جنين- بعد ساعات من إعلان السلطة الفلسطينية بدء المرحلة الأخيرة لعمليتها العسكرية في مخيم جنين، شمالي الضفة الغربية، والتي أطلقت عليها اسم “حماية الوطن”، استشهد المقاوم يزيد جعايصة بعد إصابته بالرصاص الحي في اشتباك مع أجهزة أمن السلطة، كما أصيب آخرون بينهم طفل بجروح خطيرة.

وزادت حالة الغليان داخل أزقة المخيم وبين الشباب المقاومين الذين نعوا الشهيد جعايصة، وحمّلوا الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة مسؤولية اغتياله رغم أنه قائد في كتيبة جنين ومطلوب للاحتلال الاسرائيلي منذ 4 سنوات.

وتعقيبا على العملية الأمنية، يقول الأهالي في جنين إن السلطة تهدف إلى إنهاء حالة المقاومة في المخيم ونزع سلاح المقاومين.

وفي بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية (وفا)، قال المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية أنور رجب إن “الأجهزة الأمنية بدأت في تمام الساعة الخامسة من فجر اليوم مرحلة حماية الوطن، وهي العملية ما قبل الأخيرة في المخيم بهدف استعادته من سطوة الخارجين على القانون، الذين نغصوا على المواطن حياته اليومية، وسلبوه حقه في تلقي الخدمات العامة بحرية وأمان”.

وأضاف البيان أن “المسلحين في جنين جزء من الخارجين على القانون والمهددين للسلم الأهلي، وأن الأجهزة الأمنية ماضية بكل عزيمة وإصرار في إنفاذ القانون، وملاحقة كل الساعين لتهديد السلم الأهلي والأمن المجتمعي من الخارجين على القانون وأصحاب الأجندات المشبوهة، ومن يسهّلون على الاحتلال مهمته في تنفيذ مخططاته وسعيه لتقويض السلطة الوطنية، وحرمان شعبنا من نيل حريته واستقلاله”.

“مفارقة”

وبدأت قوات السلطة الفلسطينية بالدخول إلى أطراف مخيم جنين بعد تكثيف حصار مداخله ومخارجه، وحاولت الوصول إلى بيوت عدد من الشهداء والأهالي فيه، وتفتيشها.

تقول والدة شهيد من المخيم -رفضت ذكر اسمها- للجزيرة نت إن أجهزة السلطة حاولت “اقتحام” منزل عائلتها، لكنها لم تسمح للعناصر الأمنية وطلبت من أولادها عدم التعاطي معهم. وتضيف “قلت لهم عودوا لمراكزكم وبيوتكم أنتم أولادنا، وما تفعلونه معيب جدا، لا يجوز اقتحام بيوتنا بهذه الطريقة هذه أفعال الاحتلال”.

من جانبها، تقول الشابة (ش. ص) للجزيرة نت “للمفارقة كان الاحتلال يحاصرنا في مثل هذا اليوم من العام الفائت، واستمر الحصار واقتحام المدينة لأكثر من 3 أيام، للأسف اليوم نحاصر بالطريقة نفسها من أبناء الأجهزة الأمنية التي من المفترض أن تحمينا وتكون إلى جانبنا”.

وتضيف “لا أجد فرقا بين ما يجري اليوم داخل المخيم، وما يفعله الاحتلال، الطريقة ذاتها في ترويع وتخويف وقتل الناس”. ويحذّر الأهالي من أن ما تقوم به السلطة سيؤدي لنتائج كارثية لأن “قتل الشباب المقاومين غير مبرر”.

من ناحيته، قال إياد العزمي، أحد الوجوه البارزة في المخيم، في رسالة صوتية وصلت الصحفيين، إن “المقاومين حاولوا بكل الطرق منع إراقة الدم الفلسطيني، لكن السلطة لم تلتزم بأي اتفاق أو محاولات للتسوية”.

وشدد على أن شباب المقاومة في المخيم قدموا تنازلات لمنع الاقتتال مع أجهزة السلطة الفلسطينية “رغم التزامها موقف المتفرج علينا خلال الاقتحامات الإسرائيلية، إلا أننا حاولنا ألا نصل للاشتباك معها، لكننا لن نسمح بكسر المقاومة”.

والعزمي هو والد الشهيد أمجد العزمي الذي يحتجز الاحتلال جثمانه، وشقيق شهيدين آخرين، كما أنه مطارد من قبل الاحتلال الاسرائيلي منذ عامين على الأقل.

النفير العام

ودعت كتيبة جنين إلى الإضراب وإعلان النفير العام واعتبار اليوم السبت يوم غضب في كل مناطق الضفة الغربية إسنادا لمخيم جنين. كما دعت أهالي قرى محافظة جنين للنزول إلى أطراف المخيم لفك الحصار عنه.

وفي مخيم طولكرم، تواصلت الاشتباكات بين المقاومين وأجهزة السلطة بعد إعلان مساندتهم لكتيبة جنين واستهداف مقرّات السلطة في المخيم، فيما استهدفت كتيبة قباطية، قرب جنين، مقرات السلطة الفلسطينية في البلدة قبل أيام إسنادا لمخيم جنين ومقاوميه.

