قبل 4 سنوات، كان المحاسب محمد جمال يحلم باقتناء سيارة كهربائية مصرية، إثر إعلان الحكومة عن شراكة بين شركة النصر للسيارات وشركة صينية لإنتاج أول مركبة كهربائية محلية. انتظر محمد المشروع بتفاؤل كبير وأجّل خطط شراء أي سيارة أخرى، متمسكا بحلمه الوطني.
لكن هذا الحلم لم يتحقق، يقول جمال للجزيرة نت، فقد تعثر المشروع ولم تُطرح السيارة في الأسواق، وسط صمت رسمي غامض حول مصيرها. اليوم، يشعر جمال بالحيرة والغضب بعدما تضاعفت أسعار السيارات 4 مرات، لتصبح فكرة امتلاك سيارة بالنسبة له “شبه مستحيلة” بسبب الأزمة الاقتصادية وغياب البدائل المحلية الموعودة.
ورغم تزايد الاهتمام بهذا القطاع في مصر، فإن الأرقام تعكس واقعا محدودا، فعدد السيارات الكهربائية المسجلة لا يتجاوز 14 ألف مركبة، بينما لم تتخطَّ المبيعات في عام 2024 حاجز 6 آلاف سيارة فقط.
تسارع عالمي وتباطؤ محلي
وفي حين بلغت مبيعات السيارات الكهربائية عالميا نحو 17.3 مليون مركبة خلال عام 2024، وفق تقرير “توقعات السيارات الكهربائية العالمية 2025” الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة ونقله مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري.
ارتفعت تراخيص السيارات الكهربائية في مصر خلال عام 2024 بنسبة 91.4%، لتصل إلى نحو 6150 مركبة، مقارنة بنحو 3212 مركبة في عام 2023. ويعكس هذا النمو المتسارع تزايد الإقبال على السيارات الصديقة للبيئة، رغم استمرار التحديات المرتبطة بضعف البنية التحتية وغياب الدعم الحكومي الفعّال.
عراقيل محطات وأنواع الشحن
لكن هذا الزخم لم يخلُ من عراقيل، فقد أربك قرار جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، الصادر في مايو/أيار الماضي، السوق الناشئة بإلغائه بروتوكول الشحن الصيني “جي بي/تي” (GB/T) المستخدم في محطات الشحن السريع، واعتماده الحصري على البروتوكول الأوروبي “سي سي إس 2” (CCS2).
وعلى الرغم من إعلان الحكومة المصرية قبل 3 سنوات خطة لإنشاء 3 آلاف محطة مزدوجة تضم 6 آلاف نقطة شحن خلال 18 شهرا، فإن التنفيذ لا يزال متعثرا، ولا يزيد عدد محطات الشحن حاليا على 450، وفق مواقع محلية.
وأوضح تقرير مجلس الوزراء أن إجمالي أسطول السيارات الكهربائية حول العالم وصل إلى 58 مليون سيارة بنهاية 2024، أي ما يمثل نحو 4% من إجمالي سيارات الركاب. أما على مستوى أفريقيا، فقد سجلت المبيعات نموا ملحوظا، مدفوعة بالتقدم في مصر والمغرب، رغم التحديات المتعلقة بالبنية التحتية والتكنولوجيا.
تعثر إنتاج أول سيارة كهربائية محلية
في يونيو/حزيران 2021، أعلنت الحكومة المصرية، وسط أجواء من التفاؤل، عن خطتها لإنتاج أول سيارة كهربائية محلية الصنع، على أن يبدأ التصنيع منتصف عام 2022 بالتعاون بين شركة النصر لصناعة السيارات (حكومية) وشركة “دونغ فينغ” الصينية تحت مسمى “نصر إي 70”.
لكن المشروع لم يرَ النور حتى منتصف عام 2025. هذا التأخير عكس حالة من التعثر والتأجيل المتكرر، وسط صمت رسمي عن الأسباب التفصيلية، وتساؤلات حول قدرة الدولة على دخول صناعة السيارات الكهربائية، خاصة في ظل عدم توافر البنية التحتية وضعف الخبرة التكنولوجية في هذا المجال المعقد.

وبحسب الإعلانات الأولية للمشروع، كان من المتوقع أن تبدأ أسعار السيارة الجديدة من 290 ألف جنيه (ما يعادل وقتها 20 ألف دولار)، لتصل إلى 400 ألف جنيه (26 ألف دولار حينها)، مع طرحها بـ3 فئات مختلفة تتفاوت في قدرة البطارية ومدى السير.
