صارت تدعو إلى قافية موحدة، ولو توحيداً جزئياً في الشعر الحر؛ نظراً لما يفقده من غنى موسيقي لاعتماده على وحدة التفعيلة.

وذهبت إلى أن مراجعات الناقد، حين تصدر عن علم وعمق، وليس عن عاطفة وحماس، فهي خطوة مهمة في تصحيح المسار، ودليل مرونة ووعي ومتابعة وإيمان برسالته.

فيما أكد الناقد أحمد بوقري أن ما قاله الدكتور سعيد السريحي ليس له قيمة كبرى، بحكم التوقيت، موضحاً أن المراجعات للحركة الحداثية ككل مقبولة، خصوصاً عندما يكون التناول موضوعياً، ويمكن نشرها في كتاب، لافتاً إلى أن المراجعات لن تفيد بشيء ولن تغيّر صورة المشهد، وقال بوقري: «مع كامل احترامي للدكتور سعيد لن يكون لهذه المراجعات أي مردود إيجابي»، وأضاف: «الإيجابية مطلب، والجيّد سيبقى، والرديء يزول ويتلاشى، ونحن مطالبون بالإنتاج والعمل لليوم وللغد، وليس للماضي».

فيما عبر الناقد الدكتور عبدالله السمطي عن إعجابه بمقولة الدكتور سعيد السريحي التي وردت في الحوار مع «عكاظ»، إذ قال: «انزع عني ما شئت من الصفات، واترك لي صفة واحدة، صفة الصدق، فقد دفعتُ ثمن الصدق غالياً»، وقال السمطي: «ها هو السريحي يعود ثانية ليدفعه أكثر وأكثر، فرأيه الذي طرحه حول الحداثة الشعرية رأي مهم جداً، وإن جاء متأخراً كثيراً لأننا أصبحنا في عصر (ما بعد ما بعد الحداثة)».

وأضاف: «لا تثريب على النقد الأدبي أن يعود لبدايات الحداثة ويراجعها، فالمراجعة مهمة لتبيين السبل، وتحديد الاتجاهات، ومآل المسارات الشعرية ومصائرها، وهو ما يضاعف مسؤولية المراجعة على الدكتور السريحي، باعتباره أحد عرابي الحداثة المتّزنين في الشعر السعودي»، وأضاف: «ليته يبدأ المراجعة ويجترح المشهد، ويعززه برؤيته وخبرته المديدة».

ويؤكد السمطي أن الحداثة ليست واحدة، فهناك حداثات شعرية متعددة، من حداثة أدونيس، إلى عبدالصبور، إلى درويش، إلى نزار قباني، إلى الماغوط، إلى حداثة قصيدة النثر، ورواد الحداثة الشعرية في السعودية، لافتاً إلى أن رواد الحداثة هم: (رواد ديوان واحد) ولم يستمروا في التجريب والإبداع المتجاوز، هكذا نقرأ: رسوم على الحائط، وخديجة، وهواجس في طقس الوطن، ورياح المواقع، وأساطير الثبيتي، كانت إرهاصات حداثة شعرية، وليست حداثة متقدمة، بينما نجد الحداثة المتقدمة لدى أجيال قصيدة النثر في المراحل التالية، وأجيال شعر التفعيلة أيضاً، فنجدها لدى فوزية أبو خالد في قصيدة النثر، ولدى عدد من الشعراء الذين تهمشوا أو هُمشوا: محمد زايد الألمعي، علي بافقيه، أحمد عايل فقيهي، لطيفة قاري، محمد الحرز، إبراهيم الحسين، أحمد الملا، علي الحازمي، وتطلّع إلى أن يتوجه نقاد الحداثة الأوائل إلى دراسة الظواهر الحداثية الجديدة إلا أنه لم يحدث، وأضاف وما ذكره الدكتور سعيد السريحي إرهاصة للمراجعة، ولتجديد دماء قصيدة الحداثة السعودية.

