أثار إطلاق الهند على عمليتها العسكرية ضد باكستان اسم “السِندور” تساؤلاتٍ حول دلالات الاختيار، وارتباطه بالسياق الجاري بين البلدين في قضية كشمير، وبالصراع الأوسع الذي تحول إلى سلسلة من الحروب المحدودة بين القوتين النوويتين.
والأمر يبدو أنه يهدف إلى استحضار منظومة من الرموز الثقافية والدينية، توظّفها الهند في لحظة توتّر سياسي لترسيخ سرديّة سيادية، على الأرض كما على المعنى ذاته. فما هو “السندور”؟ ولماذا يبدو أن اختيار الاسم أعمق بكثير من مجرد صدفة بيروقراطية أو استهلاك إعلامي؟
الدلالة الاستراتيجية
السندور، في المخيال الثقافي للهندوسية، هو أكثر من مجرد مادة حمراء يتم ذرّها فوق شعر المرأة المتزوجة، بل هو إعلان اجتماعي علني عن الرباط الزوجي، وعلامة تُظهر الحماية، الانتماء، والاستمرارية. يوضع في خط الشعر الأمامي، وهو ما يجعل رمزيته أقرب ما تكون إلى الجبين (مركز الهوية والكرامة).
وتستعير الدولة الهندية هذه الرمزية وتُسقطها على الإقليم الأكثر نزاعًا في تاريخها الحديث: كشمير. فكما أن السندور في الأعراف الاجتماعية يُحافظ على رباط الحياة، فإن عملية “السندور” تأتي -وفق خطاب نيودلهي- لتأكيد أن كشمير جزءٌ لا يتجزأ من “جسد الوطن”، تُمسح جبينه بهذا الرمز ليُعلن ولاءه الأبدي لسلطة “الزوجة الكبرى”: الأمة الهندية. (وهنا يمكن استحضار استقلال الهند عن بريطانيا، وتفكك شبه الجزيرة الهندية بين باكستان وبنغلادش والهند).
بهذا المعنى، فإن الهند تُطلق النار في ظل معنى جديد للسيادة، كفعلٍ سياسي من ناحية، وكطقسٍ مقدّس من ناحية ثانية. وكأنها تُحوّل النزاع إلى شعيرة وطنية تُمارَس لتكريس “العقد الاجتماعي” بين كشمير والأمة والأرض.
في قلب المعنى
ما يُلفت النظر في هذا التوظيف الرمزي هو التحول في طبيعة الخطاب السيادي نفسه. فالهند، منذ تولي حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة ناريندرا مودي، بدأت تتخلى تدريجياً عن خطاب الدولة الوطنية العلمانية، متبنية بدلاً من ذلك سردية تقوم على تأصيل الهوية الهندوسية كإطار مؤسس للدولة.
“السندور”، إذًا، ليس فقط ردًا عسكريًا على عمليات عبر الحدود، بل تعبير عن رغبة دفينة في “هندسة الهوية الوطنية” لكشمير نفسها، عبر إخضاعها لرموز ثقافية هندوسية أبعد من تركيبتها المجتمعية المتنوعة، بل تُقْصيها. إنه إعلان ثقافي قبل أن يكون عسكريًا، وإعادة ترسيم للحدود، لا عبر الخرائط، بل عبر الرموز والمعاني.
رسائل محتملة إلى الداخل والخارج
في الداخل، تخاطب عملية “السندور” القاعدة الانتخابية الهندوسية عبر استعارات مألوفة ووجدانية، تعيد صياغة الصراع الجغرافي بلغة الشرف الأسري، والحماية، والأنوثة المقدسة. أما في الخارج، فترسل العملية إشارة تحدٍ مزدوجة: إلى باكستان، عبر ترسيخ فكرة السيادة الثقافية لا الجغرافية فقط، وإلى المجتمع الدولي، بتقديم الصراع بوصفه إعادة ترتيب للشرعية التاريخية لا مجرد حرب حدود.
لكن الأخطر من الرسالة هو صيغتها. فاللجوء إلى الرموز الدينية في سياق جيوسياسي ملتهب يزيد من قابلية الانزلاق إلى صراعات طائفية. فحين يُحرم العدو من “اللغة المشتركة” (أي الرموز التي يمكن أن تُفهم عالميًا بوصفها محايدة) يصبح الفعل العسكري نفسه طقسًا للنبذ، يُقصي الآخر من الأرض، ومن الانتماء الرمزي للأمة.
رمزٌ يتأرجح بين الحب والحرب
حين يُستخدم رمز الزوجة المحمية (السندور) في وصف عملية عسكرية، تتحول كشمير من ساحة صراع إلى “امرأة مستردة” في خيال الدولة، ما يحمل إيحاءات عنيفة وخطيرة. إذ تختزل هذه الاستعارة سكان الإقليم (بغالبيتهم من المسلمين) في موقع “المفعول به”، وتُكرّس خطابًا سلطويًا يُقصي حقّهم في تقرير المصير، ويعيد إنتاج مفاهيم التملّك لا التعايش.
كأن الدولة تقول: “كشمير هي زوجتنا الشرعية، والسندور الذي نضعه فوق رأسها هو دم السيادة”، دون أن تأبه بموافقة هذه الزوجة الرمزية، أو بانتماءاتها الدينية والاجتماعية.
وهكذا، فإن “عملية السندور” تمثل إعلاناً عن لحظة تحوّل في الخطاب السياسي الهندي، تُستخدم فيها الرموز القديمة في مقاربة مشروعات جديدة.