في 7 أغسطس/آب الجاري، هاجمت قوات عشائرية عربية مواقع تتبع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في ريف دير الزور، لتكون هذه هي الموجة الثانية من المواجهات بين الطرفين، إذ اندلعت الاشتباكات للمرة الأولى بين الجانبين في سبتمبر/أيلول 2023.

ومع اندلاع الاشتباكات الأخيرة، أصدر إبراهيم الهفل -أحد مشايخ قبيلة العكيدات، وقد تصدّر المواجهات مع قسد في المرتين- بيانا أكد فيه أن “جيش العشائر لن يترك السلاح والأرض حتى التحرير وتطهيرها من عصابات قنديل” في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني.

وقد طال هجوم قوات العشائر في أيامه الأولى مناطق واسعة في الضفة الشرقية لنهر الفرات بمحافظة دير الزور، ومنها الصبحة وذبيان والرغيب والحوايج والطيانة وأبو حمام وغرانيج والباغوز، ونتج عنه السيطرة على معسكر تابع لقسد، بالإضافة إلى مقتل وجرح العشرات من الطرفين والمدنيين.

وبعد استقدام تعزيزات ضخمة وتلقيها مساندة من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، استطاعت قسد استعادة المناطق التي خسرتها، مما أجبر مقاتلي العشائر على الانسحاب إلى الضفة الغربية لنهر الفرات الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري.

الشرارة الأولى

تعود شرارة الانتفاضة الأولى إلى سبتمبر/أيلول 2023، وهو تاريخ ظهور ما يسمى “مقاتلي القبائل والعشائر” بزعامة الهفل، حيث بدأت الأحداث باعتقال قسد لأحمد الخبيل قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها، والذي يضم مقاتلين عربا من أبناء المحافظة، العديد منهم منتسب لقبيلة البكير المتفرعة عن العكيدات.

وبررت قسد عملية عزل واعتقال الخبيل وقيادات أخرى من مجلس دير الزور بـ”ارتكابهم الانتهاكات والجرائم” وأن تحركات قسد أتت بعد شكاوى وردت من الأهالي. وفي المقابل، اتهمها نشطاء ينتمون للمكون العربي بأنها استهدفت الخبيل بسبب الصراع على النفوذ معه.

وتطورت الأحداث نتيجة عمليات التفتيش والدهم التي نفذتها قسد إثر اعتقال الخبيل، والتي طالت منتسبين لقبيلة العكيدات، إضافة إلى زوجات بعض قادة مجلس دير الزور العسكري، مما أشعر المكونات العربية في المنطقة بأنها مستهدفة بشكل كامل.

وظهر الهفل في عدة تسجيلات صوتية في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2023، معلنًا فيها النفير العام ضد قسد في كامل منطقة الجزيرة السورية (محافظات الرقة ودير الزور والحسكة).

ومن جهة أخرى، أشار معهد واشنطن للدراسات -في دراسة أصدرها عام 2023- إلى استياء المكونات المحلية من حكم القوات الكردية واستحواذها على الموارد، وأكد عدم وجود تأييد كبير من العناصر العشائرية للخبيل، لكن ما دفعها للتحرك ضد قسد هو حالة الغضب نتيجة سقوط قتلى مدنيين خلال عمليتهم ضد قيادات مجلس دير الزور العسكري.

ونظرا لفارق القوة العسكرية بين الطرفين، تمكّنت قسد من تضييق الخناق على القوات الموالية للهفل، وانتهى به الأمر للفرار باتجاه المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري في محافظة دير الزور، لتبدأ معها مرحلة التنسيق مع النظام وحلفائه.

دور إيران والحكومة السورية

وقد بدا لافتاً أن الهجوم الذي شنته قوات العشائر مطلع أغسطس/آب الجاري انطلق من مواقع سيطرة النظام السوري في دير الزور، واتهمت قسد استخبارات النظام بشكل صريح بتدبير الهجوم ضد مواقعها، مع إغفال دور إيران، رغم تواتر المصادر التي تحدثت عن الدور الإيراني المهم في عمليات تجنيد مقاتلي العشائر وتدريبهم طوال الأشهر التي سبقت الهجوم.

وأواخر عام 2023، نشر معهد الشرق الأوسط تقريرًا استعرض فيه افتتاح إيران مراكز تجنيد لأبناء شرق سوريا، تحت إشراف القيادي في حزب الله الحاج مهدي، كما أشار إلى نية طهران المستقبلية لشن هجمات لإزعاج القوات الأميركية بالمنطقة.

