“الرسائل نفسها تُعاد، أحيانًا باسم طيارين، وأحيانًا باسم قدامى محاربي البحرية، وأحيانًا باسم آخرين. لم تُكتب هذه الرسائل باسم جنودنا الأبطال، بل كتبها حفنة من الحثالة، تديرها جمعيات ممولة من الخارج، هدفها الوحيد هو الإطاحة بالحكومة اليمينية”.

بتلك الكلمات استقبل نتنياهو عرائض الاحتجاج على مواصلة حرب غزة، الداعية إلى عقد صفقة تبادل أسرى، والمتهمة له بمواصلة الحرب لخدمة أهدافه السياسية وتجاهل مصالح إسرائيل الأمنية.

اقرأ أيضا

list of 2 items

list 1 of 2

حتى لا يسيل بنا الوادي نارًا

list 2 of 2

ابن أبيه الأكثر تطرفا.. يائير نتنياهو يهاجم أميركا ويسب ماكرون

end of list

وقد وصل عدد الموقعين عليها إلى 120 ألف شخص، من بينهم ثلاثة قادة سابقين للموساد، وقائدان سابقان لسلاح البحرية، وآلاف من ضباط وجنود الاحتياط في أسلحة المظلات والمشاة والطيران ووحدة الاستخبارات السيبرانية 8200، وسفراء سابقون وأستاذة جامعيون.

وفي المقابل صرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق دان حالوتس بأن “نتنياهو عدو ويجب إلقاء القبض عليه”، واتهم آخرون إيال زامير رئيس أركان الجيش الحالي، بأنه “مجرد بوق لنتنياهو”، وذلك على خلفية قراره بالتحقيق مع جنود الاحتياط الموقعين على العرائض، وتعهده بفصلهم من الخدمة للحفاظ على الانضباط داخل المؤسسة العسكرية.

لن نحلل هنا أسباب توقيع تلك العرائض، ودلالاتها على وجود شروخ تزداد عمقا داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، إنما سنغوص خلف جذور الأزمة بين نتنياهو وجنرالات الجيش، التي تعكس في حقيقتها خلافات أعمق حول هوية ومستقبل الدولة، وهي خلافات تعود إلى ما قبل تأسيس إسرائيل، وتتجلى كل فترة في شكل أزمة جديدة.

إعلان

 الصراع بين صهيونية هرتزل وجابوتينسكي

منذ زوال آخر مملكة يهودية قبل نحو ألفي عام، ساد في الفكر الديني اليهودي مفهوم يقوم على انتظار تجليات القدر الإلهي في نهاية الزمان من أجل العودة من المنفى دون فعل بشري.

وبحلول القرن التاسع عشر، وضمن تداعيات الثورة الفرنسية في عام 1789، انتشرت مفاهيم المواطنة والمساواة أمام القانون، ولم تعد الدول تنظر إلى رعاياها بالدرجة الأولى باعتبار دينهم، فانفتحت مجالات العمل العام أمام يهود أوروبا، ودخلوا المدراس والجامعات العامة بشكل واسع، مما أنهى قرونا من الفصل بينهم وبين المجتمعات التي عاشوا فيها.

لكن هذا بحسب شلومو أفنيري في كتابه “صناعة الصهيونية الحديثة”، أدى إلى تفاقم المشكلة اليهودية في أوروبا لا حلها، حيث أصبحت أمام اليهودي معضلة اتخاذ قرارات يومية يفاضل فيها بين كونه مواطنا وكونه يهوديا، فهل يذهب إلى الجامعة يوم السبت أم لا؟ وهل يتناول الطعام غير الحلال المقدم له في مكان عمله أم لا؟

في تلك الآونة، برزت القوميات الأوروبية مثل الألمانية والإيطالية والفرنسية التي لديها امتدادات تاريخية، مما جعل اليهودي أمام معضلة إضافية: هل يعتبر نفسه فرنسيا من نسل الغال أم يهوديا من نسل بني إسرائيل؟ وهو ما تزامن مع حوادث معادية لليهود مثل المذابح التي تعرضوا لها في روسيا في الفترة 1881 -1882، وهنا نشأت الصهيونية في أوروبا كحركة سياسية علمانية تعتبر أن اليهودية قومية وليست دينا فقط، وبالتالي بدأ التنظير لإقامة الدولة اليهودية التي تجسد القومية اليهودية.

