رام الله- بعد 24 ساعة على هجوم المستوطنين على المنطقة التي تسكنها نانسي كراكرة، لا تزال هي وزوجها في صدمة.
تقول بعدما سمعَته وعائلتها من أصوات إطلاق رصاص وانفجارات متلاحقة، إضافة للدخان الذي ملأ شقتهم وألسنة النيران التي علت إلى باقي شقق البناية “اعتقدت أن البناية جميعها تحترق، قوة انفجارات هزت كل شيء في الشقة”.
ونفذت مجموعة من المستوطنين، فجر الاثنين، هجوما على حي سكني في المنطقة الصناعية شرق مدينة البيرة شمال رام الله، وأضرموا النار في 18 مركبة فلسطينية كانت مركونة في مواقف بنايات الحي، مما تسبب في إحداث أضرار جسيمة لجدران البنايات السكنية ونوافذها.
أول ما تبادر إلى ذهن كراكرة هو حمل طفلتها تاليا التي تبلغ من العمر أسبوعا فقط وابنتها ياسمين (5 سنوات) والهرب بهما إلى أقصى مكان في المنزل وهي تصرخ، فقد كانت تخشى على ابنتها حديثة الولادة من الاختناق بالدخان.
زوجها ثائر، الذي أفاق على صوت صراخها، خرج يستوضح ما يجري، وعند الباب الرئيسي للبناية شاهد النيران تندلع في المركبات، فعاد إلى منزله وهو لا يرى ما أمامه من كثافة الدخان.
كل ذلك ولم يكن ثائر أو زوجته على علم بمصدر النيران أو الانفجارات وقال للجزيرة نت “لم أتوقع أن يكون المستوطنون (مصدرها)، حتى عندما طرق جارنا الباب وبدأ بالصراخ مستوطنين مستوطنين لم أستوعب”.
توغل لأول مرة
ثائر، المنحدر من بلدة سنجل شمال رام الله، وهي القرية المحاطة بالمستوطنات وتتعرض لاعتداءات بشكل مستمر، كان يعتقد أن سكنه في مدينة رام الله سيكون أكثر أمانا له ولعائلته، ويوضح “لم أتخيل يوما أن يتجرأ المستوطنون إلى هذا الحد. كنا نعتقد أننا نعيش في أكثر المناطق أمنا”.
بقي المستوطنون في المنطقة أقل من نصف ساعة، ولكنها بالنسبة لعائلة ثائر و9 عائلات أخرى تسكن العمارة كانت دهرا.
إيهاب الزبن، الجار الذي يسكن الطابق الأول على مستوى الشارع، كان أول من كشف وجود المستوطنين. فبينما كان يتابع نشرات الأخبار على التلفاز سمع أصواتا في الشارع، ومن نافذته رأى 8 إلى 10 مستوطنين ملثمين يحمل بعضهم السلاح، وما إن وصلوا إلى العمارة حتى قاموا بسكب مواد حارقة على المركبات وبدؤوا بحرقها، بينما قام أحدهم بخط شعارات عنصرية على الجدران.
يقول الزبن للجزيرة نت “صرخت بأعلى صوتي لعلهم يخافون، ولكن لم يكترث أحد واستمروا بإشعال المركبات وقاموا بإطلاق الرصاص بالهواء”.
خرج الجار من منزله مسرعا بعد أن جمع زوجته وأطفاله الأربعة في غرفة بعيدة عن الشارع، حاملا مِطْفأَة الحريق المثبتة عند الباب الرئيسي، وقام بمحاولة إطفاء النيران التي بدأت تشتعل في مركبته ومركبات الجيران، وعاد ليوقظ الجيران.
ويبدو أن محاولاته لإطفاء الحريق باءت بالفشل فقد وصل متأخرا، حيث أتت النيران التي أشعلها المستوطنون على كل المركبات التي رُكنت على طرفي الشارع.
ليست هذه المرة الأولى التي ينزل فيها المستوطنون إلى أطراف المدينة، ولكنها المرة الأولى التي يتوغلون فيها إلى المناطق السكنية، ويضيف الزبن “جاؤوا مشيا على الأقدام من الطريق الالتفافي، وانسحبوا دون أي مواجهة من أحد”.
مطالبات بالحماية
مشهد اندلاع النيران في حوالي 20 مركبة وما دخل منها عبر نوافذ الشقق المطلة على الشارع خلق حالة خوف كبيرة لدى الأهالي الذين شعروا أنهم تركوا وحدهم في منطقتهم غير البعيدة عن مقر المقاطعة (مقر إقامة الرئيس الفلسطيني) وعدد كبير من مقرات الأجهزة الأمنية والوزارات التابعة للسلطة الفلسطينية.
