أورد موقع “موندويس” الأميركي أن شهادات شهود عيان من شمال غزة تظهر أن إسرائيل تستخدم تقنية التعرف على الوجه للاعتقالات الجماعية والتهجير القسري، ويقول بعض الفلسطينيين إن هذه التكنولوجيا تستخدم أيضا لتنفيذ عمليات إعدام ميدانية.

ونقل المراسل طارق حجاج في تقرير للموقع عن إسحاق الداور (32 عاما)، الذي كان يحتمي مع عائلته في مدرسة أبو حسين التي تديرها الأمم المتحدة في مخيم جباليا للاجئين عندما اقتحم الجيش الإسرائيلي الملجأ في 20 أكتوبر/تشرين الأول، قوله إن الجيش الإسرائيلي أجبر أكثر من 700 شخص على الخروج من المدرسة وقادهم إلى خندق كبير حفره مسبقا.

وأضاف الداور، من حي الرمال في مدينة غزة، أن جيش الاحتلال “جعل جميع الرجال ينزلون إلى الخندق أولا، ثم أمرونا بالخروج واحدا تلو الآخر وأوقفونا كل واحد منا أمام كاميرا تم تركيبها في مكان قريب”.

الإخفاء القسري والإعدام

واستمر الداور يحكي أن الجيش جعل الرجال يقفون أمام “الكاميرا” لمدة 3 دقائق على الأقل للشخص الواحد، وهي فترة كافية للكاميرات لمسح وجوههم والكشف عن البيانات الشخصية التي يبدو أنها مخزنة بالفعل في نظام الجيش الإسرائيلي.

وبعد الفحص، قال الداور إن الجنود سيكشفون معلومات عن كل فرد، بما في ذلك الاسم والعمر والعمل وأفراد الأسرة والأسماء ومكان الإقامة وحتى الأنشطة الشخصية، وعندما يشتبهون في شخص ما، يأخذونه بعيدا إلى مكان مجهول.

أما بالنسبة لأولئك الذين لديهم أقارب ينتمون إلى حركات المقاومة الفلسطينية أو ينتمون شخصيا إلى فصائل المقاومة، فقد تكهن الداور بأن “مصيرهم هو الموت الفوري”، مستشهدا بقصص سمعها من آخرين في غزة، تم أخذ أصدقائهم وأقاربهم عند نقاط التفتيش ولم يظهروا مرة أخرى، أو عادوا إلى غزة في أكفان.

وقال حجاج إن الداور واحد من آلاف الأشخاص الذين طُردوا من مخيم جباليا للاجئين واُمروا بالتحرك جنوبا تحت تهديد السلاح من قبل الجيش الإسرائيلي.

“خطة الجنرالات”

يُذكر أن النزوح القسري للآلاف من جباليا يُعد جزءا من هجوم إسرائيلي على شمال غزة بدأ في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وهدفه هو تنفيذ خطة لمجموعة من كبار الجنرالات الإسرائيليين تهدف لإفراغ شمال غزة من سكانها من خلال التجويع والقصف، وتُسمى “خطة الجنرالات”.

وأفاد ناجون من جباليا مثل الداور أن الجيش الإسرائيلي يستخدم تقنية التعرف على الوجه لفحص السكان والتعرف على الأشخاص من مسافات بعيدة وإخراجهم من الحشد.

ويقول شهود عيان إن الجيش الإسرائيلي أقام نقاط تفتيش أمنية في جميع أنحاء شمال غزة، حيث يتم نشر تقنية التعرف على الوجه. وحسب ما ورد، يستخدم الجيش هذه التكنولوجيا عندما يقتحم ملاجئ النازحين. ويفيد شهود عيان بأن القوات الإسرائيلية في هذه الحالات تحاصر الناس في أماكن مغلقة، وعادة ما تكون خنادق حفرتها الجرافات العسكرية، لتفحص الفلسطينيين بشكل فردي.