حاز ثيودور هرتزل (1860-1904) شهرة لا باعتباره أول من دعا اليهود إلى العودة إلى فلسطين وتأسيس دولة، فقد سبقه كثيرون في التنظير لهذه الفكرة مثل هاينريش جراتس وموسى هيس، لكنه بحسب شلومو أفنيري، كان أول من نجح في تحويل الصهيونية من قضية محل نقاش جدلي في الدوريات والمجلات الثقافية إلى موضوع مطروح على أجندة دول كبرى عبر تواصله مع الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني، والسلطان عبد الحميد الثاني، ووزارة المستعمرات البريطانية.

إعلان

في أطروحاته العملية قدم هرتزل مقترحات لتأسيس الدولة المنتظرة منبثقة من الأفكار الاشتراكية مثل الملكية العامة للأرض، وبناء مجتمع تكافلي، ومجانية التعليم، مع النظر إلى السكان العرب الذين يودون الانضمام إلى المجتمع الجديد الذي سيشكله الصهاينة بوصفهم أعضاء ومواطنين متساوين.

وفي المقابل، برز في مواجهة أفكار هرتزل، فلاديمير جابوتنسكي (1880-1940) المولود في مدينة أوديسا، بأوكرانيا حاليا، ونظّر للصهيونية باعتبارها قضية عرقية كما في مقاله “حول العرق”، الذي قال فيه إن المجتمعات العرقية يتميز بعضها عن بعض من خلال مظهرها العنصري، ودعا إلى عدم السماح في الدولة اليهودية المنتظرة في فلسطين بوجود أقليات أو أعراق أخرى من شأنها أن تضعف الوحدة الوطنية.

كذلك شن جابوتنسكي حربا شعواء على الأفكار الاشتراكية للحركة الصهيونية التقليدية، واعتبر أن أي تنظيم طبقي في المجتمع يضر بالضرورة بسلامة الأمة اليهودية ووحدتها ويعرض وجودها للخطر، وأسس في عام 1925 المنظمة الصهيونية التصحيحية داخل الحركة الصهيونية التي أسسها هرتزل، ثم انشق جابوتنسكي بأنصاره، وأصبح الأب الروحي لليمين الصهيوني.

لقد طرح جابوتنسكي في مقاله “الجدار الحديدي” المنشور عام 1923 فكرة مفادها أن المصالحة العربية مع الصهيونية لن تحدث إلا عندما تصبح الدولة اليهودية قوية لدرجة تدفع العرب إلى التخلي عن أي أمل في القضاء عليها، وهو ما يتطلب بناء جيش يهودي قوي، وهي فكرة تضاد نظرة هرتزل للتعاطي مع العرب.

إعلان

ويشير نتنياهو في مذكراته المنشورة عام 2022 إلى أن والده بن صهيون التقى جابوتنسكي عام 1939 بلندن، فنصحه بنقل أنشطته من بريطانيا إلى الولايات المتحدة لأنها قوة صاعدة عالميا، وتوجد بها جالية يهودية مؤثرة. وعقب وفاة جابوتنسكي ساهم بن صهيون في حمل نعشه قائلا “ذهب الراعي وتناثرت الأغنام”.

صعود اليسار بداية تأسيس الدولة

مع الإعلان عن تأسيس إسرائيل عام 1948، تولى قيادتها بن غوريون، وبنى الدولة وفق نمط اشتراكي، وحسم الصراع مع اليمين بالقوة، فعندما رفضت منظمة الإرغون بقيادة مناحيم بيغن تسليم سلاح جلبته من فرنسا على ظهر السفينة ألتالينا، أمر بن غوريون بالهجوم على السفينة مما أسفر عن مقتل 16 شخصا من عناصر الإرغون، وهو ما كفل للدولة الجديدة احتكار العنف.