يقول إيهاب “طالبنا المسؤولين بالحماية، على الأقل أن يتم تخصيص دورية من الأمن الوطني بشكل متواصل في المنطقة، وإغلاق الطريق الفرعية التي قدموا منها”.
هذه المطالبات يجدها الكثيرون من الفلسطينيين جزءا من دور السلطة الذي تقاعست عنه، وتركت أبناء شعبها يواجهون مصيرهم وخاصة في المناطق التي تقع تحت سيطرتها بالكامل بحسب الاتفاقيات الدولية التي وقعتها، وهو ما عرّضها لموجة من الانتقادات، وربط هذا الاعتداء بالسيادة الفلسطينية، مع ما تمثله مدينة البيرة وتوأمها رام الله من مركز للسلطة الفلسطينية.
وفي بيان لـ”المؤتمر الشعبي الفلسطيني – 14 مليون”، وهو مبادرة شعبية فلسطينية مستقلّة من فعاليات ومبادرات وشخصيات في الوطن والشتات، دعا “الأجهزة الأمنية إلى حماية الأرض والشعب وممتلكاته، مطالبا بمحاسبة المسؤولين وعلى رأسهم وزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية، والإعلان عن البدء الفوري بتشكيل لجان الحراسة والحماية الشعبية للدفاع عن أبناء شعبنا وممتلكاتهم”.
ولماذا الأجهزة الأمنية؟ يجيب على ذلك الناشط السياسي عمر عساف بالقول إن الحماية يجب أن تكون رسمية وشعبية، مع تخصيص السلطة لأجهزتها الأمنية بأكثر من ربع ميزانيتها.
وأضاف عساف للجزيرة نت “تجرأ المستوطنون على هذا الاقتحام بسبب التنسيق الأمني مع الاحتلال من جهة، وعدم محاسبة المستوطنين والتصدي لهم من جهة أخرى من قبل الأجهزة الأمنية”.
وقال إن هذا الاعتداء يجب أن يدفع السلطة إلى إعادة النظر في العقيدة الأمنية وإلغاء التنسيق الأمني مع الاحتلال.
ويؤكد الناشط في مقاومة الجدار والاستيطان جمال جمعة على مسؤولية السلطة وأجهزتها الأمنية في التصدي لهذه الاعتداءات، ويقول للجزيرة نت “السلطة الفلسطينية هي التي نصبت نفسها مسؤولة عن هذا الشعب وأجهزتها الأمنية هي التي تحمل السلاح وعليها تحمل تبعات ذلك”.
واعتبر جمعة أن اعتداءات المستوطنين الحالية لن تكون الأخيرة، مؤكدا أنها تتضمن رسائل سياسية واضحة لضم الضفة الغربية وتهجير أكبر عدد ممكن من السكان، وقال “المدن الفلسطينية لن تكون بعيدة عن هذه الاعتداءات”
السلطة تدين
من جهتها، أدانت مؤسسة الرئاسة الفلسطينية على لسان الناطق باسمها نبيل أبو ردينة الهجوم، قائلا “هذه الاعتداءات والجرائم من قبل مليشيات المستعمرين الإرهابية ما هي إلا نتيجة لاستمرار حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على شعبنا ومقدساته وممتلكاته، وتتحمل مسؤوليتها حكومة الاحتلال والولايات المتحدة على حد سواء”.
وطالب أبو ردينة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل “لوقف إجراءاتها وانتهاكاتها كافة بحق شعبنا، وإلزامها بجميع الاتفاقيات الموقعة معها”.
من جهتها، قالت محافِظة البيرة ورام الله، ليلى غنام في تصريحات صحفية لها إن هذه الاعتداءات في مكان قريب من مراكز السيادة الفلسطينية هي رسالة بأن إسرائيل لم تعد ترى أي سيادة لأحد غيرها، ولا وجود لأي قانون دولي في ظل صمت المنظومة العالمية التي تستخدم الدم الفلسطيني في انتخاباتها.
وأضافت “نحن شعب محتل ولن نكون أقوى من الأمم المتحدة التي منعوا دخولها إلى الأراضي الفلسطينية”، في إشارة إلى حظر الاحتلال الإسرائيلي لوكالة الأونروا، مما يستدعي الوحدة في مواجهة كل ذلك.