اقترح مشرعون روس إزالة حركة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية الروسية، في مذكرة أرسلوها بهذا الشأن إلى مجلس الدوما (البرلمان الروسي)، وقد أثارت هذه الخطوة تساؤلات عن مستقبل العلاقات بين موسكو وكابل، فما أهميتها؟

تعليقا على هذه المبادرة، نشرت صحيفة فزغلياد الروسية تقريرا للكاتب أوليغ إيسايشينكو لفت فيه إلى أن آراء الخبراء متباينة بشأن تأثير هذه الخطوة، فهم ما بين مرحب بها يرى أنها ستحسن العلاقات بين موسكو وكابل وتؤثر بشكل إيجابي على الاستقرار في آسيا، وبين مقلل من شأنها يذهب إلى أنها لا تكتسي أهمية بالغة، لأن أبرز تهديد يواجهه روسيا في الوقت الراهن يأتي من أوكرانيا والغرب.

وذكر الكاتب أن المبادرة تنص على إمكانية تعليق حظر نشاط طالبان في روسيا بشكل مؤقت، وهو ما يتطلب إصدار قرار من المحكمة الروسية استنادا إلى طلب من المدعي العام أو نائبه بشرط وجود أدلة ملموسة تؤكد توقف الحركة عن ممارسة أنشطة تهدف إلى نشر الإرهاب أو تبريره أو دعمه.

تصريحات المسؤولين الروس

نقل الكاتب عن سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إعلانه يوم الثلاثاء، خلال زيارة إلى أفغانستان، أن موسكو تدرس إمكانية شطب طالبان من القائمة السوداء في روسيا، معتبرا أن هذه الخطوة مهمة لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.

كذلك أكد مستشار الرئيس الروسي يوري أوشاكوف أن الكرملين يدرس إمكانية إزالة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية، لكن الأمر لا يزال قيد المناقشة، حسب ما نقلته وكالة تاس عن المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أفغانستان.

وأشار المتحدث باسم الرئيس الروسي، ديمتري بيسكوف، إلى أن التعاون الوثيق مع كابل يعد أمرا ضروريا في الوقت الحالي، نظرا لموقع أفغانستان الجغرافي بجوار روسيا، لافتا إلى أن القرار بشأن إزالة الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية لم يُتخذ بعد.

وأوضح الكاتب أن دولا أخرى من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة اتخذت خطوة مماثلة، ففي ديسمبر/كانون الأول 2023 أزالت كازاخستان حركة طالبان من قائمة المنظمات المحظورة، وفي سبتمبر/أيلول الماضي أصدرت قرغيزستان قرارا مماثلا.

خطوة متوقعة

ونقل الكاتب عن كونستانتين دولغوف، النائب السابق للمندوب الدائم لروسيا في الأمم المتحدة، قوله إن السياق الدولي كان مختلفا عند إدراج طالبان في قائمة المنظمات الإرهابية عام 2003، مضيفا أن “الحركة شهدت تحوّلات منذ ذلك الحين”.

وحسب رأيه، أصبحت طالبان تحظى بقدر من الشعبية لدى الأفغان، كما أنها تتخذ موقفا متزنا في ما يتعلق بقضايا تهريب المخدرات والجريمة المنظمة ومكافحة التطرف، مضيفا أن “التهديد الحقيقي” في الوقت الراهن لا يأتي من أفغانستان، بل من كييف التي تحظى بدعم أميركي وأوروبي وتقتل المدنيين بأسلحة غربية داخل الأراضي الروسية، على حد تعبيره.

دولغوف: برأيي، هناك مبررات لإزالة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية، ومع ذلك سيكون هذا قرارا صعبا يتطلب أساسا قانونيا متينا.. تحتاج هذه الخطوة إلى إرادة سياسية واضحة

 

وتابع دولغوف “برأيي، هناك مبررات لإزالة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية، ومع ذلك سيكون هذا قرارا صعبا يتطلب أساسا قانونيا متينا.. تحتاج هذه الخطوة إلى إرادة سياسية واضحة”.

من جانبه، يرى ستانيسلاف تكاتشينكو، الأستاذ في قسم الدراسات الأوروبية بكلية العلاقات الدولية في جامعة سان بطرسبورغ الحكومية، أن قرار إزالة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية سيكون انتصارا للواقعية في السياسة الروسية، مشيرا إلى أن الحركة تحكم أفغانستان منذ أكثر من 3 سنوات، وخلال هذه الفترة كان لها تأثير إيجابي كبير على الاقتصاد والتجارة والأمن في البلاد.

وأضاف تكاتشينكو أن إزالة حركة طالبان من القائمة السوداء الروسية سيعزز فرص موسكو في التعاون مع كابل في عدة مجالات، مثل بناء خطوط السكك الحديد وخطوط أنابيب الغاز.

سيميونوف: إبقاء طالبان ضمن قائمة الإرهاب يعرقل تطوير العلاقات الثنائية بين موسكو وكابل، ويؤثر على العلاقات التجارية ويعقّد عمل رجال الأعمال الذين يرغبون في التعامل مع أفغانستان

الخطر الحقيقي

ويرى الخبير الروسي أن اعتراف روسيا بطالبان سيكون حدثا في غاية الأهمية بالنسبة للحركة، إذ إن هذه الخطوة “ستعزز نوعيا مكانة كابل في النظام الأوراسي”، مشيرا إلى أن الانتقادات الداخلية لحكم طالبان لا ينبغي أن تؤثر على العلاقات بين موسكو وكابل.

كما لفت تكاتشينكو إلى ضرورة الحذر من احتمال انتشار بعض أفكار طالبان داخل روسيا، قائلا: “بالتأكيد هناك تهديدات، لكن جهاز الأمن الفدرالي الروسي والخدمات الخاصة الأخرى يتعاملون معها. لا ينبغي تصوير أفغانستان بأكملها على أنها تكتسي لونا واحدا. هناك متطرفون، لكن هناك أيضا أشخاصا في الحكومة يتعاملون مع القضايا بشكل تكنوقراطي، ويجب أن نتواصل مع هؤلاء ونتفاوض معهم”.

وبدوره، أكد كيريل سيميونوف، الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، أن طالبان تتولى السلطة في أفغانستان منذ عام 2021 ولم تشكل طوال هذه الفترة مصدر تهديد للاستقرار الإقليمي، مضيفا أن “كابل تبذل جهدها لمكافحة الإرهاب ومنع تهريب المخدرات. وبطبيعة الحال، هذا لا يتعارض بأي شكل مع مصالح روسيا”.

وتابع سيميونوف أن “إبقاء طالبان ضمن قائمة الإرهاب يعرقل تطوير العلاقات الثنائية بين موسكو وكابل، ويؤثر على العلاقات التجارية ويعقّد عمل رجال الأعمال الذين يرغبون في التعامل مع أفغانستان”.

وذكر سيميونوف أن المفاوضات مع طالبان قائمة بالفعل على أرض الواقع، لذلك فإن إزالتها من قائمة المنظمات الإرهابية مسألة وقت لا غير، معتبرا أن “الإرهاب الحديث لا يأتي من طالبان، بل من الغرب وحلفائه”، في إشارة إلى الهجمات الأوكرانية على روسيا بأسلحة غربية.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.