تغلغلت النخبة الأشكنازية القادمة من أوروبا في قيادة الجيش وفي الأوساط الأكاديمية والقضائية والإعلامية، في حين بدأت هجرة اليهود من الدول العربية مع اندلاع حرب 1956 حيث غادروا مصر واليمن والعراق والمغرب وغيرها باتجاه إسرائيل، وشكلوا طبقات أقل تعليما وثروة من نظرائهم القادمين من شرق ووسط أوروبا.

ساهمت حرب 1967 في تحويل الجيش الإسرائيلي في نظر المستوطنين إلى أسطورة لا تقهر، فقد احتل القدس الشرقية والضفة الغربية بما لهما من رمزية دينية وتاريخية، كما احتلل سيناء والجولان في ستة أيام، ودمر جيوش ثلاث دول عربية، وتحولت إسرائيل بين عشية وضحاها من دولة محدودة المساحة ومحاصرة إلى قوة إقليمية، واعتبر التيار القومي والديني أنهم أقاموا مملكتهم الثالثة، وأن أرض إسرائيل الكبرى أصبحت في يد الشعب اليهودي.

اليمين ينتصر

أصبح لضباط جيش الاحتلال ثقل في الحياة العامة لا يضاهى، وبرزت أسماء موشيه ديان وإسحاق رابين وغيرهما من كبار العسكريين.

ولكن حدثت المفاجأة في حرب 1973 عبر تمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس، وشن نظيره السوري لحرب بهدف استعادة الجولان، وتبين أن الجيش الإسرائيلي لم يكن مستعدا للحرب، ودُشنت لجنة تحقيق عُرفت باسم لجنة أجرانات، واستقال رئيس الأركان ديفيد بن أليعازر فضلا عن كبار قادة الجيش، وتراجعت الثقة في الجيش.

إعلان

وفي انتخابات عام 1977 فاز اليمين للمرة الأولى بانتخابات الكنيست، وأصبح بيغن، الذي كان مطاردا أمنيا، رئيسا للوزراء، في حين حدثت تغييرات في تركيبة المجتمع مع هجرة أعداد كبيرة من اليهود العرب، ووصل أنصار جابوتنسكي إلى مقعد الحكم، وبدؤوا في الاستيطان بالضفة الغربية وفق حجة مفادها أنها جزء من أرض إسرائيل التوراتية، ورفضوا مقترح حل الدولتين الذي تعود جذوره إلى المقترح الدولي بتقسيم فلسطين، والذي حاز قبولا في أوساط اليسار باعتبار أنه يكفل لإسرائيل أن تظل دولة يهودية الطابع، مع وضع قيود تكفل تفريغ الدولة الفلسطينية من مضمونها، بحيث تكون منزوعة السلاح، وليس لديها جيش، وليس لديها سيطرة على معابر حدودية.

عودة اليسار واتفاق أوسلو

عقب تداعيات حرب لبنان عام 1982 التي أدت إلى إقالة وزير الدفاع آنذاك شارون ثم اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، وفشل حكومة الليكود في القضاء عليها، فاز حزب العمل بقيادة إسحاق رابين مجددا بانتخابات الكنسيت، وعاد إلى الحكم ليجد الأجهزة الأمنية والجيش يوصيان بأن الحل السياسي وحده هو الذي يمكن أن ينهي الانتفاضة، وأنه من الضروري استثمار انتهاء الحرب الباردة لفرض حل مدعوم من واشنطن للقضية الفلسطينية، بما يلبي المتطلبات الأمنية لإسرائيل.

