وتحاول «عكاظ» في هذه المساحة أن تتيح لعدد من النخب الثقافية إبداء وجهات النظر، حول كتاب الملحم، وريادة القصيبي، خصوصاً أن تقييم البعض انصرف لمنجزات الوزير السفير الشاعر الروائي المفكّر، فيما أخذ البعض على الملحم تأخره في الردّ لأكثر من ربع قرن منذ صدور كتاب القصيبي (حياة في الإدارة) ومُضيّ نحو 15 عاماً على رحيله، فيما منح البعض الملحم الحقّ في إيضاح حقائق تاريخية خصوصاً أنه دبّج وثائق ومستندات في كتابه.
خالد المالك: أوّل معركة بينهما بدأت عام 1976
أعاد رئيس تحرير صحيفة الجزيرة خالد المالك، أول معركة بين الدكتور غازي القصيبي، ووزير الدولة السابق الدكتور محمد الملحم، إلى ديوان القصيبي (أبيات غزل) الذي صدرت طبعته الأولى عام 1976.
وقال المالك في ندوة بنادي الرياض الأدبي: تساءل الدكتور الملحم حينها، «ماذا لو أن أمير الغزل وشاعره ورائده عمر بن أبي ربيعة حياً بيننا، ماذا سيكون حكمه على ديوان يحتوي على أبيات ليس فيها من الغزل شيء»؟ ليجيب الدكتور الملحم بأنه «سيصدر حكم براءة على الأبيات، وحكم إدانة على الكلمات»، ويتساءل الدكتور الملحم موجهاً كلامه للدكتور القصيبي: لماذا تبني باليد اليمنى وتهدم باليد اليسرى، ولماذا تجمع بين النقيضين، بين السمين والغث، بين الجيد والرديء، وتمنى على الدكتور القصيبي أن يقوم بتفريغ ما يزخر به خياله الواسع في أبيات عمودية تستطيع ابنته (يارا) أن تحفظها عن ظهر قلب فترددها حينما ترغب، وقدم الدكتور الملحم في نهاية نقده للديوان نصيحة للدكتور القصيبي بأن يدع الفتاة الصغيرة تضم شعره في قلبها، في ذاكرتها، لا أن تضمه بين يديها، إلى أن يقول دع (يارا) وهي طفلة صغيرة، وبعد أن تشب عن الطوق تروي شعرك من قلبها، من ذاكرتها كما تطلب منها في إهداء الديوان لها، موضحاً أن الدكتور القصيبي، سارع بالرد على زميله الدكتور الملحم، ومن بين ما قاله: «إن رأي الدكتور الملحم بالشعر الحر معروف لديه، أما رأيه، فهو أن الشعر الحر والمقفى يستويان، والعبرة بالنوعية، كون في تراثنا الشعري أطنان من القصائد لا تستحق أن تطلق عليها كلمة شعر رغم استقامة أوزانها ووحدة قوافيها، إضافةً إلى أن سهولة الحفظ لا يجب أن تكون معياراً وحيداً للشعر الجيد»، مضيفاً: حسب هذا الديوان (أبيات غزل) أنه أمتع بعض القراء ببعض مقطوعاته، أما المقطوعات الأخرى فلعل عزاءها أن قارئاً ما في مكان ما سيعجب بها.
حمد القاضي: كتاب المُلحم مُغرض ودافعه شخصي
أوضح نائب وعضو الهيئة الإشرافية لكرسي غازي القصيبي حمد القاضي، أن القصيبي مجد تكوّن لا يحتاج من يدافع عنه. وقال «هذا كتاب مغرض لا يستحق الرد عليه، فهو أولاً صدر عن دافع شخصي، وصدر عقب أكثر من 14 عاماً على وفاة الدكتور غازي القصيبي، وتساءل: لماذا لم يصدره خلال حياته ليرد عليه؟ ولماذا لم ينشره وغازي القصيبي بيننا!؟
وأكد أن عدداً من أحبة القصيبي، يرون تجاهل هذا الكتاب وعدم الرد عليه لكيلا نسهم في انتشاره وهو لا يستحق. وأضاف: لم أطلع عليه كاملاً واستعرضته فتركته ولم أفكر باقتنائه، مشيراً إلى أن القصيبي لا يحتاج أن ندافع أو نرد عنه، فهو مجد تكوّن وعطاء مستدام وجبل كما جبل طويق بعطاءاته الوطنية والثقافية والأدبية والإنسانية لا ينكرها إلا منكر ضوء الشمس برابعة النهار؛ لذا لن يطفئ وهجه عود ثقاب، واختتم شعراً:
«مادام ذكرك بالبريّة عنبرا
حاشا يضيرك أن يضَرّك مغرض»
محمد رضا نصرالله: ردة فعل استغلت عنوان القصيبي
لم يشأ الإعلامي الثقافي محمد رضا نصرالله، الاستطراد في التعليق على كتاب المُلحم، إلا أنه لفت إلى ما تميّز به القصيبي من انفتاح وحضور وكاريزما ومنجزات أكسبته محبة شعبيّة وتقديراً رسمياً ونخبويّاً، فيما عدّ المُلحم محافظاً اختزل كثيراً من مشاعره طيلة عقود ليبثها في كتاب استغل فيه عنوان كتاب القصيبي.
