لم تترك إسرائيل وسيلة من وسائل الإبادة الجماعية إلا واقترفتها في قطاع غزة، بما في ذلك تمزيق شمل العائلات الفلسطينية، إذ افترق كثير من الأطفال عن أسرهم بسبب إصرار جيش الاحتلال الإسرائيلي على فصل شمال القطاع عن جنوبه واتباعه سياسة التهجير القسري.

منظمات دولية تقدّر أن نحو 20 ألف طفل فلسطيني بات غير مصحوب بوالديه أو بأحدهما، إضافة إلى أن 40% من المفقودين البالغ عددهم 15 ألفا أطفال لا يُعرف إن كانوا قتلوا أو ترعاهم أسر أخرى.

وحذرت الأمم المتحدة من أن إصدار إسرائيل أوامر متكررة لعائلات في شمال قطاع غزة بالنزوح إلى الجنوب يرشح تزايد حالات انفصال الأطفال عن أسرهم.

وعبر ممر نتساريم تفصل إسرائيل بين شمال قطاع غزة وجنوبه، في حين أظهرت صور أقمار صناعية أن تل أبيب وسّعته حسب ما نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في 26 أغسطس/آب الماضي.

مشتاقة لحضن أبي

الطفلة ميرا حسن (9 أعوام) تقيم في مخيم للنازحين داخل مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح (وسط) مع والدتها وجدها وجدتها، في حين بقي والدها شمال قطاع غزة برفقة والديه الكبيرين في السن لرعايتهما.

وبلغة الطفولة البريئة تقول الطفلة للأناضول “أنا مشتاقة جدا لرؤية أبي والجلوس في أحضانه”.

وتساءلت “متى ستنتهي الحرب كي ألتقي مع أبي وأقاربي؟”.

ولا يختلف حالها عن حال شقيقتها كاميليا التي تكبرها بعام واحد، إذ تقول للأناضول “والدي قرر البقاء في شمال قطاع غزة مع جدي وجدتي لرعايتهما، ونزحنا من المنزل برفقة جدي وجدتي (والدا أمي) إلى مستشفى الشفاء بغزة”.

وانتقلت عائلة ميرا وكاميليا إلى مجمع الشفاء الطبي بحثا عن الأمن والأمان بعد عملية نزوح متكررة داخل مدينة غزة، قبل اقتحام جيش الاحتلال المجمع في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وإجبار النازحين داخله على المغادرة باتجاه جنوب ووسط القطاع.

وتضيف الطفلة كاميليا بصوت حزين “غادرنا ولم نحمل معنا أي شيء، وكنا نظن أنها أيام معدودات ثم سنعود إلى منزلنا”.

وتشير إلى معاناة العائلة بعد نزوحها، وعدم توفر الأغطية والملابس الشتوية في حينها، واضطرارها لاستخدام أغطية أسرّة المستشفيات الملطخة بالدماء لمقاومة البرد الشديد.

نزوح متكرر

أما الأم الفلسطينية فاطمة فأجبرها جيش الاحتلال على النزوح المتكرر، فمن شمال قطاع غزة إلى مجمع الشفاء، وعند اقتحامه تم تهجيرها مرة أخرى إلى الجنوب برفقة والدها ووالدتها وأشقائها، لكنها لم تتمكن من اصطحاب ابنها الرضيع وابنتها الصغيرة اللذين ظلا مع زوجها في بيت جدهم في المدينة.

وتقول الوالدة للأناضول “نزحت مع والدي ووالدتي وأشقائي إلى جنوب قطاع غزة بعدما أجبرنا الجيش الإسرائيلي على ذلك”.

وتضيف بحزن عميق “أشتاق لهم كثيرا، عام كامل لم أتمكن من رؤيتهم أو عناقهم، والحصار الإسرائيلي فرق بيننا وشتت جمعنا، ولم أتمكن من العودة إليهم، وهم الآن موجودون في بيت جدهم شمال قطاع غزة”.

وتتابع “عندما نزحت كان ابني محمد يبلغ من العمر 3 أشهر فقط، والآن بعد مرور عام كامل أصبح عمره عاما و3 أشهر، وابنتي الآن عمرها عامان ونصف، عام كامل مر وهما يكبران بعيدين عني”.

وتحلم فاطمة بانتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة أو إعلان وقف لإطلاق النار يمكنها من العودة إلى منزلها وعائلتها في شمال قطاع غزة.

وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بدأ جيش الاحتلال عمليات قصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة شمالي القطاع، قبل أن يعلن في اليوم التالي بدء اجتياحه لها بذريعة “منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة”، في حين يقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة وتهجير سكانها.

عائلات مشتتة

وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية إن الحرب على غزة مزقت العديد من الأسر، واضطر كثير من السكان البالغ عددهم نحو مليوني نسمة إلى الفرار مرارا وتكرارا، مما أدى إلى تشتت تلك الأسر.

وأرجعت السبب إلى أن مجرد التنقل داخل منطقة صغيرة في قطاع غزة ينطوي عليه مخاطرة كبيرة قد تصل أحيانا إلى الموت.

وفي 24 أغسطس/آب الماضي قال متحدث منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) كاظم أبو خلف في بيان إن حرب الإبادة الإسرائيلية رفعت عدد الأطفال غير المصحوبين في قطاع غزة إلى 19 ألف طفل.

و”الأطفال غير المصحوبين” هم الذين انفصلوا عن كلا الوالدين والأقارب الآخرين، ولا يتلقون الرعاية من شخص بالغ بموجب القانون أو العرف، حسب تعريف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وفي إشارة إلى ارتفاع مذهل للإحصائيات، انتشرت مؤخرا ملصقات وصور بين خيام النازحين في قطاع غزة للبحث عن أطفال فُقدوا خلال حرب الإبادة أو خلال رحلة النزوح التي يعيشها أهالي القطاع، حسب الأمم المتحدة.

وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قالت المديرة الإقليمية لليونيسيف بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا أديل خضر في بيان إن استمرار أوامر النزوح الإسرائيلية للفلسطينيين في شمال غزة يرشح زيادة معدلات انفصال الأطفال عن أسرهم.

وأوضحت خضر أن تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال غزة يعرض الأطفال لمخاطر جسيمة من القتل أو التشويه أو الاعتقال أو الانفصال عن والديهم ومقدمي الرعاية، وسط الخطر والفوضى المستمرين.

وأشارت إلى أن الاضطرار للفرار مرات عدة في غزة وسط العمليات العسكرية المتكررة دون نهاية في الأفق يحرم الأطفال من القليل من الأمان والاستقرار المتبقي لهم.

ويعيش نحو مليوني نازح فلسطيني داخل مراكز إيواء مختلفة في قطاع غزة ظروفا صعبة يفتقدون فيها سبل العيش الكريم، في حين تنتشر بينهم الأمراض المعدية بسبب الاكتظاظ ونقص المياه والغذاء وانخفاض أدوات ومستوى النظافة.

وبدعم أميركي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حربا على غزة خلفت أكثر من 143 ألف شهيد وجريح فلسطيني -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.