إبراهيم زولي: شعراء وفلاسفة ومفكرون تعرضوا للنقد القاسي.. وطالتهم السهام

على مرّ التاريخ، واجه كبار المفكرين والأدباء هجماتٍ من النقد اللاذع، مع الاعتراف الواسع ببراعتهم وإسهاماتهم الجليلة. وتنوعت دوافع هذا النقد لتشمل مواقفهم الفكرية، ومحتوى أعمالهم، وأسلوبهم الكتابي. ونستعرض هنا بعض الأمثلة البارزة من شعراء وفلاسفة غربيين تعرضوا للنقد رغم إنجازاتهم الخالدة.

تعرّض ويليام شكسبير، رغم شعبيته الهائلة، لانتقادات من معاصريه، مثل (بن جونسون)، الذي اعتبره «متوحشاً»، و«غير مثقف»، كما واجهت بعض مسرحياته، مثل (هاملت)، و(الملك لير) نقداً بسبب موضوعاتها المُظلمة وغموضها.

وتلقى شاعر عصر النهضة الإنجليزي (جون ميلتون) الكثير من النقد؛ بسبب آرائه السياسية المتطرفة. كما تعرضت بعض أعماله مثل (الفردوس المفقود) للنقد بسبب محتواها الديني.

والشاعر الرومانسي الإنجليزي (ويليام وردزورث) جُوبِه بانتقادات؛ بسبب أسلوبه البسيط، واستخدامه للغة اليومية، ناهيك عن بعض أعماله، التي طالها التجريح بسبب محتواها البسيط وعدم أصالتها.

والشاعر الأمريكي (ت. س. إليوت) صاحب (الأرض اليباب) لم ينجُ من النقد بسبب آرائه السياسية المحافظة وغموض شعره، كما أن بعض أعماله كانت هدفاً للنقد بسبب محتواها المتشائم وعدم وضوحها.

والشاعر الرومانسي الإنجليزي (جون كيتس) نالته انتقادات بسبب آرائه السياسية الليبرالية وأسلوبه المزخرف.

وواجه الشاعر والكاتب الأمريكي (إدغار آلان بو) هجوماً بسبب أسلوبه (القوطي) وموضوعاته المظلمة، ولم تكن بعض أعماله بمنأى عن النقد، بسبب محتواها الكئيب وعدم أصالتها.

والشاعر الأمريكي (والت ويتمان) أخذوا عليه أسلوبه الحُرّ، واستخدامه اللغة البسيطة، كما تعرضت بعض أعماله للهجوم بسبب محتواها الجنسي الصريح وعدم أخلاقيته. وبالمقابل ثمة فلاسفة ومفكرون واجهوا رياح الجدل. فسقراط: اتهم بالهرطقة وإفساد الشباب، وأُدين بالإعدام شرباً للسم، وأفلاطون واجه انتقادات بسبب مثاليته وتأكيده على العالم المثالي على حسابه الحقيقي.

وتوماس الأكويني أُنتُقِدَ من بعض اللاهوتيين الذين اعتبروا أفكاره غير متوافقة مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكية.

و(رينيه ديكارت) شكك بعض الفلاسفة في صحة نظريته حول «الشك المنهجي». و(جون لوك) اعتبر بعض مجايليه أن أفكاره حول (الحقوق الطبيعية) خطيرة وهدامة.

وإيمانويل كانت لم ينج، إذ أُعتُبِرت نظريته حول (العقل الخالص)، و(العقل المحض) معقدة وصعبة.

وفي تاريخنا العربي ليست الصورة وردية، فمن منا لم يقرأ عن الشعراء الذين طالتهم التُهم؛ بالزندقة والكفر وتعرضوا للقتل والصلب، بداية من طرفة بن العبد في العصر الجاهلي، مروراً ببشار بن برد في العصر العباسي.

ولا يمكن لأحد أن ينسى ابن رشد، الذي اتهموه بالزندقة بسبب آرائه حول العقلانية والفلسفة، وليس انتهاء بمعركة الرافعي مع العقاد وطه حسين، خلال النصف الأول من القرن الماضي، وفي المملكة دار شيء من ذلك بين العواد، وحمزة شحاتة، وقرأنا عن معركة (جيم جدة) بين حمد الجاسر، وعبدالقدوس الأنصاري، والقائمة تطول، بيد أن المقام لا يتسع لذكرها.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.