إدريس الدريس: كتاب هدر كلامي
أوضح الكاتب إدريس الدريس أن الملحم صمت كل هذه الأعوام ليعتصر ويخرج لنا هذا الهدر الكلامي في حق أحد من زاملوه في المناصب عقب مواراته تحت التراب. وقال «يعلم الملحم يقيناً أنه لو أخرج كتابه خلال حياة وزير الوزارات المتعددة وأنجحهم إدارياً لكان من حقه -أعني غازي القصيبي- أن يرد على الملحم ويفنّد اتهاماته، والملحم يعلم أن القصيبي بمهاراته الكتابية وألمعيته كان سيرد ويلجمه لو كان حياً»، مشيراً إلى أن الناس -كل الناس- تعرف القصيبي أستاذاً وشاعراً وروائياً وكاتباً وإدارياً فذاً، فيما يجهل كثير من الناس ولا يعرفون أن الملحم كان وزيراً ولا كاتباً، لكنهم سيعرفونه الآن بعد أن كتب عن المغفور له غازي القصيبي، ولفت إلى أن القصيبي ليس ملاكاً، إلا أن أعماله اللافتة خلال الحقائب الوزارية التي تولاها والسفارات التي شغلها والنتاجات الأدبية التي سطرها وأبدعها كلها تشهد له، إضافة لمحبة الناس له، والناس شهود الله في أرضه، مؤكداً أنه كان الأحرى بالملحم أن يحاجج القصيبي -وهو زميله في مجلس الوزراء- وأضاف: «رحم الله القصيبي وعفا عن الملحم».
عبدالله المحيميد: عنوان شخصي موجّه
أكد الكاتب عبدالله المحيميد أنه لم يقرأ الكتاب، إلا أنه مهما يكن من أمر الوثائق التي تضمنها، فعنوانه شخصي ومُوجّه إلى الدكتور غازي، موضحاً أنه إذا كانت هناك مغالطات ووقائع غير صحيحة في كتاب القصيبي (رحمه الله) عن التنمية والإدارة الحكومية، فالأصل أن يكون العنوان مرتبطاً بموضوع التنمية والإدارة، بمعنى ليت الدكتور محمد آل ملحم كتب عن تاريخ التنمية والأحداث التي عايشها وفي نفس الوقت صحح ما يرى أنه مغالطات ووقائع غير صحيحة في كتاب الدكتور غازي، وأضاف: في النهاية يبقى غازي القصيبي أحد أعلام التنمية والإدارة الحكومية في المملكة.
عبدالعزيز السويّل: صورة القصيبي لم تحظ بفحص محايد
أكد الكاتب عبدالعزيز السويّل أن صورة القصيبي (رحمه الله) في الوجدان السعودي العام لا تزال في منطقة البريق ولم تتعرض لفحص محايد، بمنهجية تتجاوز الناموس العربي المهيمن المتمثل بالمبالغة والإفراط إعجاباً أو شيطنة. وقال: «هذا رجل أوتي بسطة في العلم والمال والبلاغة والشعر والمنصب وكل ما يرفد الشهرة واستفاد منها إلى آخر قطرة، ولا شك يتميز القصيبي (رحمه الله) من وجوه عدة، إلا أن من كتب أو تكلم عنه جنح للإفراط في الثناء. وعندما نقده أحدهم غالى في الهجاء وليس من منطقة وسط تقارب سيرته وشخصيته بمنهجية وحياد واعتدال. هذا إنسان متميز وليس متفرداً، له من السمات العالية ما يجعله أيقونة، لكنه يبقى محل خلاف بلا تشنج له أو عليه.
أبو يعرب: قذيفة الملحم لا تبقي ولا تذر
عدّ الكاتب أبو يعرب عبدالله بن شرقه، (كتاب حياة في الإدارة تاريخ ما أهمله التاريخ) للوزير السعودي السابق محمد بن عبداللطيف آل ملحم، قذيفة لا تبقي ولا تذر، وقال: «وجّه الملحم اتهامات خطيرة إلى الدكتور الراحل غازي القصيبي في رده على كتاب القصيبي (حياة في الإدارة) الذي يرى بأنه تضمن مغالطات ووقائع غير صحيحة، بل أكاذيب وقصصاً وسفسطة وهذياناً من نسج خيال القصيبي»، موضحاً أن الكتاب أدخله في متاهات البيروقراطية لكثرة المادة الأرشيفية التي ضخمت حجم الكتاب من محاضر اجتماعات ومخالفات إدارية ولوائح تنظيمية، والمادة كذا تنص على كذا، وقرارات التعيين وصور العقود وخطابات الشكر، ويرى أنه وصف القصيبي بعبارات قاسية منها (حاطب ليل، يعض اليد التي أطعمته، شخصية نرجسية عاشقة للشهرة، أصغر من الكرسي الذي يجلس عليه، يعاني من مشاكل وعقد…)، بل أورد أن القصيبي تفوق على وزير إعلام هتلر (جوبلز)! كما تنكّر لصفات غازي القصيبي الأكاديمية والقيادية والإدارية، إذ ذكر بأنه غير مؤهل من الناحية الأكاديمية ودون تجارب إدارية، وأن مؤهل غازي القصيبي الحقيقي الذي يجب أن يتفاخر به أمام الناس وهو انتماؤه إلى أب ينسب إليه هو عبدالرحمن بن حسن القصيبي، وهذه الجملة كررها في الجزء الأول والثاني من الكتاب وهو يقصد وساطة والده لدى الحكومة لابتعاثه للخارج. وأضاف: وبعدما وضع القصيبي على السفود -كما ذكر- وكتب في نهاية الكتاب، وأنه لولا قسمه أمام ولي الأمر لكشف عن تفاصيل إضافية، أمسك بالقلم لكي يهدم كل ما بناه غازي، ولم يذكر كلمة خير واحدة في حق رجل دولة ومجموعة من المواهب قل نظيرها في الوزير والسفير والأديب الذي جمع المجد من أطرافه، وأجمعت معظم القلوب على حبه، وتعلقت بمبادئه ووطنيته الصادقة ونزاهته.