• الظفيري لـ «الأنباء»: بعد التحرير فتحت الجامعة أبوابها للدراسة بفضل جهود الحكومة
  • الملاعب والصالات الرياضية والأشجار لم تسلم من التخريب من قبل جنود الاحتلال الغاشم

آلاء خليفة

كانت أيام الغزو العراقي وما رافقتها من أحداث عصيبة على الكويت قيادة وشعبا بسبب ما تعرضت له البلاد من غدر وأعمال تخريب ونهب على أيدي الغزاة، وقد كانت جامعة الكويت كغيرها من المرافق العامة التي نالها نصيب كبير من التخريب والأذى والنهب،

وحول ذلك تحدث أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت د.محمد الحداد في تصريح لـ «الأنباء» انه على الرغم من هول وفداحة الغزو الغاشم على الكويت وما تمخض عنه من آثار سلبية عاصفة ومدمرة اصابتنا بشكل خاص وبالوطن العربي والعالم بشكل عام، إلا أن الرؤية الثاقبة للاوضاع الداخلية اثناء الاحتلال تكشف لنا مؤشرات ودلالات لا يمكن اغفالها لاهمية مؤسسات المجتمع في الكويت اثناء هذه الازمة والتي تجلت من خلال حجم وطبيعة المقاومة المدنية في الداخل. وبقراءة سريعة لدور هذه المؤسسات وخاصة المؤسسات التعليمية وعلى رأسها جامعة الكويت نأخذ درسا واضحا لمن يود أن يدرس أهمية مؤسسات المجتمع في حالة السلم والحرب.

وقال الحداد: لقد لعبت هذه المؤسسات اثناء الاحتلال «جمعيات نفع عام، هيئات خيرية، قوى سياسية باختلاف توجهاتها ومؤسسات تعليمية مثل جامعة الكويت» دورا رائدا وهاما في مواجهة الغزاة، حيث تم استخدام كافة الوسائل اللازمة لموجهة هذا الغزو الغاشم من العصيان المدني إلى المقاومة العسكرية. لقد شكل الغزو لكل مؤسسات المجتمع نقطة بداية لفاعلية متقدة تعمق الانتماء للوطن برزت من خلاله مشاعر الولاء والانتماء وتجذرت عواطف المواطنة، التي بينت وبلا ادنى شك اكتمال نضج المجتمع ومؤسساته في مواجهة الازمات.

عصيان متكامل

وفيما يتعلق بجامعة الكويت استذكر واسترجع د.الحداد احداثا أليمة عاشتها الجامعة في فترة الاحتلال، حيث بعد الغزو والصدمة والافاقة بأن هناك محتلا دخل البلاد، تلقائيا ودون تردد او دون اي اوامر عليا امتنع الكل من اداريين وفنيين واكاديميين عن الحضور للعمل داخل الجامعة. وصحيح أن هذه الفترة كانت فترة اجازة الصيف لأعضاء هيئة التدريس لكن حتى عندما بدأت السنة الدراسية في الاسبوع الاول من سبتمبر لم يحضر اي عضو هيئة تدريس إلى الجامعة بل أن البعض منهم كونوا خلايا لمقاومة المحتل في مناطق متعددة، وكان هناك عصيان مدني متكامل من جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، علما بأن الغزاة اعطوا اوامر لكل العاملين في الجامعة بالانتظام في العمل مهددين بقطع الرواتب، الا ان الكل سواء كويتيون او غيرهم من العاملين في الجامعة لم يهتموا بهذه الدعوة او التهديد واستمر العصيان المدني إلى ان تحررت الكويت. لذلك وبعد الامتناع عن مزاولة العمل تحولت مباني جامعة الكويت إلى مرتع لهم يعبثون فيه، حيث استخدمت القاعات الدراسية مواقع لحجز شباب المقاومة، وأماكن للتعذيب ومكاتب لجلاوزة النظام ليديروا اعمالهم الاجرامية في البلاد، واخص بالذكر موقعين لمكاتبهم وهما في الخالدية والشويخ.

نهب وسرقة

وشدد د.الحداد على ان الجامعة مثلها مثل اي مؤسسة اخرى في الدولة تم نهبها وافراغها من كل شيء، وتم نهب الاقسام العلمية والمختبرات التابعة لها، واتحدث عن تجربتي الشخصيه، حيث تم نهب مختبر كامل بما يحتويه من مقتنيات لقسمنا العلمي قسم الانثروبولوجي او علم الانسان. وأنا اول «انثروبولوجي» حاصل على شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة في هذا التخصص لذلك كانت مسؤوليتي كبيرة بإنشاء قسم جديد بعناصره البشرية والمادية في حقبة الثمانينيات.