ميدان - سلام كلينتون ياسر عرفات

بالفعل انخرط رابين في اتفاقية أوسلو، وعاد ياسر عرفات رفقة الآلاف من رجاله إلى غزة والضفة الغربية ليشكلوا السلطة الفلسطينية. ولكن دفع رابين حياته ثمنا لذلك حيث اغتاله إيغال عامير أحد المتطرفين اليمينيين عام 1995، بحجة أنه خان إسرائيل وفرط في أراضيها، في حين أدت هزيمة الليكود في انتخابات عام 1992 إلى اعتزال قادته الكبار مثل إسحاق شامير وموشيه أرينز للعمل السياسي، وفاز نتنياهو بقيادة الحزب إثر انتخابات داخلية، وهو في عمر 43 عاما.

إعلان

عقب اغتيال الاحتلال ليحيى عياش، نفذت كتائب القسام سلسلة من الهجمات الانتقامية التي عُرفت باسم “عمليات الثأر المقدس” عام 1996 أسفرت عن مقتل 60 إسرائيليا قبيل انتخابات الكنيست، ورفع الليكود آنذاك شعار “نتنياهو من أجل سلام آمن” مقابل “بيريز يقسم القدس”.

فاز نتنياهو بالانتخابات في مواجهة شمعون بيريز، لكنه سرعان ما غادر مقعد الحكم عام 1999 لصالح إيهود باراك زعيم حزب العمل ورئيس أركان الجيش السابق، الذي نجح في هزيمة نتنياهو بشكل مدوّ حيث حصل على 56% من الأصوات، وأخرج نتنياهو من مقعد القيادة نحو عشر سنوات، ليترسخ في ذهن الأخير أن جنرالات الجيش هم أكبر عقبة أمام مسيرته السياسية.

حين أخفق إيهود باراك في الوصول إلى اتفاق مع ياسر عرفات في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، ضغط زعيم الليكود شارون على زر التفجير باقتحام المسجد الأقصى، مما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي أنهت مسار أوسلو، وحطمت اليسار الإسرائيلي، فعاد نتنياهو إلى الحكومة عام 2001 وزيرًا للمالية تحت رئاسة شارون، وشجع نتنياهو سنّ “قانون حالوتس”، على اسم رئيس أركان الجيش آنذاك دان حالوتس، الذي يمد فترة حظر انخراط الجنرالات في السياسة بعد انتهاء خدمتهم العسكرية من ستة أشهر لتصبح ثلاث سنوات.

وذلك بهدف عرقلة ترشح حالوتس للانتخابات عقب خروجه من الخدمة، فثلاث سنوات مدة مناسبة لخفوت بريق القادة العسكريين مقارنة بستة أشهر، بحيث يدخلون عالم النسيان قبل دخولهم عالم السياسة وفقا لجاي زيف في كتابه “نتنياهو ضد الجنرالات: المعركة من أجل مستقبل إسرائيل”.

صعود نتنياهو

بعد انشقاق شارون عن حزب الليكود وتأسيسه لحزب كاديما، صعد نتنياهو لقيادة حزب الليكود مجددا، وساعده مرض شارون ثم الإخفاق في حرب لبنان عام 2006 في تصدر المشهد وصولا للفوز بانتخابات الكنيست عام 2009، لكنه هذه المرة شحذ أسلحته ضد اليسار وقادة الجيش وأجهزة الأمن، وتجهز لطرحهم أرضًا كي يخلو له مقعد الحكم، وهو ما نجح فيه منذ ذلك الحين حتى اليوم باستثناء فترة بسيطة بين عامي 2021 و2022.

إعلان

بنى نتنياهو سرديته تجاه اليسار على أنه يضر بأمن إسرائيل، وأن قادة الجيش وأجهزة الأمن مجموعة من اليساريين الحمقى الذين ورطوا بلدهم في خطايا إستراتيجية وتقديم تنازلات مضرة.

