تتعدّد الأيام لمناسبة واحدة: عيد الأم. وفي العالم، اليوم، أعياد للأم، بحسب ثقافة كلّ بلد وتاريخه. وبينما يبدو العيد مفرحا في عدد من البلدان، يمر العيد هذا العام حزينا في عدد من البلدان. أمّهات فقدن أطفالهن، أو آلاف الأمّهات الراحلات، وفي الحالتين السبب واحد: الحروب.

اعلان

في الحادي والعشرين من آذار يحتفي معظم دول العالم بالأمهات. وفيما يتزامن هذا الاحتفاء مع بداية فصل الربيع، إلّا أنّ هذا الموعد السنوي ليس الوحيد للاحتفال بالأمهات وإبداء التقدير لدورهن.

أسباب عديدة وعيد واحد

ليست قصة واحدة تلك التي أوجدت العيد، رغم أن الاحتفالات متشابهة لجهة تقديم الهدايا والتعبير عن الامتنان للأمهات. وبين أسباب دينيّة كنسيّة وأسبابٍ تضامنيّة، وبين سنواتٍ متباعدة، نشأ ما يعرفه العالم اليوم بعيد الأم.

منذ منتصف القرن العشرين، وتحديدا عام 1956 تكرّس هذا اليوم من آذار عيدًا للأمهات في مصر، ومنها انطلقت هذه الفكرة إلى الدول العربية. لكنّ قصة هذه المناسبة ترجع إلى مطلع القرن العشرين، وتفيد المصادر التاريخية بأن عام 1908 كان أول عام يحتفل فيه بعيد الأم، وكان ذلك في الولايات المتحدة، قبل أن يقرّ الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون الأحد الثاني من شهر أيار / مايو عيدًا للأم وعطلة رسمية أمريكية.

بلدان عديدة تسير اليوم وفق “العيد الأمريكي” للأم، ومن أبرزها أستراليا، وكندا، والصين، وإيطاليا، وبنغلادش، واليابان، وسويسرا، وتركيا، والفيليبين، وفنزويلا، وزامبيا، وألمانيا، وماليزيا، وغيرها من الدول.

تتقاطع بريطانيا مع هذه الدول في تخصيص أحد أيام الآحاد عيدًا للأم، لكن بتاريخ مختلف منذ القرن السادس عشر، وهو الأحد الأخير من شهر آذار / مارس من كل عام. أما النرويج فتنفرد في هذا العيد خلال الأحد الثاني من شباط / فبراير، فيما يكون هذا العيد “صيفيًا” في فرنسا والسويد، حيث يحتفي الفرنسيون بأمّهاتهم في الأحد الأول من حزيران / يونيو، بينما يحتفل السويديون بأمهاتهم في الأحد الأخير من الشهر نفسه.

العيد المرّ في بلدان الحروب

بينما تسود الاحتفالات في 21 آذار / مارس، يمرُّ هذا اليوم ثقيلًا ومحزنًا على قلوب أمّهات كثيراتٍ في عدد من البلدان المنهكة بالحروب والفقر والمجاعات. وفي بعض المناطق، كقطاع غزّة مثلًأ، تعاني الأمّهات من هذه الأمور مجتمعةً على نحوٍ كبيرٍ منذ بداية الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ تشرين الأول / أكتوبر 2023.

تتحدّث منظمة الأمم المتحدّة للأمومة والطفولة –اليونيسيف– عن “فشل العالم في تغذية أكثر مليار فتاة مراهقة وامرأة”، وذلك في نظرتها إلى الواقع العالمي اليوم في عيد الأم. وتدعو اليونيسيف إلى كسر هذه الحلقة، من خلال “جعل الأطعمة المغذية ميسورة الكلفة، ومتاحة لكل فتاة مراهقة وامرأة، ودعم النساء قبل الحمل وأثناءه وبعده”.

