يعد منزل منتصف الطريق والرعاية اللاحقة في مجمع إرادة والصحة النفسية بالرياض مرحلة انتقالية في طريق العودة إلى الاندماج في المجتمع، من خلال توفير بيئة علاجية وتأهيلية متكاملة، يتم فيها إعادة بناء السلوك والمفاهيم من خلال تدخلات علاجية شاملة، من خلال كادر صحي متخصص يشمل استشاري طب الإدمان، أخصائيًا نفسيًا، أخصائيًا اجتماعيًا، الكادر التمريضي، مرشدًا دينيًا، ومرشد التعافي ومسؤولي الأنشطة التأهيلية.

وتتميز الخدمات العلاجية والتأهيلية بمنازل منتصف الطريق؛ لكونها بيئة جاذبة تحتوي على مرافق تأهيلية وترفيهية متكاملة وتنظم رحلات دينية وترفيهية وعلاجية متنوعة، تمكّن المستفيد من البقاء طيلة مدة البرنامج العلاجي.

وتستمر مدة البرنامج العلاجي والتأهيلي في منزل منتصف الطريق إلى حوالي 9 أشهر، وتوضح البراهين العلمية أن نسب العودة إلى الإدمان تقل كلما زادت مدة التأهيل، ولذلك يستمر خضوع المتعافي لبرامج تأهيلية عن طريق ما يسمى بالرعاية اللاحقة.

وانطلقت خدمات تأهيل المدمنين وبرامج التعافي بعد العلاج في مجمع إرادة بالرياض عام 1423هـ؛ حيث بدأت كوحدة رعاية لاحقة تقدم الخدمات العلاجية والتأهيلية دون تنويم (استضافة)، واستمرّت لمدة سبع سنوات، ثم تمت أول خدمة تنويم للمتعافين عام 1430هـ بافتتاح منزل منتصف طريق من خلال استئجار مبنى سكني بسعة سريرية حوالي 70 سريرًا، وقد مرّت الخدمة بعدة مراحل حتى تم إنشاء مبنى علاجي وتأهيلي متكامل وبسعة سريرية تبلغ 126 سريرًا بالتعاون مع شركة “سابك”.

ويتكون البرنامج العلاجي والتأهيلي بمنزل منتصف الطريق من عدة مسارات تشمل، مسار الخطة العلاجية الفردية، التي يتم فيها تقييم المستفيد من قبل معالج الإدمان من ثم وضع خطة علاجية مفصلة مصممة للمستفيد، ويتم متابعتها بشكل أسبوعي من خلال الجلسات الفردية واجتماع الفريق العلاجي، بالإضافة إلى العيادة الطبية النفسية عند الحاجة، ومسار التدخلات العلاجية الجماعية، والتي تشمل جلسات العلاج النفسي، والدعم الاجتماعي، وجلسات إرشاد التعافي، والإرشاد الديني، ومنهج “ماتركس”، والعلاج بالعمل وغيرها من التدخلات العلاجية المبنية على البراهين العلمية.

وتشمل المسارات، مسار البرامج التأهيلية (الأنشطة والرحلات والاحتفالات)، والتي تشمل الأنشطة الرياضية، والرحلات الترفيهية، والرحلات الدينية كالحج والعمرة، والاحتفالات المتعلقة بالمناسبات الوطنية والأعياد، وأيضًا مسار المجتمع العلاجي والذي يعرف على أنه أسلوب وبيئة منظمة بغرض تغيير السلوك من محيط الحياة الاجتماعية والمسؤولية والأدوار التي يقوم بها المستفيد داخل منزل منتصف الطريق.

ويعتبر المجتمع العلاجي مقاربة علاجية للإدمان، وتستخدم مجتمع الأقران داخل بيئة صحية محمية لأغراض علاجية، حيث نجد أن المجتمع العلاجي يعتمد أكثر على المساعدة الذاتية، ويؤكد على الدور العلاجي لتفاعلات الأقران في المساعدة على تشكيل السلوك.