وأضاف د.الحداد: ومع الأيام الاولى للتحرير ذهبت إلى الكويت ومباشرة انطلقت إلى موقع الشويخ، حيث قسم الانثروبولوجيا هناك لأتفقد المكان وعلى الاخص المختبر الذي وجدناه فارغا تماما من محتوياته، حتى الكراسي التي يجلس عليها الطلبة في المختبر سرقت. ولكن الحمد لله بعد العود الحميد بدأنا مع الزملاء بإعادة البناء ونجحنا بالعزيمة القوية والمثابرة والعمل الدؤوب بتأهيل المختبر مرة اخرى، وهذا الامر ينسحب على جميع الاقسام العلمية التي تم تخريبها ونهبها بالكامل.

إعادة البناء والتأهيل

اما فيما يتعلق بطلاب البعثات في الخارج فاستمرت الجامعة من خلال مكاتبها الثقافية في الخارج بالاشراف على الطلبة ومتابعة امورهم الدراسية. صحيح انه خلال فترة الاحتلال توقفت الدراسة في الخارج حيث استمر التوقف عند البعض لفترة قاربت الـ 13 شهرا، ولكن مع ذلك لم يحتسب هذا التوقف من ضمن فترة البعثة الدراسية، كما ان رواتب الطلاب في الخارج لم تتوقف واستمرت وكأنهم على رأس عملهم كمعيدي بعثة في الخارج.

وقال الحداد: طبعا بعد التحرير واستقرار الامور بدأت مرحلة البناء وتشكلت لجان الإعمار في جامعة الكويت وترأسها مدير الجامعة د.عبدالله شعيب وعدد من عمداء الكليات وبمشاركة العاملين الاداريين، حيث تم العمل من خلال ثلاث مراحل الاولى تقييم حجم المشكلات والاحتياجات، ثم التنظيف وازالة النفايات المتراكمة في القاعات الدراسية والمناطق المفتوحة في الجامعة بموقعي الشويخ والخالدية ثم المرحلة الثالثة وهي البناء واعادة التأهيل.

بدوره تحدث عضو هيئة التدريس في جامعة الكويت (سابقا) د.عبدالوهاب الظفيري عن بعض ما أصاب الجامعة من أضرار قائلا: إن جامعة الكويت كإحدى مؤسسات المجتمع المدني تعرضت للكثير من الممارسات وعانت الكثير من الضغوطات والتلف والتخريب كحال جميع مؤسسات الدولة على يد قوات الاحتلال العراقي البغيض الذي غزا دولتنا الحبيبة الكويت يوم 2 أغسطس 1990. وأفاد د.الظفيري في تصريح خاص لـ «الأنباء» بأنه كان لمواقف إدارة الجامعة وأساتذتها وطلابها الدور الفعال في التعامل مع هذا الموقف الجلل، لافتا إلى أنه يمكن تلخيص ذلك الأمر في 3 محاور أساسية، أولها هو الصدمة الأولى أثناء الغزو والذي جاء مع بداية دخول الفصل الصيفي وكان موقف الجميع هو عدم الرغبة في مواصلة الدراسة ورفض التعاون مع ممثلي النظام العراقي بالرغم من الجهود الكبيرة التي دفع بها النظام لإظهار أن الحياة طبيعية والعمل في الجامعة طبيعي، كما حاولت إدارة الجامعة آنذاك المحافظة قدر الإمكان على مراكز الأبحاث وما يوجد بها من أجهزة ومعلومات ووثائق علمية تخص الباحثين.

وأضاف د.الظفيري: ان النظام المحتل واجه صعوبة كبيرة في اقناع مسؤولي الجامعة وأساتذتها بالتعاون معهم، وقد مارس كل أنواع الضغوط إلا أن إصرار الجسم الجامعي وكيانه على الرفض كان واضحا، وبقي متراصا وقويا في صد تلك الفكرة تماما، وكانت تلك هي ردة الفعل الأولى لإدارة الجامعة ومنتسبيها، أما المحور الثاني فكان أثناء فترة الاحتلال والتي دامت 7 أشهر عصيبة من خلال الدور الفعال للإدارة الجامعية وأساتذتها وبعض منتسبيها وحتى الطلبة في مقاومة الاحتلال إما بالانضمام لبعض الجهات المقاومة في ذلك الوقت، المدنية منها وغير المدنية، او من الأساتذة الذين كانوا في الخارج والسعي مع الحكومة لتبني وجهة نظر الكويت وحقها في التحرر وطرد الغزاة ونقلها عالميا عبر اللقاءات ووسائل الإعلام، وكلنا يعرف أهمية هذا التحرك في ذلك الوقت لإقناع المجتمع الدولي بقضية الكويت، وفي الداخل كان دورهم كبيرا فمنهم من نزل إلى الشارع وعمل كمتطوع لخدمة المجتمع في الجمعيات التعاونية والمستشفيات والمساجد وتقديم المساعدات للأفراد والعائلات المتضررة، ومنهم من استشهد وهناك من تم تعذيبه ومنهم من تم أسره لفترات طويلة في سجون الاحتلال.

