في كل ليلة صافية من الغيوم طوال الأسابيع الثلاثة الماضية، انهمك بوب ستيفنز في توجيه التلسكوب (المنظار) الذي أقامه في منزله صوب نجمين معينين في الفضاء البعيد على أمل أن يشهد أحد أكثر الأحداث الكونية عنفا، وهو انفجار نجمي (مستعر) تنبعث منه أضواء براقة هائلة، أشد سطوعا بمئة ألف مرة من الشمس.

وذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز أن هذا الانفجار الذي يتوقع العلماء أن يحدث في أي يوم اعتبارا من الآن، أثار اهتمام المراصد الكبرى في جميع أنحاء العالم، ويتيح فرصة للعلماء لتعزيز فهمهم لأنظمة النجوم الثنائية المضطربة.

ومما يثير الدهشة أن يعتمد علماء الفيزياء الفلكية على عدد لا يحصى من الخبراء الهواة في علم الفلك، مثل ستيفنز، ليكونوا أول من يرصد وقوع الانفجار، على الرغم من قوة الرصد ذات التقنية العالية التي يمكن أن تحشدها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا).

ويرجع السبب في ذلك إلى التكلفة العالية التي تتطلبها مواصلة تركيز معداتهم على مراقبة أحوال النجم لعدة أشهر تحسبا لموعد انفجاره.

وفي هذا الصدد، يقول توم مينيجيني مدير عمليات التلسكوب والمدير التنفيذي الشرفي في مرصد جبل ويلسون، “أعتقد أن الجميع سينظرون إلى الانفجار وقت حدوثه، لكن الجلوس في المراصد لمجرد النظر إلى النجم لن يجعل الانفجار يقع”، ويضيف مازحا أنه “مثل وعاء للطهي يخضع للمراقبة إلى أن ينضج الطعام”.

ويوضح مينيجيني أن النجم بعيد للغاية لدرجة أن ضوءه يستغرق وصوله إلى الأرض 3 آلاف عام، مما يعني أن الانفجار المنتظر وقع بالفعل قبل بناء الأهرامات المصرية، ومن المتوقع أن يظهر ضوءه الساطع مثل النجم المشير إلى اتجاه الشمال لمدة بضعة أيام فقط قبل أن يتلاشى في الظلام.

وبمجرد رصد الانفجار ستنضم بعض المراصد، الأكثر تقدما على الأرض وفي الفضاء، إلى المشاهدة بما في ذلك تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع للناسا.

ومن ناحية أخرى، يقول مانسي كاسليوال أستاذ علم الفلك في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، الذي يخطط لاستخدام مرصد بالومار الكائن شمالي شرقي مقاطعة سان دييجو لمراقبة الحدث، إن “كثيرا من الناس ينتظرون بفارغ الصبر اكتشاف الجوهرة الجديدة في التاج”، ومن المنتظر أن ينفجر المستعر في كوكبة النجوم المعروفة باسم “التاج الشمالي”.

ويعتقد أن النجم المقدم على الانفجار هو في الواقع عبارة عن نجمين، أحدهما قزم أبيض ساخن كثيف، والآخر عملاق أحمر أكثر برودة.

وهذا النجم القزم الذي نفد وقوده منذ مدة طويلة وتقلص حجمه ليصبح مثل حجم الأرض تقريبا، كان يسحب غاز الهيدروجين من جاره العملاق منذ قرابة عمر الإنسان على الأرض.

وبمرور الزمن تراكم الغاز المسروق في أسطوانة حول النجم القزم، مثل نسخة ساخنة وفوضوية من حلقات كوكب زحل، وهذه الأسطوانة ستنمو قريبا جدا بدرجة كبيرة، بحيث تصبح عنيفة وصعبة الانقياد، ثم تنفجر بشكل محتوم مثل قنبلة نووية حرارية.

ومع ذلك لا يتم تدمير أي من النجمين، وهذه العملية تكرر نفسها كل 80 عاما تقريبا.

ويعتقد أن النجم المقدم على الانفجار هو في الواقع عبارة عن نجمين، أحدهما قزم أبيض ساخن كثيف والآخر عملاق أحمر أكثر برودة (ويكيبيديا)

وفي هذه المرة التي ينتظر فيها العالم انفجار النجم، يكون جيش من المتحمسين، مثل ستيفنز، على أهبة الاستعداد لدق جرس الإنذار عندما تحين لحظ الانفجار.

وأولئك الأشخاص ليسوا مجرد هواة لأن عددا منهم نشروا أبحاثهم العلمية الخاصة بهم، بل إن ستيفنز أقام مرصدا خاصا به في منزله بمدينة رانتشو كوكامونجا بولاية كاليفورنيا.

ويسيشغل ستيفنز كل ليلة تلسكوبه، ويقضي أكثر من ساعة في تسجيل البيانات التي يبثها فيما بعد عبر الإنترنت لتجمعٍ من علماء الفلك الهواة الذين يراقبون النجم بلا توقف تقريبا.

ولا يمكن للمراصد الكبرى أن تواصل عملية المراقبة، ويتنافس مئات العلماء لكي يتاح لهم الوقت للنظر إلى مجموعة واسعة من الأهداف الفلكية كل ليلة، وهم يرون أن إبقاء التلسكوبات ثابتة لمراقبة هذا النجم الساطع يعد مضيعة للوقت الثمين المخصص لمراقبة الأجرام.

وتختلف التقديرات بشأن الوقت المتوقع انفجار النجم فيه، غير أن معظم علماء الفيزياء الفلكية يتفقون على أن الانفجار سيقع قبل نهاية العام الحالي، وعلى الأرجح أن يكون في نهاية شهر أغسطس/آب الحالي.

وعند حدوث الانفجار يكون هناك في الانتظار عدد محدود من أنظمة التنبيه التي تم إعدادها لإخطار الهواة والمحترفين، ويقول ستيفنز إن عددا من المراصد قامت ببرمجة تلسكوباتها بشكل مستقل عن خطة المراقبة الحالية لتتابع النجم عندما يأتي الإخطار بالانفجار.

ينتظر علماء الفلك أن ينفجر نجم "تي التاج الشمالي" في صورة مستعر (ناسا)

ومن ناحية أخرى، تواجه بعض المراصد الكبرى تعقيدا آخر، حيث تم تصميم الكثير من التلسكوبات الخاصة بها لتراقب الأهداف الأكثر ضعفا وخفوتا، غير أن هذا النجم الذي يوشك على الانفجار لا ينتمي إلى هذه الفئة، ومن هنا فإن توجيه التلسكوبات إليه من شأنه أن يطغى على أجهزة الاستشعار، مما يؤدي إلى ظهور صور باهتة وغير واضحة.

وهذا هو السبب في أن مرصد بالومار، بمحطة أبحاث معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا الكائن في شمال مقاطة سان دييغو، لا يستخدم تلسكوب هالي الشهير الذي يبلغ عرضه 16 قدما تحت قبته البيضاء الضخمة، وبدلا منه يستخدم تلسكوبا أصغر منه بكثير يعرف باسم “جاتيني-آي آر”، يقع بداخل مبنى من الطوب لا ينم عن طبيعة ما يحتويه ويبعد مسافة ربع ميل على الطريق.

ويقول العلماء إنه لا يزال أمامهم الكثير ليتعلمونه بشأن النجم المنفجر، وعلى سبيل المثال لا يزال علماء الفيزياء غير متأكدين من سبب انفجار بعض النجوم كل عقد من الزمان، بينما لا ينفجر البعض الآخر إلا كل آلاف من السنين.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.