في إطار الفعاليات الختامية لدورتها الثانية، نظمت جائزة الكتاب العربي، اليوم السبت، ندوة فكرية تحت عنوان “لغة الكتاب العربي: شؤون وآفاق”، بمشاركة نخبة من المفكرين والأكاديميين المتخصصين في الفلسفة واللغة والمنطق.
واستهل المستشار الإعلامي للجائزة عبد الرحمن المري الندوة بكلمة ترحيبية، أشار فيها إلى النجاح الكبير الذي حققته الجائزة في دورتها الأولى، حيث استقطبت أكثر من 1200 ترشيح من 35 دولة عربية وغير عربية، واستعرض فئات الجائزة وشروط الترشح، موضحا مراحل التحكيم الدقيقة التي تضمن الشفافية والمصداقية.
بين المنطق والفلسفة والتأويل
بدأت الجلسة الأولى بمداخلة الدكتور كيان أحمد حازم، أستاذ اللغويات بجامعة بغداد، التي تناول فيها كتاب “التقريب لحد المنطق” للفيلسوف الأندلسي ابن حزم، مسلطا الضوء على آليات تأنيس المصطلح المنطقي وتقريبه إلى دائرة أوسع من المتلقّين العرب.
أما الدكتورة نورة بوحناش، أستاذة الفلسفة بجامعة قسنطينة 2، فقد ركزت في مداخلتها على إشكالية الكونية والفراغ الدلالي في النص الفلسفي العربي المعاصر، متسائلة عن مدى قدرة اللغة الفلسفية العربية على استيعاب المفاهيم الكونية دون تفريغها من مضمونها.
وتناول الدكتور محمد أنس سرميني، عضو الهيئة التعليمية بكلية الإلهيات في جامعة إسطنبول 29 مايو، الأبعاد اللغوية في مشروع الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، موضحا كيف وظّف اللغة في بناء مشروعه الفلسفي الذي يربط بين الفكر الإسلامي والمعاصرة.
من جهته، استعرض الدكتور صلاح إسماعيل، أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة، مساهمة الفيلسوف المصري زكي نجيب محمود في تحقيق الوضوح الفكري من خلال التحول اللغوي في الفلسفة، مبينا تأثيره في تبسيط المفاهيم الفلسفية وجعلها أكثر قابلية للاستيعاب.
واختُتمت الجلسة بمداخلة الدكتور عدنان أجانة، أستاذ النحو والصرف بجامعة عبد المالك السعدي في المغرب، الذي قدّم قراءة في المشروع اللساني العربي، متتبعا تطور البيان العربي عبر العصور.
وقدّمت الندوة مقاربات أكاديمية معمقة جمعت بين اللغة والمنطق والفلسفة واللسانيات، مما يعكس الدور الريادي الذي تسعى جائزة الكتاب العربي إلى تأديته في تحفيز البحث العلمي والفكري في العالم العربي.
وتضمنت الجلسة الثانية من ندوة “لغة الكتاب العربي: شؤون وآفاق” 5 مداخلات علمية، ناقشت موضوعات متنوعة تتصل بلغة الكتابة الأكاديمية، وتحولات اللغة العربية، وقضايا الترجمة، ودور السرديات في تشكيل المعنى.
قضايا اللغة بين الثقافة والتحيّزات
استهل الجلسة الدكتور مختار الغوث، الكاتب والأكاديمي المتخصص، بمداخلة تحت عنوان “لغة الكتاب والكتابة في الثقافة العربية”، استعرض فيها تطور لغة التأليف في السياق العربي وتأثيرها في تشكيل الوعي الثقافي والمعرفي.
أما الدكتور لؤي علي خليل، أستاذ السرديات والنقد الثقافي بجامعة قطر، فقد تناول في ورقته البحثية “هل ثمة لغة بريئة؟ دراسة في تحيّزات اللغة العربية”، موضحا كيف تنطوي اللغة على تحيّزات ضمنية تؤثر في مفاهيمنا وسياقات استخدامنا لها.
في حين ركز الدكتور أحمد صنوبر، أستاذ تاريخ الحديث النبوي بجامعة إسطنبول 29 مايو، على “لغة الكتاب الأكاديمي في الدراسات الإسلامية”، حيث ناقش خصوصيات اللغة في المؤلفات الأكاديمية ومدى توافقها مع المناهج البحثية الحديثة.
وتناول الدكتور الأصم البشير التوم، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الخرطوم، في مداخلته “بناء الجملة وأثره في إيصال الفكرة في الكتاب العربي”، محللا دور التركيب اللغوي في تسهيل الفهم ونقل الأفكار بدقة.
واختُتمت الجلسة الثانية بمداخلة الدكتور جعفر الحاج السلمي، المؤرخ والمحقق والأستاذ في عدة جامعات دولية، التي حملت عنوان “واقع الكتاب المترجم إلى العربية المعاصرة”، حيث استعرض التحديات التي تواجه الترجمة إلى العربية من حيث الدقة والأمانة العلمية ونقل المفاهيم بسلاسة.
دعم للمعرفة وتعزيز لجودة النشر
تجدر الإشارة إلى أن جائزة الكتاب العربي، التي تتخذ من الدوحة مقرا لها، تُمنح سنويا للأعمال المؤلفة باللغة العربية، وتهدف إلى إثراء المكتبة العربية عبر تشجيع الأفراد والمؤسسات على تقديم إنتاج معرفي متميّز في العلوم الاجتماعية والإنسانية. وتسعى أيضا إلى تكريم الدراسات الجادة والتعريف بها، فضلا عن دعم دور النشر الرائدة للارتقاء بجودة الكتاب العربي شكلا ومضمونا.
وللجائزة فئتان: فئة الكتاب المفرد، وفئة الإنجاز. ويمكن الترشح في أي من الفئتين على أن يندرج العمل في أحد المجالات المعرفية التي تعلن عنها الجائزة كل عام، وتشمل: العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، والدراسات اللغوية والأدبية، والعلوم التاريخية، والدراسات الاجتماعية والفلسفية، والمعاجم والموسوعات وتحقيق النصوص.