زولينغن- تعيش ألمانيا منذ مساء الجمعة الماضي 23 أغسطس/آب حالة من الصدمة، إثر هجوم بسكين أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 8 آخرين، خلال أحد التجمعات الاحتفالية في ساحة “فروينهوف” بمدينة زولينغن، بمناسبة مرور 650 عاما على تأسيس المدينة.

وبحسب شهود عيان فإنّ الجاني لاذ بالفرار في بداية الأمر، ولم تستطع الشرطة الألمانية تحديد هويته؛ إلا أنّه ووفقًا للشرطة بالمدينة، فإنّ المشتبه به قام بتسليم نفسه، حيث تبين أنّه لاجئ سوري يُدعى “عيسى” يبلغ من العمر 26 عاما، قدم إلى ألمانيا عام 2022.

من جانبه، أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية” عبر وكالة أعماق التابعة له تبنيّه للحادث، ونقلته بدورها صحيفة “بيلد” الألمانية، حيث يعتبر التنظيم الهجوم جزءا من إستراتيجيته للتأثير على المجتمع الغربي وزيادة التوترات الاجتماعية، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع في ألمانيا، كما يثير تداعيات خطيرة تتجاوز الجريمة نفسها، لا سيما في سياق القضايا المتعلقة باللاجئين في ألمانيا.

ولم يكن هذا الهجوم هو الأول من نوعه الذي يتبناه التنظيم، بل سبقته عدة حوادث كانت في كل مرة تترك ضحايا مدنيين، وتزيد من حدّة النقاشات داخل أروقة السياسة الألمانية عن جدوى سياسة اللجوء، وفعالية الحكومة في مراقبة المتطرفين وتحييدهم قبل أن يتمكنوا من هجوم جديد.

ويبقى المتضرر الأكبر في كل مرة هي الجمعيات الإسلامية والمساجد التي تتلقى ردود فعل غاضبة نتيجة تلك الأفعال، حيث تسعى الأحزاب اليمينية في كل مرة إلى تحميل الجالية المسلمة مسؤولية أي هجوم يتبناه تنظيم الدولة.

ردود سياسية وشعبية

شنت أحزاب المعارضة، وخاصة الأحزاب اليمينية، هجوما لاذعا على الحكومة الحالية، متهمةً إياها بالتساهل تجاه حياة الألمان والتفريط بأمن المجتمع وسلامته، حيث استغل حزب ألمانيا البديل (AFD) المتطرف الحادثة كذريعة للهجوم على سياسة اللجوء في ألمانيا، محذرا من أخطار سياسة الباب المفتوح، واستقبال مزيد من اللاجئين، ومؤكدا تعزيز موقفه ضد قانون الهجرة.

كما كرر الحزب رغبته بترحيل اللاجئين وعدم استقبال المزيد منهم، وصرّح في بيان نشره على موقعه الإلكتروني “إنّ الهجوم يثبت الحاجة إلى تشديد الرقابة على اللاجئين، وتحديد سياسات هجرة أكثر صرامة”.

وكتبت أليس فايدل، زعيمة الحزب المتطرف، على صفحتها بموقع “إكس” معلقة على عبارة “أقصى صرامة للقانون” والتي تستخدمها الحكومة، حيث وصفتها بأنها “روتينية، وتصدر عن أولئك المسؤولين تجاه الوضع البائس في البلاد، ولا تعبّر إلا عن سخرية”.

وقالت “لن تكون هناك عواقب، ولن يحدث تغيير في الفكر”، متهمةً حكومة المستشار الألماني أولاف شولتس بالتخاذل، وعدم اتخاذ أي إجراءات حاسمة، “كما يدّعي في كل مرة يحصل فيها اعتداء إرهابي في ألمانيا”، حسب وصفها.

كما عبّرت العديد من الأحزاب السياسية في ألمانيا عن صدمتها جرّاء هذه الحادثة، وعن تضامنها مع ذوي الضحايا، لكن في الوقت نفسه رفض الكثير منها استغلال أحزاب اليمين المتطرف لهذه الحادثة لأغراض سياسية وحزبية.

ودعت الأحزاب الرئيسية مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) وحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) إلى عدم استخدام الحادثة لأغراض سياسية، وطالبوا بتجنب تعزيز الكراهية ضد اللاجئين، والإبقاء على التركيز على التحقيقات الأمنية.