وبحسب تقرير أصدره مركز جسور للدراسات المتخصص بالشأن السوري في 19 أغسطس/آب 2024، فإن هجوم قوات العشائر الأخير ضد قسد تم تحت إشراف غرفة عمليات تضم مستشارين من الحرس الثوري الإيراني، واستخبارات النظام السوري، وبمشاركة من مليشيا الدفاع الوطني الموالية للنظام.

ونظرًا للدور الواضح للنظام السوري وإيران في الهجوم، فقد عمدت قسد إلى محاصرة المربعات الأمنية التابعة للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة شرق سوريا، بهدف الضغط على النظام ودفعه للتراجع عن تنسيق هجمات القوات العشائرية ضد قسد في محافظة دير الزور.

واعتبر التقرير أن إيران وجدت في دعم هجمات قوات العشائر، ضد مناطق النفوذ الأميركي، وسيلة ضغط منخفضة التكلفة للرد على الهجمات المتكررة للقوات الأميركية على مواقع المليشيات التابعة لإيران في العراق وسوريا.

أما النظام السوري -بحسب التقرير- فأراد إظهار انخراطه الفاعل مع “محور المقاومة” من خلال تنسيق الهجوم مع إيران، بالإضافة إلى رغبته في تعزيز موقفه أمام تركيا في ظل محاولات روسيا التقريب بين أنقرة ودمشق.

وتتفق آراء كثير من الخبراء والمطلعين على الواقع شرق سوريا ومنهم سامر الأحمد الباحث في مركز عمران للدراسات المتخصص في منطقة شمال شرق سوريا، أن دور الهفل والقوات التابعة له تحول إلى “دور وظيفي” لصالح إيران والنظام السوري، وبات يشكل غطاءً لأنشطة الحرس الثوري الإيراني ضد القوات الأميركية في المنطقة.

Clashes between the PKK/YPG and Arab tribes in Deir ez-Zor spread to Manbij

مستقبل المواجهات

وعلى الرغم من توقف المواجهات في 10 أغسطس/آب الجاري، فإنه من غير المستبعد أن تتجدد لاحقًا، خاصة في ظل وصول تعزيزات لفصائل سورية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني إلى المنطقة، إذ أفاد تقرير صادر عن موقع دير الزور 24 المتخصص برصد الواقع الميداني، باستقدام تعزيزات من دمشق منتصف هذا الشهر تتبع للفرقة الرابعة المقربة من إيران إلى منطقة الشريط النهري المقابلة لسيطرة قسد شرق دير الزور.

وأفاد التقرير الصادر عن مركز جسور بعدم تفاعل إيران مع الوساطة الروسية من أجل وقف التصعيد بين قوات العشائر وقسد، وعدم حضور ممثلين عن الحرس الثوري في هذه المفاوضات، وهو ما يدفع لتوقع المزيد من الهجمات مستقبلا، وعدم توقفها عند الحد الحالي.

ومن الواضح أن الفصائل العشائرية في دير الزور باتت من الأوراق التي يمكن أن تستخدمها إيران تبعاً لحاجتها للتصعيد مع الولايات المتحدة، خاصة في حال رغبت طهران في إرسال رسائل خشنة إلى واشنطن، مع عدم تعريض الساحة العراقية للتوتر نزولاً عند رغبة الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني التي تطالب باستمرار بإعطاء فرصة للجهود الدبلوماسية لتسوية الخلافات.

وقد أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين هذا النهج بتصريحات له بتاريخ 20 أغسطس/آب الجاري، أوضح فيها أن حكومته تتحرك من أجل تجنب الانزلاق إلى حرب.

ومن العوامل المؤثرة التي ستحدد إذا ما كنا سنشهد موجة جديدة من المواجهات بين العشائر وقسد هو حجم الضغوطات التي تمارسها روسيا على إيران لوقف التصعيد، إذ أظهرت موسكو من خلال مسارعتها إلى الوساطة عدم الرغبة في توسيع المواجهات.

وإذا كانت المواجهات قد دفعت القوات الأميركية لاستجلاب تعزيزات من القوات الخاصة، فإن استمرارها قد يدفع واشنطن لزيادة تركيزها على شرق سوريا وليس العكس.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.