تدمير وتخريب

وبشأن المحور الثالث، قال د.الظفيري إنه يتمثل في فترة التحرير حيث شكلت الكثير من اللجان التطوعية من الأساتذة والطلبة وموظفي الجامعة لإزالة آثار العدوان على جسم الجامعة ومؤسساتها، حيث طال العبث جميع مرافقها وكل زاوية فيها من تدمير وسرقة الأجهزة العلمية إلى حرق المكتبات والأثاث وحتى تدمير الزراعة والملاعب الرياضية والتي لم تسلم من تخريب وعبث جنود الاحتلال، مشيرا إلى أن تلك اللجان التطوعية عملت وبجهود متواضعة على تنظيف ونقل الكثير من المعدات العسكرية مثل قواعد الرشاشات والقنابل اليدوية ومخازن الذخيرة التي تواجدت وانتشرت في أماكن كثيرة من الأقسام العلمية وجوانب الجامعة وإعادة ترتيب المكان قدر الإمكان إلى حين عودة عمل طاقم الجامعة إلى العمل بعد التحرير. وأشار د.الظفيري إلى أنه وفي زمن قياسي بعد التحرير بدأت الجامعة بفتح أبوابها للدراسة مرة أخرى في ظل فرحة التحرير، وكان للحكومة آنذاك الفضل الكبير في إعادة الدراسة لجامعة الكويت بأسرع مايمكن، حيث اتخذت بعض الإجراءات التي من شأنها العمل على عدم ترك الطلبة من دون دراسة فترة أطول، كما رصدت الكثير من الأموال لتعويض الجامعة عن الأجهزة والمختبرات والأثاث وكل مايلزم عملية البدء في الدراسة بشكل أكاديمي وعلمي سليم.

حرق المكتبات

وبين د.الظفيري أنه كان من ضمن الملاحظات المهمة على ممارسات جنود الاحتلال أنه كانت هناك سرقة منظمة جرت لمختبرات الأبحاث في الجامعة وأيضا التخريب المتعمد ودون مبرر لمنشآت الجامعة حتى الملاعب والزراعة، بالإضافة إلى حرق المكتبات واستخدام الكتب العلمية والأثاث للتدفئة عندما داهمهم البرد في شهري ديسمبر ويناير وحتى وقت التحرير في فبراير، لافتا إلى أن تصرف جنود الاحتلال آنذاك كان يشير إلى نقطتين أساسيتين، أولاهما افتقار الجنود إلى الثقافة العامة والمعرفة وقلة التعليم ولا أدل على ذلك من إشعال النار في الكتب العلمية المتواجدة في المكتبة ومكاتب الأساتذة واستخدامها في التدفئة دون الالتفات إلى أهمية تلك المنشورات العلمية والأدبية والمخطوطات النادرة كمراجع بالنسبة للبشرية. وأوضح أن الأمر الثاني هو انتشار السلوك العدواني من قبل جنود وأفراد النظام العراقي في التعامل مع إدارة الجامعة ومنتسبيها والتخريب الشامل وبصورة غير مبررة ومنطقية كتكسير الأثاث وتعطيل الأجهزة العلمية التي لم يتمكنوا من نقلها إلى خارج الجامعة وإتلاف المخزون العلمي من الهياكل العظمية وجماجم السلالات البشرية النادرة من مختبر «الانثربولوجيا» والتي يصعب جمعها والحصول عليها اليوم، ناهيك عن تدمير الملاعب والصالات الرياضية وحتى أشجار الجامعة لم تسلم من التخريب.

صمود وتضحيات

وقال د.الظفيري: وصل الأمر بالمحتلين وأعمال التخريب التي قاموا بها إلى أن علق أحد الزملاء بقوله، وشر البلية ما يضحك هنا، بقوله: «الحمد لله أن جنود الاحتلال العراقي لم ينقلوا أسفلت الشارع المؤدي إلى الجامعة»، تعبيرا منه عن كمية الإتلاف والتخريب الذي أصاب جامعة الكويت. واختتم الظفيري تصريحه بالتأكيد على أهمية موقف القيادة الكويتية وصمود وتضحيات شعبنا طوال فترة الغزو حتى جاءت فرحة التحرير، مستذكرا الشهداء الذين ضحوا بحياتهم فداء لكويتنا الحبيبة، قائلا: «لا يمكن إلا أن نقول الحمدلله حمدا كثيرا، ودفع الله ما كان أعظم، ونسأل الله تعالى أن يحفظ الكويت وأهلها من كل مكروه في ظل القيادة السياسية الحكيمة لصاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، وسمو ولي عهده الأمين الشيخ صباح الخالد».

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.