كما عبّر فريدريش ميرتس، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المعارض، عن حزنه الشديد وتعاطفه مع الضحايا وعائلاتهم، وشدد على التكاتف في وجه التهديدات التي تواجه المجتمع الألماني قائلا “هذه الوحشية لا يمكن تحمّلها، أفكارنا مع الضحايا وعائلاتهم ونتمنى لهم جميعا القوة في هذه الساعات العصيبة، يجب علينا أن نتكاتف في هذه الأوقات الصعبة من أجل شمال الراين وستفاليا”.

لا مزيد من التسامح

وذكرت وسائل إعلام محلية أنه ستكون لهذا الهجوم تبعات كثيرة، إذ إنه من الممكن أن يتم الضغط على المستشار الألماني شولتس لاتخاذ إجراءات عقابية سريعة بحقّ المجرمين، وترحيلهم مهما كانت العواقب القانونية لذلك.

وذكرت مواقع إخبارية ألمانية رسمية، أنّ الحكومة بصدد إعادة تقييم الوضع في كل من سوريا وأفغانستان، مما يتيح للحكومة قانونيا إعادة اللاجئين القادمين من تلك البلدان، وهو أمر لا يمكن فعله حاليا بسبب تقييم الحكومة الألمانية لتلك المناطق على أنها “مناطق نزاع مسلّح، وغير آمنة”؛ وبالتالي لا يمكنها ترحيل اللاجئين إليها.

بدورها، شددت رئيسة تحرير صحيفة “بيلد” الألمانية، وهي صحيفة تعرف بتوجهها المناهض للاجئين عموما، على ضرورة اتخاذ الحكومة إجراءات فورية، وقالت “لا مزيد من التسامح بعد اليوم”، كما دعت إلى إعادة تقييم الوضع في البلدان التي قدم منها اللاجئون، وتسريع ترحيلهم إليها.

بالمقابل، عبّر عضو الجمعية العربية الألمانية للتبادل الثقافي في مدينة هاغن ياسين الشيخ أحمد، عن حزنه الشديد على ضحايا الهجوم، مستنكرا ما وصفها بالأفعال “التي تصدر عن أناس لا يمثّلون السوريين”.

وقال الشيخ أحمد للجزيرة نت “لا يمكن أبدا تقبّل مثل تلك الأفعال الإجرامية، فنحن السوريين جئنا هربا من داعش وغيرها من المليشيات الإرهابية، ونريد أن نعيش بسلام مع الألمان”.

وأضاف “تعازينا لذوي الضحايا، ونؤكد دائما على رفضنا واستنكارنا لمثل تلك الهجمات البربرية التي لا تمثل أخلاق ديننا ومجتمعنا المسلم”.

مخاوف من التبعات

وفي السياق ذاته، قالت سلمى الشلبي وهي معلمة لغة عربية في إحدى مدارس المدينة إنهم كسوريين ومسلمين عموما يرفضون تلك التصرفات الهمجية ويستنكرونها، ويؤكدون حرصهم الدائم على سلامة علاقتهم بالمجتمع الألماني، “الذي رحّب بنا وقدّم لنا يد العون” حسب قولها، وأضافت “قلوبنا مع ذوي الضحايا، ونتمنى ألا تكون لمثل تلك التصرفات تبعات خطيرة على استقرارنا داخل البلاد”.

وذكرت وسائل إعلام ألمانية أنّ الشرطة زادت من أعدادها داخل المدن وبالقرب من مساكن اللاجئين، خوفا من ردود فعل انتقامية بحقّهم، كما ذكر موقع شرطة شمال الراين وستفاليا أنّ مدينة زولينغن ألغت احتفالات وتجمّعات كان من المقرر إقامتها خلال الفترة المقبلة، تجنّبا لمزيد من الأفعال الهجومية أو ردود الفعل.

كما عبّر كثير من السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي عن تخوفهم من ردود الفعل نتيجة هذه الحادثة، ورأى كثير منهم أن الحكومة ستقوم بمزيد من الإجراءات العقابية، قد تشمل الترحيل ورفض تجديد الإقامة أو حتى رفض طلبات اللجوء.

ويقول إسماعيل اليوسف، وهو مشرف على إحدى الصفحات على موقع “فيسبوك”، إنه سيكون هناك المزيد من الإجراءات القانونية بحق اللاجئين، وقد يتم رفض طلبات كثيرين من طالبي اللجوء الذين ينتظرون البتّ في طلباتهم، “وهذا بالضبط ما يريده اليمين المتطرف”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.