“مخيفة”

وأبلغ عدد من الناجين من جباليا مراسل الموقع بأن الجيش الإسرائيلي يستخدم مسيرات كوادكابتر “للتعرف على الأشخاص على الفور من مسافة بعيدة”، وأن الجنود يوقفون الناس عند نقاط التفتيش لإجراء “مسح بالكاميرا” يستمر لعدة دقائق، مضيفين أن هذه كانت مخيفة بشكل خاص لأنها تجعل الشخص ينتظر مصيرا غير مؤكد.

وقال شهود عيان لموندويس إنه بعد أن يقوم الجيش بمسح وجوه الناس، يتم احتجاز معظمهم لاستجوابهم الميداني، الذي يستخدم الجنود خلاله ما يصفه الداور بأنها ” تكتيكات نفسية” لزعزعة الأشخاص الذين يتم استجوابهم، مدعين أنهم يعرفون كل شيء عن حياتهم وأنهم إذا كذبوا في إجاباتهم، “سيقتلون”.

وقال الدوار إن الأسئلة عادة ما تكون واسعة النطاق: “يسألوننا عن أقاربنا وجيراننا وتحركات مقاتلي المقاومة على الأرض ومن نعرف منهم ومن هم. إنهم يقنعوننا بأنهم يعرفون بالفعل كل شيء عنا من خلال ذكر تفاصيل دقيقة عن حياتنا، ثم يهددوننا بالقتل إذا كذبنا”.

قواعد بيانات شاملة

وذكر الموقع أن هذه التقنية تأخذ معلومات من قاعدة بيانات عن الفلسطينيين تم بناؤها على مر السنين، بما في ذلك عن الفلسطينيين في الضفة الغربية. وإحدى قواعد البيانات هذه تسمى “وولف باك”، تحتوي على معلومات مستفيضة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، “بما في ذلك المكان الذي يعيشون فيه، ومن أفراد أسرهم، وإذا ما كانوا مطلوبين لاستجوابهم من قبل السلطات الإسرائيلية”.

ففي مدينة الخليل القديمة في جنوب الضفة الغربية، تستخدم كاميرات المراقبة الإسرائيلية نظام تعرف على الوجه يسمى “الذئب الأحمر” على الفلسطينيين الذين يمرون عبر نقاط التفتيش في المدينة. وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر مايو/أيار 2023: “يتم مسح وجوههم، دون علمهم أو موافقتهم، ومقارنتها مع إدخالات بيانات حيوية في قواعد البيانات التي تحتوي حصريا على معلومات عن الفلسطينيين”.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد حذرت من استخدامات خاطئة لبيانات وتقريبات غير دقيقة للإبلاغ بواسطة الذكاء الاصطناعي عن الأعمال العسكرية. كما أظهرت عديد من المعارض الإعلامية كيف أن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه تحدد المدنيين بشكل فضفاض أهدافا للاغتيال أو تنبه الجيش الإسرائيلي إلى استهداف أعضاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عندما يكونون مع عائلاتهم.

تجربة مرعبة

وتقول هبة الفرام، وهي واحدة من النازحين الذين مروا عبر نقاط التفتيش التابعة للجيش خلال غزو جباليا، إنها تعرضت لفحص الوجه والشبكية، في تجربة وصفتها بأنها مرعبة.

وأضافت: “كان الجميع يقفون في الطابور، رجالا ونساء، وكان الجميع يحملون هوياتهم بأيديهم. كان الجنود يستخدمون الليزر للتحقق من بطاقات الهوية الخاصة بنا من مسافة بعيدة قبل أن نصل إليهم”.

واختار الجيش، كما تقول الفرام، أشخاصا من قائمة الانتظار باستخدام مؤشر “ليزر” مثبت على دبابة، وأضافت أن “الجنود اعتقلوا أكثر من 100 رجل أمام عيني، وأمام زوجاتهم، وكانوا يضربونهم ويلعنونهم ويهددونهم وعائلاتهم بالقتل. رأت عديد من الزوجات أزواجهن في هذه الحالة”.

وتستمر الفرام في شهادتها: “كان الجنود يقولون للنساء سنقتلكن برصاص القنص، وندهس جماجمكن بالدبابات، ونجعلكن تنزفن حتى الموت، وكانت النساء مرعوبات واعتقدن أنهن سيقتلن”.