ويوفر المجتمع العلاجي البيئة الآمنة للمدمن ويعد جزءًا لا يتجزأ من الخطة العلاجية للمنومين بمنزل منتصف الطريق، كما يشكل العامل الأكبر في رحلة العلاج، حيث يضم أماكن سكن لتوفير بيئة آمنة من المواد المخدرة لها نظام خاص بها يخضع المدمن للمكوث فيها، ومعرفة ما يعانيه من آثار نفسية سلبية ورفضه للواقع، وكيفية التعامل مع هذا السلوك، والتأهيل الاجتماعي له من خلال جدول يومي يحتوي على الأنشطة الاجتماعية والتثقيفية والدينية التي يمارسها مع الأقران تحت إشراف الفريق العلاجي، وتعلم كيفية المساندة الذاتية وكيفية التعافي، بمشاركة فريق الدعم في المجتمع العلاجي، ونبذ العنف والسلوكيات السلبية وكيفية إدارة حياته دون اللجوء إلى المواد المخدرة.

ويضم المشاركة مع مدمنين سابقين تم عافيهم بشكل كامل، والاستماع إلى تجاربهم، والانخراط معهم، وممارسة التمارين الرياضية باستمرار مع العيش في بيئة آمنة صالحة لتلقي العلاج، دون ضغوط أو مشاكل، وعلاج الأسباب النفسية التي دفعت المدمن إلى تعاطي المخدرات، وذلك من خلال الطبيب النفسي المختص، والتأهيل الاجتماعي للمدمن، وكيفية تقبل نفسه وذاته، ومعرفة أن الإدمان مرض يجب علاجه والتخلص منه.

ويتم التأهيل داخل منزل منتصف الطريق عبر ثلاث مراحل لكل مرحلة خصائصها ودورها في استمرار المريض في التعافي من الإدمان والحد من انتكاسته، حيث تستمر هذه المراحل 9 أشهر.

وتوصف المرحلة الأولى بأنها مرحلة الانتقال من مستوى التأمل والتفكير في مشكلة الإدمان إلى مرحلة اتخاذ القرار للتوقف عن التعاطي، وتتسم بوجود رغبة ودافعية لدى المريض للتعامل مع مشكلته وتتيح له فرصة الاندماج مع زملائه من المرضى وتأهيله من جميع الجوانب النفسية والاجتماعية ومتابعته للحد من الانتكاسة، كما يتم استقبال المتعافي فيها بعد استيفاء شروط القبول واستكمال الإجراءات الإدارية لفتح ملف له بمركز تأهيل الإدمان ومنزل منتصف الطريق، فيما يتم من خلال وحدة شؤون المتعافين شرح أنظمة القسم وحقوق المتعافي وتوقيع العقد العلاجي، وبعد ذلك يتم عمل تقييم مبدئي من قبل رئيس الفريق العلاجي ومن ثم تحديد معالج الإدمان الرئيسي.

وتهدف هذه المرحلة إلى تقييم حالة المريض وتحديد المشكلات المرتبطة والمصاحبة للتعاطي والمساعدة في فهمها، والمساعدة في فهم الإنكار والتعامل معه، وتصحيح المفاهيم الخاطئة المرتبطة بالمتعاطي، وزيادة الدافعية للتعافي من خلال الاستمرار في البرنامج العلاجي، والتدريب على بعض المهارات للتعامل مع الضغوط، والمساعدة على معرفة وكشف الصراعات الداخلية لدى المتعاطي والتغلب عليها، وتنمية الوازع الديني.

وفي المرحلة الثانية ينتقل المستفيد إلى المرحلة الثانية من البرنامج وهي مرحلة التأهيل، وذلك بعد تطور وتحسن حالة المستفيد وإتمامه المرحلة الأولى بنجاح، وتتسم هذه المرحلة بوجود الاستبصار وزيادة الدافعية للاستمرار في التعافي، بالإضافة إلى معرفة مؤشرات الانتكاسة وطرق الوقاية منها ومعرفة كيفية الحفاظ على التعافي ومهارات حل المشكلات، ويحتوي البرنامج العلاجي والتأهيلي لهذه المرحلة على محاضرات متعددة وأنشطة مختلفة المستويات بما يتفق مع مستوى المرحلة العلاجية.

