وتستغل أثيوبيا القتال المستمر بالسودان منذ 15 أبريل، للمضي قدماً في عملية الملء الرابع للسد، دون اتفاق مع دولتي المصب، حيث يرى مراقبون أن الوضع الأمني الهش بالسودان، أضعف موقف مصر حالياً بشأن تلك الأزمة، وهو ما تدركه إثيوبيا، لذلك تسعى بكل ما لديها التسريع في عملية الملء الرابع للسد، في الوقت الذي ترى فيه القاهرة أن مياه النيل تمثل 97% من تأمين حاجاتها للمياه، والتأكيد على حقها التاريخي بمياه النهر، وأن سد النهضة يمثل تهديداً وجودياً للشعب المصري.
وكشف خبير المياه والأستاذ بكلية الزراعة بجامعة القاهرة الدكتور جمال صيام، في دراسة حديثة تحت عنوان «الميزان المائي لمصر وتطوراته المحتملة بحلول 2050» أن إثيوبيا مستمرة بعملية التخزين الرابع للسد لأعلى قدر، متوقعاً أن يصل مخزون بحيرة سد النهضة مع بداية شهر أغسطس القادم لـ 35 مليار متر مكعب.
وشدد صيام على أن الظروف السياسية باتت مناسبة لأديس أبابا أن ترفع القدر الذي تريده من المياه في ظل توقف المفاوضات، وهي تلقي حالياً باللوم على الوضع في السودان، مثلما ألقت من قبل على مصر وقت انشغالها بثورة 25 يناير، وتريد تخزين 74 مليار متر مكعب من المياه بخزان السد، بحلول ما بين «2024- 2026» ومصر ترى أن هذا الكم الكبير من المياه يعتبر تهديداً لأمنها المائي.
وأبدى خبير المياه مخاوفه الكبيرة من تداعيات الملء الرابع، والتي ستصل لدرجة عطش المحاصيل والناس، وخروج الكثير من المحاصيل من قائمة المزروعات في مصر، نتيجة العجز المائي، مبيناً أن تحليل الميزان المائي لمصر حتى عام 2050، يعد أمراً غاية الأهمية، سواء على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، في ضوء ما تعاني منه البلاد من عجز مائي مزمن يتوقع أن يتفاقم على المدى الطويل وبالنظر لعدد سكان مصر البالغ نحو 100 مليون نسمة في 2020، فإن نصيب الفرد من المياه العذبة يبلغ 597 متر مكعب سنوياً وهو أقل من خط الفقر المائي العالمي «1000 متر مكعب سنوياً»، كما أن جملة الموارد المائية العذبة في مصر نحو 59,7 مليار متر مكعب سنوياً، 93% منها عبارة عن حصة مصر في مياه النيل وهي 55,5 مليار متر مكعب، والباقي من المياه الجوفية العميقة والأمطار ومعالجة مياه الصرف الصحي.
ويواصل خبير المياه حديثه قائلاً: «إن إجمالي الاستخدامات المائية في مصر 81,1 مليار متر مكعب سنوياً، يستخدم القطاع الزراعي الري منها 61,6 مليار متر مكعب بنسبة 76%، والقطاع المنزلي الشرب 11,5 مليار متر مكعب بنسبة 14,2%، ويستخدم القطاع الصناعي المصانع 5,4 مليار متر مكعب بنسبة 6,7%، ويفقد في شبكة المياه 2,5 مليار متر مكعب». ويتضح أن جملة الاستخدامات غير الزراعية «الشرب والصناعة» تبلغ 16,9 مليار متر مكعب سنوياً، تمثل نحو 20,8% من إجمالي الاستخدامات المائية.
وأشار إلى أن مصر دخلت منطقة ما تحت الفقر المائي منذ أوائل التسعينيات، ويزداد عمق الفقر المائي بمرور الزمن نتيجة للنمو السكاني، مع ثبات الموارد المائية، وخطر سد النهضة الأثيوبي.
ولفت إلى أنه بحلول عام 2050، سيتأثر إيراد نهر النيل بمتغيرين رئيسيين، الأول التغيرات المناخية بما في ذلك احتمالات الجفاف، ومعدلات هطول الأمطار على الهضبة الحبشية، والثاني طريقة ملء وتشغيل سد النهضة، والسدود الإثيوبية الثلاثة الكبرى التي تخطط أديس أبابا لتشييدها على المجرى الرئيسي للنيل الأزرق، بعد بدء تشغيل سد النهضة، وكذا مشروعات التوسع الزراعي الإروائي الإثيوبية.
وأفاد أن تحلية مياه البحر، رصدت الحكومة المصرية لها استثمارات قدرها 134 مليار جنيه، لإنشاء محطات تحلية مياه البحر، لتلبية الطلب على مياه الشرب، وهو مبلغ كبير جداً، ومن المستبعد استخدام تلك المياه في الزراعة، لارتفاع تكلفتها «الإنشائية والتشغيلية» ولكن تخفف الضغط على مخصصات مياه الري، كما رصدت الحكومة المصرية مبلغ 160 مليار لإعادة استخدام المياه، وأنشأت بالفعل 3 محطات لمعالجة مياه الصرف الزراعي والصحي والصناعي، فضلاً على مشروع تحويل الأراضي المزروعة، من نظام الري بالغمر إلى نظم الري الحديثة «التنقيط والرش».
وبخصوص فواقد المياه أوضح صيام أن مصر لجأت إلى مشروع تبطين وتأهيل الأراضي الزراعية بتكلفة تقترب من 80 مليار جنيه، ومن المفترض أن هذا الأمر يحقق وفراً في فواقد شبكة الري بـ 3 مليارات متر مكعب سنوياً، وأثيرت حول هذا المشروع بعض الشكوك من قبل وزير الموارد المائية والري نفسه «أمام مجلس النواب» في ما يتعلق بالجدوى الاقتصادية له في تحقيق وفر في المياه، وإن أعطي بعدها إشارات إلى استمرار المشروع، لما له من منافع بيئية من ناحية، وتحقيق العدالة في توزيع المياه بالنسبة للزراعات في نهايات الأراضي من ناحية أخري.