أقارب المقاتلين

بعد ذلك، كان الجنود يجمعون كل 5 نساء مع بعض ويمشون بهن إلى فحص أمني أو مسح للوجه أو العين، وقالت إن الجنود “اعتقلوا امرأتين أمامي من الحشد بناء على مسح الوجه. قال الناس -في وقت لاحق- إنهما أقارب لأشخاص معروفين بأنهم أعضاء في فصائل مسلحة، لكنهما كانتا من النساء. كانتا تحملان أطفالا”.

تابعت الفرام: “أمرهما الجنود بإعطاء أطفالهما لنساء أخريات، فأصيبتا بالذعر، وكانتا تنظران حولهما بشكل محموم بحثا عن أي امرأة تعرفانها لإعطاء أطفالهما لها”.

وقالت أيضا: “كنا نسير نحو نقطة مسح الوجه في رعب تام في قلوبنا، نسير بين عشرات الدبابات والجنود الذين يوجهون أسلحتهم نحونا. ثم نقف هناك لمدة 3 أو 5 دقائق. كانت أسوأ دقائق في حياتي. يتم تحديد مصير الناس بناء على هذا الفحص: اعتقال أو ضرب أو إذلال، أو إطلاق سراحهم وإجبارهم على المغادرة باتجاه الجنوب”.

التهديد بقتل النساء

وبعد أن يقوم الجنود بفحص الوجه، تبدأ الأسئلة حول الجيران والأقارب: “سألونا أين هم، أين يمكننا العثور عليهم، متى رأيناهم آخر مرة. لم نكن نعرف شيئا عن هذه التفاصيل، لذلك لم نكذب عندما قلنا إننا لا نعرف، فقد كانوا يهددوننا بأننا إذا كذبنا، فسوف يكشفون الكذبة ويطلقون النار علينا على الفور”.

ويقول تقرير الموقع إن من بين كل اللحظات المرعبة التي عاشها سكان شمال غزة، يقول كثيرون إن أكثر لحظات حياتهم رعبا كانت عندما أوقفوا عند نقطة تفتيش إسرائيلية.

وقال عبد الكريم الزويدي، الصحفي في شمال غزة، لموندويس: “كانت أكثر اللحظات رعبا هي التي وقفتُ فيها أمام الكاميرا لفحص الوجه”.

وقبل أن يصل الزويدي إلى نقطة التعرف على الوجه في طريقه نحو مدينة غزة، رأى جيش الاحتلال يعتقل عديدا من الشباب. وكونه صحفيا فلسطينيا يعمل في قطاع غزة، فهو مثل عديد من زملائه معرض بشكل خاص لخطر الاستهداف.

لا مهرب

وقال الزويدي إنه خلال مسيرتهم جنوبا، يحاول عديد من سكان جباليا تجنب نقاط التفتيش القادمة، وغالبا دون جدوى، “لقد سمعنا القصص عن نقاط التفتيش وكيف كانوا يعتقلون الناس، لذلك حاولنا بأي طريقة ممكنة تجنب المرور عبرها، لكن لم تكن هناك طريقة للهروب”.

وأوضح الزيدي أنه “عندما يتم فحصنا، ويظهر الفحص أنه سيتم القبض على أحدنا، يبدأ الجنود في ضرب الجميع وشتمهم قبل أن يأخذوا الشخص الذي أظهره الفحص بعيدا ويختفي. رأينا هذا المشهد أمامنا لعشرات الشبان”.

بينما كان الناس ينتظرون الفحص، قال الزويدي، يقوم الجنود بضرب الشبان وشتمهم. قام الجيش بضرب الزويدي بشدة بينما كان واقفا وينتظر دوره. وقال “لقد كانوا قذرين في معاملتهم لنا، لكن ماذا يمكن أن نقول ردا على جيش مسلح مع كل هذه الأسلحة وعلى استعداد للقتل؟”، مضيفا: “لقد استخدموا كل طريقة مهينة ضد الناس العاديين”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.