ويجري الاعتقاد في الشارع الفلسطيني أن ما يحصل في مخيم جنين هو مقدمة لتطورات قد تمتد لباقي المخيمات التي تضم مقاومين فلسطينيين مثل نور شمس، وطولكرم، وبلاطة، والفارعة، وأن السلطة الفلسطينية تسعى لإنهاء حالة المقاومة التي بدأت قبل 4 سنوات وكانت نواتها في مخيم جنين.

تقول الشابة (ش.ص) إن ما يحدث الآن شهده مخيم جنين عام 2007 لإنهاء الكفاح المسلح وتفريغ المدن الفلسطينية من السلاح، وتعتقد أن “السلطة لا تسعى لاحتواء الأزمة، بل تحاول التقدم في اقتحام المخيم ومداهمة المنازل ومطاردة المقاومين حتى من كتائب الأقصى التابعة لحركة التحرير الوطني (فتح)”.

12 قتلوا برصاص السلطة

وعن احتمالية تطور الأوضاع وامتدادها إلى مخيمات أخرى، قال رئيس اللجنة الشعبية في نور شمس نهاد شاويش، للجزيرة نت، إنه يجب وضع حد لما يجري في جنين ونور شمس وطولكرم لأنه “مخالف لمصالح الشعب الفلسطيني”.

وأكد “يجب الاتفاق على خط سير واحد يرعى مصالح الناس لأننا بالنهاية أبناء شعب واحد، وعلى جميع التنظيمات والأطر الفلسطينية والمؤسسة الأمنية التوصل لحل يضمن الحفاظ على حقوق الشعب والدم الفلسطيني”.

وبرأي شاويش، فإن ما يجري لا ينبغي أن يسمى عمليات عسكرية، لأن هناك “تصرفات غير مقبولة وغير مسؤولة وقعت من الطرفين ويجب النظر فيها وتصحيحها”. وقال “أتمنى ألا تصل الأمور في طولكرم ومخيماتها وبقية المخيمات الفلسطينية لما وصلت له في جنين، والأجدى أن تكون هناك شراكة من الأمن والمقاومين وتوافق على برنامج وطني موحد”.

وبدأ التوتر مع كتيبة جنين والمقاتلين في المخيم قبل حوالي 10 أيام، بعد اعتقال أحد أفراد الكتيبة كان موجودا في مدينة جنين، ومصادرة مبلغ من المال تابع لإحدى عائلات الشهداء في المخيم. وطالبت الكتيبة الأمن الفلسطيني بإطلاق سراح المعتقل وإعادة المبلغ المصادر، وبعد رفض السلطة هاجم مسلحون مقرات للسلطة وصادروا مركبتين حكوميتين.

وتطورت الأمور بعد هذه الحادثة إلى الاشتباك المسلح بين عناصر السلطة والمقاتلين، وبعد يوم واحد قتل عنصر أمن فلسطيني الشاب ربحي الشلبي أثناء مروره على دراجة نارية في حي الهدف المتاخم للمخيم.

وخرج الناطق باسم قوى الأمن الفلسطيني أنور رجب ببيان، قال فيه إن أجهزة الأمن تتحمل المسؤولية كاملة عن مقتل الشلبي، وإنها تأسف للحادثة وستحقق بها.

وباستشهاد المطارد جعايصه صباح اليوم السبت، ارتفع عدد المواطنين الفلسطينيين الذين قضوا برصاص السلطة منذ بدء الحرب الأخيرة على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي الى 12 مواطنا.

واستنكرت حركة حماس، في بيان، ملاحقة أجهزة السلطة الأمنية للمقاومين والمطلوبين للاحتلال، “وحالة الاستهداف المتصاعد والمتعمد لهم في جنين، والتي تتماهى بشكل تام مع عدوان الاحتلال وجرائمه، دون أي اكتراث لكل النداءات بكف يدها عن أبناء شعبنا ومقاومينا” على حد قولها.

وقالت الحركة إن استمرار أجهزة السلطة بهذا “النهج المشين والذي يتنافى مع كافة قيمنا وأعرافنا، يدق ناقوس الخطر، ويؤجج خلافات داخلية نحن في غنى عنها في هذا الوقت الحساس والمصيري من تاريخ قضيتنا وما تتعرض له من مخططات الضم والتهجير”.

وارتبط اسم كتيبة جنين بالشهيد جميل العموري الذي اغتاله الاحتلال في يونيو/حزيران 2021، حيث اعتبر مؤسس الكتيبة التي انطلقت فعليا في سبتمبر/أيلول من العام نفسه بعد عملية هروب 6 أسرى من جنين كانوا معتقلين في سجن جلبوع الإسرائيلي.

وتشكّلت الكتيبة من عدد قليل من الشبان الذين يحملون السلاح وينفذون عمليات إطلاق نار على الحواجز العسكرية الإسرائيلية. ومع مرور السنوات زادت عملياتها وعدد المنتمين لها، واعتبرت امتدادا للعمل العسكري المقاوم في مدن ومخيمات الضفة الغربية، واستهدف الاحتلال قادتها بالاغتيال والاعتقال خلال السنوات الأربع الماضية.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.