فبحسب نتنياهو، جَلَب اتفاق أوسلو قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى جوار المراكز السكانية الإسرائيلية، وتسبب في مقتل ألف إسرائيلي خلال الانتفاضة الثانية، وساهم الانسحاب من غزة في تحول حماس من خلايا إلى شبه جيش نظامي، كما يعني حل الدولتين منح الفلسطينيين فرصة لبناء دولة سرعان ما ستطالب بتحرير بقية أنحاء فلسطين وستشكل خطرا على أمن إسرائيل، وربما تقع تحت سيطرة حماس مثلما حدث لقطاع غزة عام 2007.

محاولة لتغيير المعادلة

إثر خسارة نتنياهو لرئاسة الوزراء عام 2021 على يد تحالف ضعيف قاده مساعده السابق نفتالي بينيت ويائير لبيد والأحزاب العربية في إسرائيل حيث فازوا بـ61 مقعدا بالكنيست، لجأ نتنياهو إلى التحالف مع الأحزاب الصهيونية الدينية، التي تُعد متطرفة داخل الطيف السياسي الإسرائيلي، وأصبح ضمن شركائه سموتريتش وبن غفير.

ورأوا في فوزهم بانتخابات الكنيست في نهاية عام 2022 فرصة لتغيير قواعد اللعبة، فطرحوا حزمة تشريعات قانونية تهدف لتقويض سلطة المحكمة العليا التي تمثل في منظورهم “إحدى قلاع اليسار”، وسدا أمام حكومات اليمين المنتخبة، ومن أبرز تلك التشريعات:

  • قانون التحصين، الذي لا يُمكن بموجبه عزل رئيس الوزراء إلا في حال عجزه جسديا أو عقليا عن أداء مهامه، وبموافقة ثلثي أعضاء الكنيست.
  • قانون “التغلب” الذي يمكّن الكنيست من إعادة سَن القوانين التي تلغيها المحكمة العليا.
  • قانون “درعي 2” الذي يحصن الحكومة من تدخل المحكمة العليا بمنع تعيين الوزراء حال إدانتهم أو وجود شبهات جنائية أو فساد ضدهم.
  • “قانون المستشار القانوني” الذي ينص على أن المشورة القانونية المقدمة لرئيس الوزراء أو الحكومة أو أحد وزرائها غير ملزمة، ويحق لأيّ منهم أن يرفضها ويتصرف بما يخالفها.

إعلان

وفي المقابل، اعتبر خصوم نتنياهو أنه يسعى لاحتكار السلطة في يده والاحتفاظ بالحكم، في تماهٍ مع ما عبر عنه صراحة قبل سنوات رئيس الموساد السابق مائير داغان قائلا “عندما وصل رؤساء الوزراء الآخرون إلى النقطة التي لامست فيها مصالحهم الشخصية المصلحة الوطنية، اختاروا المصلحة الوطنية، ولكن نتنياهو استثناء من هذه القاعدة”.

بدأ خصوم نتنياهو في تنفيذ احتجاجات جماهيرية حاشدة، ووجه وزير الدفاع السابق غانتس حديثه لنتنياهو قائلا “إذا واصلت الطريق الذي تسير فيه، فإن مسؤولية الحرب الأهلية التي تتغلغل في المجتمع الإسرائيلي ستلقى على عاتقك”، كما حذر الرئيس هرتسوغ في خطاب متلفز من “أن الحرب الأهلية أمر غير مستبعد”.

ووقّع آلاف الضباط والجنود عرائض برفض الخدمة العسكرية في حال تمرير التعديلات القانونية، وسمح رئيس الموساد لعناصر الجهاز ممن هم دون رتبة رؤساء الأقسام بالمشاركة في الاحتجاجات. وتحدث هاليفي رئيس أركان الجيش آنذاك مع نتنياهو وحذره من تداعيات رفض الخدمة في صفوف قوات الاحتياط على قدرات الجيش.

في المقابل، قال وزير القضاء ياريف ليفين إن “مجموعة من القضاة تعمل على تنفيذ انقلاب ووضع نتنياهو خلف القضبان”، وقال يائير نتنياهو إن “الشاباك متورط بانقلاب ضد رئيس الوزراء”.