ويكون الهدف في هذه المرحلة هو التدرّب على المهارات الاجتماعية، والتدرّب والمساعدة على كيفية مواجهة الضغوط وحل المشكلات اليومية، وعلى كيفية استغلال وقت الفراغ بعيدًا عن المخدرات، والمساعدة في تفريغ المشاعر بشكل إيجابي، وكذلك المساعدة على تقبل الذات وتقبل الآخرين، والمساعدة على تطوير القدرات المهنية، والقدرة على معرفة مؤشرات الانتكاسة وطرق الوقاية منها، ومعرفة كيفية الحفاظ على التعافي ومهارات حل المشكلات.

وفي المرحلة الثالثة والأخيرة تكون الجهود مبذولة لمساعدة المتعافي على الانخراط والاندماج في المجتمع ليبدأ بتكوين قاعدة متينة يستطيع من خلالها الرجوع والانطلاق في المجتمع وأيضًا ليتسنى له الحصول على سكن، سواء كان ذلك من خلال رجوعه مرة أخرى إلى أسرته أو حصوله على سكن خاص به، وتتم مراعاة الظروف الشخصية لكل نزيل حسب مرئيات الفريق العلاجي ومسؤول السكن، ويصرح له الخروج في هذه المرحلة بإجازة في عطلة الأسبوع لمدة 48 ساعة حسب ما يراه المعالج.

وفي هذه المرحلة يكون الهدف دعم وتوجيه المتعافي للاندماج بالمجتمع، وكذلك وضع الخطط وتحقيقها وفق قدراته وإمكانياته، وتوجيهه ومساعدته لتحقيق الاعتماد الذاتي تدريجيًا مع الاستمرار في التعافي، وكذلك دعمه على طلب المساعدة من خلال حضور الدعم الذاتي.

ويطبق في المنزل أنظمة صارمة تهدف لإنجاح العملية التأهيلية للمتعافين من الإدمان، ويلتزم بها جميع المتعافين، وتم تحديد جملة من المخالفات الموجبة للإنذار وأخرى موجبة للاستبعاد، وتشمل المخالفات الموجبة للإنذار، عدم الالتزام بأنشطة البرنامج العلاجي والتأهيلي، وعدم أداء الصلاة في وقتها أو مع الجماعة، والأكل والشرب في الأماكن غير المخصصة لذلك، وعدم الالتزام بالزي المناسب للاجتماعات أو الأنشطة الرياضية، وعدم الالتزام بنظافة الغرفة أو الأماكن الاجتماعية الأخرى، والتدخين في الأماكن غير المخصصة لذلك أو رمي السجائر على الأرض، إضافة إلى عدم الالتزام بالمهام المتعلقة بالمجتمع العلاجي واللجان بما في ذلك عدم التقيد بالمرجعيات، وعدم الالتزام بأوقات النوم أو النوم في الأماكن غير المخصصة لذلك، ودخول غرف المستفيدين الآخرين دون إذن، وعدم التعاون في إعطاء العينة.

وتحدد المخالفات الموجبة للاستبعاد في اكتشاف التعاطي أو محاولة إدخال المواد المخدرة للمنزل، ورفض إعطاء عينة للتحيل، والتأخر في العودة للبرنامج العلاجي حسب تقييم الفريق العلاجي، وكذلك التحريض على العنف أو التعدي الجسدي أو اللفظي على المستفيدين أو الموظفين، وعدم الجدية في تنفيذ البرنامج العلاجي أو التحريض على تركه، وأي تصرفات أخلاقية مخالفة للدين والعادات المعروفة.

يشار إلى أن عدد المتعافين الذين تم تنويمهم في منزل منتصف الطريق في الفترة من 2019م إلى نهاية سبتمبر 2022م بلغ (868) متعافيًا، وبلغت نسبة السعوديين منهم 95.6%، فيما بلغت نسبة غير السعوديين وتحديدًا مواطني دول الخليج العربي 4.4%.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.