عام الحرف اليدوية (2025)، تسمية ترسّخ أهمية هذه الحرفة الأصيلة في حياة العرب، ومشاركتها حياة الإنسان في كافة تفاصيل حياته، من ملبسٍ ومسكنٍ، وصولاً إلى عتاد الرَّكْب، وما تحتاجه الراحلة أيّاً كانت.

لم تكن الحرف اليدوية قبل تأسيس الهيئة العليا للسياحة في مطلع الألفية الجديدة قطاعاً متكاملاً أو منظماً، بل كانت تحظى برعاية خاصة من أصحابها وبعض القطاعات، ولم تكن ذات السلعة التي يمكن أن تساهم في تغطية الجزء اليسير من تكاليف تصنيعها، وقد كانت بوابتها الوحيدة للحضور في المشهد الثقافي هي مشاركة الحرفيين في مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة من خلال أجنحة المناطق، كذلك، لم تصل إلى مرحلة متطورة لتكون مهيّأةً للتسويق.

بعد إنشاء الهيئة العليا للسياحة عام 1421هـ، كان من ضمن أقسامها برنامج الثقافة والتراث الذي اشتمل على الحرف اليدوية كعنصر ثقافي، وخلال فترة التأسيس تم بناء هذا القسم بعدد يسير من الموظفين، وتبّنت الهيئة العليا للسياحة بقيادة أمينها العام آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز بناء هذا القسم، وأعدّت الهيئة استراتيجية الحرف اليدوية بجهودٍ ذاتية داخل الهيئة، وباستشارة مختصين ومهتمين في الشأن الثقافي من المسؤولين داخل المملكة، وبخبراء من دول عربية، أثمرت عن استراتيجية تحوّليّة لبناء هذا الركن الثقافي، واعتمدت كاستراتيجية نوعية قادت إلى بناء قطاع اقتصادي ثقافي كبير، كما أولت الاهتمام في تغيير الصورة الذهنية عن هذا المجال عندما تبنّت مسمى (بارع)؛ ليكون بديلاً للقب الحرفي، وفي ذلك أبعاد يحتاج الخوض فيها إلى مساحة أوسع وليس هذا مجالها في هذا المقال.

كان بناء قطاع الحرف اليدوية يسير جنباً إلى قطاعات أخرى احتضنتها الهيئة العليا للسياحة، لتثمر تلك الجهود عن إعلان المؤتمر الدولي حول السياحة والحرف اليدوية في العالم الإسلامي في عام 2006م بالتعاون مع مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باستانبول (ارسيكا)، الذي أقيم تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله)، وافتتح أعماله صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية رئيس مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة (رحمه الله)، الذي شمل معرضاً عن الحرف اليدوية وسوقاً تجاريةً وأوراق عمل قُدّمت على مدى سبعة أيام.

وقد كان لبناء هذا القطاع أثر كبير في إعادة إنعاش الحرف اليدوية التي أزاحتها الآلات الحديثة، وكادت أن تغيب الأيدي الماهرة عن المشهد الثقافي، والدعم الذي حظي به هذا القطاع من الدولة أعزها الله. وما لبث الأمر إلا أن صدرت التوجيهات السامية الكريمة على أن تكون هدايا ضيوف الدولة من المنتجات الحرفية المحليّة، لتكون النقلة النوعية في تطوير المنتجات الحرفية، وتصبح الحرف اليدوية اليوم قطاعاً كبيراً، وفّر فرص العمل لأصحاب المهنة، وعادت هذه الصناعة وفق أنظمة لحمايتها، واشتراطات ممارستها، وقادت هذه الجهود المشتركة بين الدولة والمواطن إلى تسجيل حرفة السدو في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في اليونسكو، ومن ثم توالت العناصر في دخول القائمة العالمية مثل القط العسيري وغيره.

وكدليل على رعاية الحرف اليدوية، ودعم إنتاجها بطريقة تساهم في تعزيز المنتج الثقافي المحلّي اعتماد ولي العهد -حفظه الله- شعار مجموعة العشرين الذي جعل من السدو علامة دولية خلال انعقاد قمّة مجموعة العشرين (G20) بمدينة الرياض عام 2020.

لم يعد قطاع الحرف اليدوية قطاعاً عادياً، وهو يحظى بالرعاية الكريمة من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، حيث تتبنى وزارة الثقافة ممثلة بهيئة التراث قطاع الحرف اليدوية الذي لعب دوراً كبيراً في تطوير الحرف اليدوية ومنتجاتها، والتدريب عليها لتكون واحدة من عناصر سوق العمل، والتسويق لها من خلال المهرجانات والمعارض الدولية والمحلية، ولنا في بنان شاهد نجاح الذي يرعاه وزير الثقافة، وهو في عامه الثاني نقل الحرف اليدوية المحلية إلى العالمية، ويشارك فيه عدد من الدول. بالإضافة إلى إنشاء المعهد الملكي للفنون الذي ساهم في تحويل هذه الحرف من أعمال مهنية فردية إلى معاهد وكليات خرّجت كفاءات وطنية تساهم في تطوير واستدامة هذا العنصر المهم من التراث الوطني، بالإضافة إلى الجمعيات الأهلية الخاصة برعاية الحرف اليدوية، والمناهج الدراسية في المراحل الجامعية.

لم يكن هذا المقال لاستعراض سريع موجز لبناء الحرف اليدوية فحسب، بل حروف فخر بمنجز أبناء الوطن بمختلف المستويات في جمع هذا الإرث الثقافي ورعايته، ليصبح اليوم شاهداً على الدعم الكبير والرعاية من ولاة الأمر أدامهم الله، في تبني وزارة الثقافة لتسمية عام 2025 بعام الحرف اليدوية، كأحد عناصر التراث الوطني، والهوية الثقافية للمملكة العربية السعودية، وقد تتمخض مسميّات الأعوام التي رسّخت الأهمية الثقافية للتراث الوطني عن إدراج مادة دراسية للتعليم العام تختص بالتعريف بالتراث الوطني غير المادي، وترسّخ الجامعات المحليّة في المناطق أهمية البحث في التراث الوطني وفق نطاقها الجغرافي، لإثراء المكتبات وتوثيق التراث وما يرتبط به من عناصر.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.