وحين دعا وزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت في مارس/آذار 2023 إلى وقف التعديلات للحفاظ على تماسك الجيش، سارع نتنياهو إلى إقالته، فانفجر الشارع الإسرائيلي، ونزل مئات الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج وقطع الطرق، وأوقفت الجامعات الدراسة، وأعلن اتحاد العمال “الهستدروت” شروعه في إضراب يشمل كافة مرافق الدولة، وأعلنت سلطة المطارات وقف الرحلات الجوية في مطار بن غوريون، كما أعلنت نقابة الأطباء الإضراب عن العمل في القطاع الصحي.

وفي ظل نجاح اليسار في تعطيل حركة الحياة، اضطر نتنياهو إلى التراجع، قائلا “من منطلق المسؤولية الوطنية والرغبة في منع الانقسام، قررت تجميد خطة إصلاح القضاء”.

إعلان

الجولة الثانية وآفاقها

جاءت أحداث طوفان الأقصى لتضرب أركان الأمن الإسرائيلي، وطأطأ قادة جيش الاحتلال وأجهزة الأمن رؤوسهم على وقع إخفاقهم في 7 أكتوبر، وهو ما استغله نتنياهو بدهاء في الإطاحة بهم واحدا تلو الآخر، فأقال وزير دفاعه غالانت دون حدوث ضجة شعبية، ثم أجبر رئيس الأركان هاليفي على الاستقالة، وعين بدلا منه أحد أتباعه وسكرتيره العسكري السابق إيال زامير، ثم بدأ مؤخرا معركة لإقالة رئيس الشاباك رونين بار بحجة عدم ثقته فيه، بالتزامن مع معركة أخرى ضارية لإقالة المستشارة القضائية للحكومة غالي بيهارف ميارا، وتمرير حزمة تشريعات تتضمن تغيير طريقة اختيار قضاة المحكمة العليا.

وذلك إضافة إلى تجاهل التحذيرات والتوصيات التي يقدمها كبار قادة الأجهزة الأمنية، مثلما يتجلى في الموقف من السلطة الفلسطينية حيث تدعو أجهزة الأمن لدعمها بينما تضيق حكومة الاحتلال عليها، وكذلك ملف التفاوض بخصوص الحرب في غزة، الذي أقصى  نتنياهو من قيادته رئيسي الموساد والشاباك لصالح الوزير رون ديرمر.

لقد تزامنت تلك الخطوات مع تأييد نتنياهو لخطة تهجير سكان غزة التي طرحها الرئيس الأمريكي ترامب، وإعلان وزير المالية سموتريتش أن عام 2025 سيكون عام ضم الضفة الغربية، وهو ما يتسق مع نظرية “العرق” التي طرحها جابوتنسكي الداعية إلى وجود عرق واحد في أرض فلسطين.

لقد دخل نتنياهو في جولة جديدة من الصراع مع خصومه وقادة الجيش والأجهزة الأمنية، فبينما يعتبر نفسه سيد الأمن، والقائد الوفي لخط جابوتنسكي، والموجه لصعود القومية الشعبوية في إسرائيل التي ترى في القضاء ووسائل الإعلام وقادة أجهزة الأمن وجنرالات الجيش نخبا منفصلة عن الواقع تتبنى سياسات فاشلة؛ يراه في المقابل مجتمع الأمن عبئًا أمنيًّا، وزعيما يقدم مصالحه الشخصية على مصالح الدولة، ويحبذ السياسات الشعبوية وتأجيج التوترات الإقليمية، مما يمثل تهديدا داخليا يعرض مستقبل إسرائيل للخطر ويقوض أمنها. وهو الصراع الذي يبدو أنه سيستمر طالما بقي نتنياهو في سدة الحكم، ويبدو أن مآلاته آخذة بالتصاعد.

إعلان

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.