لكن هذه الوعود لم تتحقق، وظل مشروع السيارة الكهربائية المصرية حلما بانتظار التنفيذ، تاركا تساؤلات دون إجابة حول أسباب هذا التأخير وفشل المشروع في الوصول إلى مرحلة الإنتاج الفعلي.
واقع السيارات الكهربائية والتحديات
قال توني لطيف، عضو لجنة سيارات الطاقة النظيفة بشعبة السيارات بالغرفة التجارية بالقاهرة، إن التحدي الرئيسي أمام انتشار السيارات الكهربائية في مصر لا يزال يتمثل في التالي:
- نقص محطات الشحن على مستوى الجمهورية.
- ضعف البنية التحتية.
- توفير المزيد من الدعم الحكومي للمواطنين.
وأضاف للجزيرة نت: “رغم ذلك، شهدنا تحسنا ملحوظا خلال العامين الماضيين، لا سيما مع اهتمام الدولة بهذا الملف، وتقديم حوافز للشركات العاملة في مجال الطاقة النظيفة، إلى جانب بدء تشغيل مصنع محلي لإنتاج السيارات الكهربائية”.
لماذا تأخرت السيارات الكهربائية المحلية
أوضح لطيف أن تأخر طرح السيارات الكهربائية التي أُعلن عنها منذ عام 2021 يعود إلى عدم التوصل لاتفاق نهائي بشأن التسعير، إذ إن تكلفة إنتاج السيارة لا تزال مرتفعة على الشركة المصنّعة، وهو ما يعقّد عملية دخولها السوق بسعر تنافسي.
وأشار إلى أن الدولة تعمل حاليا على توطين صناعة البطاريات، ما من شأنه أن يدعم انتشار السيارات الكهربائية في مصر، خاصة أن البطارية تمثل أكثر من 60% من تكلفة السيارة.

كشف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن مصر تمتلك اليوم برنامجا واضحا لصناعة السيارات، خاصة السيارات الكهربائية، وأنه يتم العمل حاليا على جذب اثنين إلى 3 من كبار مُصنّعي السيارات عالميا، لا سيما المتخصصين في تصنيع البطاريات الكهربائية.
ودعا لطيف الحكومة إلى دعم المواطنين الراغبين في شراء السيارات الكهربائية، من خلال طرح سيارات بأسعار مناسبة، وتوفير مراكز صيانة معتمدة، إلى جانب تقديم حوافز تمويلية مثل أنظمة تقسيط بفوائد مدعمة، وهو ما بدأت بعض البنوك بالفعل في تقديمه ضمن مبادرات لتشجيع استخدام هذه السيارات.
تحديات الرسوم والجمارك
بدوره، أكد منتصر زيتون، عضو الشعبة العامة للسيارات باتحاد الغرف التجارية في القاهرة، أن العائق الأكبر أمام انتشار السيارات الكهربائية في مصر هو ضعف البنية التحتية، خاصة عدم توافر محطات الشحن بشكل كاف على مستوى الجمهورية، مما يجعل الاعتماد على هذه السيارات صعبا في الوقت الراهن.
وأضاف، في حديثه للجزيرة نت، أن مشروع توطين صناعة السيارات يواجه تحديات أخرى، أبرزها الرسوم الجمركية المفروضة على مكونات الإنتاج المستوردة، وهي معوقات يجب العمل على تجاوزها لدعم الصناعة.
وأشار زيتون إلى أن قرار وزارة التجارة السابق في 2021 بوقف استيراد السيارات الكهربائية المستعملة، بعد الإعلان عن مشروع إنتاج سيارة كهربائية محليا في مصنع النصر -الذي لم يرَ النور حتى الآن- تسبب في تراجع السوق وأعادها سنوات إلى الخلف.
تطوير تشريعي ودعم حكومي
ورغم ذلك، أوضح أن العديد من الشركات ومراكز الصيانة بدأت تأخذ زمام المبادرة في استيراد وصيانة السيارات الكهربائية، مما يعكس اهتماما متزايدا بالسوق. وشدد على أن مستقبل السيارات الكهربائية في مصر قادم لا محالة، لكنه يسير بوتيرة أبطأ بكثير مقارنة بالأسواق العالمية، وهو ما يتطلب دعما حكوميا أكبر، مثل الإعفاء من رسوم الطرق والتراخيص.
كما لفت إلى أن تعدد بروتوكولات الشحن في السيارات الصينية مقابل اعتماد السيارات الأوروبية على بروتوكول موحد يمثل تحديا آخر، مؤكدا على ضرورة تنويع وتوحيد بروتوكولات الشحن، وتطوير الإطار التشريعي الداعم لصناعة السيارات الكهربائية، باعتباره أحد الأسس الجوهرية لتطور هذا القطاع الحيوي.