 هذا ما لا يصل إلى نساء غزة وخصوصا الأمّهات منهن. وفق تقرير أصدرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة، تُقتل اثنتين من الأمّهات في غزة كلّ ساعة، حيث امتد ذلك لأشهر عدّة منذ السابع من أكتوبر.  وخلصت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في أحد تقاريرها، إلى أن نحو 70% من قتلى الحرب على غزة البالغ عددهم 46,960 حتى 19 يناير الماضي، هم من النساء والأطفال. وبحسب إحصاءات المكتب الإعلاميّ الحكومي في القطاع، تجاوز عدد القتلى من النساء بنيران الجيش الإسرائيلي 12 ألفا و316. المسؤولة الأممية ماريس غيمون  لفتت في 18 من تموز / يوليو الماضي، إن أكثر من 6 آلاف أسرة فلسطينية فقدت الأم حتى تاريخ إدلائها بهذا التصريح في نيويورك.

النسبة المرتفعة من القتلى تتكرّر بين الجرحى. وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن ” 70% من المفقودين في قطاع غزة والذين يبلغ عددهم حتى 18 يناير الماضي 14 ألفا و222 نتيجة الإبادة، هم من الأطفال والنساء”.

هذا المشهد يمتدُّ إلى لبنان، وإن بصورة مصغّرة. أرخت الحرب المدّمرة الأخيرة بظلالها، على فئة واسعة من الأمّهات لتحيل عيدهنّ إلى يومٍ حزينٍ جدًا. وفق أرقام وزارة الصحة اللبنانية، بلغ عدد الأطفال الذي قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي 316، فيما بلغ عدد القتيلات 790. كذلك، يمرُّ العيد هذا العام قاسيًا على آلاف الأمّهات اللواتي قتل أبناؤهن خلال مشاركتهم في المعارك في الحرب الأخيرة بجنوب لبنان.

وليس بعيدا عن لبنان، ورغم سقوط النظام السوري السابق برئاسة بشار الأسد، تتواصل معاناة آلاف الأمّهات السوريات، وبرز في الأسابيع الأخيرة ما تعرضت له مناطق الساحل السوري من عمليات قتل طائفي، وكشفت الفيديوهات التي نشرها مقاتلون مرتبطون بالإدارة السورية الجديدة، عن مشاهد قاسية بحق أمهّات، أبرزها مشهد الأم التي كانت واقفة أمام جثامين ولديها وزوجها، بينما دعاها مسلحون إلى أخذ جثت ولديها.

المشهد في السودان هذا العام لم يتغير عن الأعوام السابقة. وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم  أعلن أخيرا “ارتفاع معدلات نسبة وفيات الأمهات والأطفال بالسودان نتيجة الصراع المسلح بالبلاد”. وعرض الوزير أرقاما جديدة تشير إلى أن وفيات الأمهات بلغت 295 في كلّ 100 ألف حالة ولادة، فيما بلغت وفيات الأطفال 51 طفلا لكل ألف مولود.

وبالإضافة إلى خطر الاغتصاب الذي تتعرض له السودانيّات بفعل الحرب وسيطرة الميليشيات، نشرت اليونيسيف تقريرا نبهّت فيه من وجود احتمالات لتعرض أطفال لا تتجاوز أعمارهم سنة واحدة للاغتصاب. ترى السودانيات أطفالهنّ يتعرضّن للجوع، وفي هذا السياق، توقعت اليونيسيف أن يعاني 3.2 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد هذا العام، بمن فيهم 770 ألفا يواجهون سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو أشد أشكال الجوع فتكاً، مما يجعل الأطفال أكثر عرضة للوفاة من المرض بمقدار 11 مرة.

وبمعاناة مشابهة تستقبل الأمهات اليمنيّات عيدهن، حيث أشارت الأمم المتحدة إلى أن معدل وفيات الأمهات في اليمن هو الأعلى في الشرق الأوسط، وأشارت إلى أن 9.6 مليون امرأة وفتاة بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية لإنقاذ حياتهن، وأوضحت أن هؤلاء النساء يواجهن الجوع والعنف وانهيار نظام الرعاية الصحية، مما يزيد من معاناتهن. كذلك يعاني نحو مليون ونصف مليون امرأة يمنية حامل أو أم جديدة من سوء التغذية، ما يعرض حياتهن وحياة أطفالهن للخطر.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.