تونس – يقدّر مراقبون أن الاتحاد العام التونسي للشغل نجح من خلال مسيرته الاحتجاجية التي نظمها، اليوم الخميس، في تحريك أنصاره في الشارع، ليؤكد أنه لا يزال يمثل رقما صعبا في المشهد رغم محاولات إضعافه من قبل السلطة.

وأشاروا، في تصريحات للجزيرة نت، إلى أن نجاح التعبئة الجماهيرية تمثل رسالة واضحة للسلطة، مفادها أن الاتحاد قادر بفضل انتشار قواعده على تحريك الشارع، وإظهار قوته في مواجهة أي محاولة لتحجيم دوره الوطني والتاريخي.

وأضافوا أن المسيرة مثلت اختبارا ناجحا لقدرة الاتحاد على التعبئة تحت الضغط السياسي ومحاولات تأليب الرأي العام ضده، وأن نتائجها ستحدد المشهد المقبل بناء على تفاعل السلطة مع المطالب النقابية سواء بالتوافق أو التصادم.

تصعيد وتهدئة

يقول أنور بن قدور الأمين العام المساعد للاتحاد إن المسيرة أكدت قدرة المنظمة الشغيلة على تحريك قواعدها، موضحا أنها توازن بين ضبط النفس والاستعداد للتصعيد، وأنها منفتحة على الحوار لكنها لن تقبل التجاهل أو أي محاولات لإضعافها.

وأضاف للجزيرة نت أن الحشود النقابية والمدنية والسياسية التي شاركت في المسيرة تؤكد الثقة الكبيرة بين المجتمع المدني والاتحاد، مفيدا بأن المنظمة مصممة على الاستمرار في لعب دورها دون السكوت عن أية محاولات لضربها.

ووفق بن قدور، فإن رسالة هذه المسيرة وخطاب الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي اليوم خلال التجمع العمالي أمام مقر الاتحاد، هي أن المنظمة تمد يدها للحوار لإنقاذ البلاد، لكنها لن تتخلى عن لعب دورها وستتصدى لمحاولات تقويضها.

وأكد أن الاتحاد لن يتردد في اللجوء للإضراب العام إذا رفضت السلطة المضي قدما في فتح حوار جدي حول المفاوضات الاجتماعية، بما يشمل تحسين أجور الموظفين في ظل غلاء الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

صورة 6: حسام الحامي منسق عام ائتلاف صمود/العاصمة تونس/آب/أغسطس 2025 (خاصة)

وحدة الاتحاد

بدوره، اعتبر حسام الحامي منسق عام ائتلاف صمود -في حديثه للجزيرة نت- أن التعبئة النقابية اليوم كانت بمثابة امتحان مثمر لقدرة الاتحاد العام التونسي للشغل على الحفاظ على وحدته الداخلية وتحريك قواعده رغم الضغوط السياسية.

وأضاف الحامي، الذي شارك مع عدد من ممثلي منظمات المجتمع المدني، أن المسيرة أظهرت أن الاتحاد لا يمكن تجاوزه أو تجاهله في المشهد الوطني، وأن أي محاولات لإضعافه باءت جزئيا بالفشل أمام الاصطفاف النقابي والمدني وراءه.

وأشار إلى أن تحركات السلطة الحالية التي تحاول تقييد دور الأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وإعلام وغيرها لم تنجح في إسكات الاتحاد الذي “لا يزال يمتلك مصداقية قوية وسط قواعده والمجتمع المدني”.

وحول السيناريوهات المستقبلية في الصراع الدائر بين السلطة والاتحاد، يرى الحامي أنها مفتوحة، وأن الكرة الآن في ملعب السلطة لتختار إما الحوار والتفاوض الجاد أو الاستمرار في التصعيد الذي قد يزيد الاحتقان.

صورة 7: رمضان بن عمر الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية/العاصمة تونس/آب/أغسطس 2025 (خاصة)

رقم صعب

من جهته، يقول رمضان بن عمر الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي)، للجزيرة نت، إن المسيرة الاحتجاجية تقدم رسالة واضحة للسلطة أن الاتحاد يبقى رقما صعبا في قلب المعادلة والمشهد.

وأوضح أن التعبئة النقابية الحاشدة بينت أن الاتحاد نزل بثقله الميداني في معركة وجودية للحفاظ على دوره في المجتمع المدني والنقابي، في ظل مساعي الرئيس قيس سعيد لتهميش الأجسام الوسيطة وتقويض أي دور لها.

وحسب بن عمر، وجّه التحرك رسالة مباشرة للسلطة لتجنب التصعيد وفتح حوار اجتماعي شامل قبل تفاقم الأزمة، لكنه يستبعد أن تكون السلطة قادرة على استيعاب الرسالة التي بعث بها الاتحاد اليوم، وأنها ستستمر في تصعيدها.

وبشأن مستقبل الصراع بين الطرفين، أكد أنه مرتبط بموقف السلطة من مطالب الاتحاد، وأن “الاستمرار في السياسات التعسفية قد يزيد الاحتقان ويضعف الاستقرار الاجتماعي وينبئ بمزيد من الاهتزازات في البلاد”.

وكان نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل قد شدد في خطابه اليوم على أن تونس تمر بمرحلة دقيقة، منتقدا انهيار أسس الحياة السياسية والمدنية، وتصاعد خطاب الكراهية ونسف الحقوق والحريات.

وأضاف أن الاتحاد لا يسعى للمواجهة من أجل المواجهة، لكنه سيأخذ خطوات نضالية إذا استمر تعنت السلطة، وأنه من حق النقابيين التعبير عن غضبهم ورفض أي مساس بالمنظمة “التي ستظل ملتزمة بدورها الوطني”.

يذكر أن هذا الصراع تصاعد منذ احتجاج أنصار الرئيس أمام مقر الاتحاد، تعبيرا عن غضبهم من شن إضراب في النقل البري العمومي، تلته خطابات سعيد التي تضمنت إعلان فتح ملفات فساد، ما اعتُبر استهدافا مباشرا للاتحاد.

وكانت الحكومة قد أصدرت أمرا بمنع النقابيين من عدم مباشرة عملهم بدعوى نشاطهم النقابي، وتتجه -وفق مراقبين- إلى منع الاقتطاع الآلي للاشتراكات النقابية من الموظفين الحكوميين طبقا لتعليمات الرئيس قيس سعيد.

شاركها.
اترك تعليقاً