رغم الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، والتي تعزى إلى التغيرات المناخية على مستوى العالم، فإن الأمور لم تكن أفضل حالا في الماضي، ففي العاشر من يوليو/تموز عام 1913 تم تسجيل أعلى درجة حرارة تم رصدها على كوكب الأرض، والتي بلغت 65.7 درجة مئوية في منطقة وادي الموت بالولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يثير التساؤل حول الطريقة التي كان الأجداد يتعاملون بها مع ارتفاع درجات الحرارة، من دون مكيفات هواء، أو مراوح كهربائية.

“الجالي”.. ضوء أفضل وحرارة أقل

تعد ألواح “الجالي” أحد أهم طرق تعديل الضوء، وتكييف الهواء، بداية من القرن الـ 13 الميلادي، تقريبا، وهو فن إسلامي، شاع استخدامه من المغرب إلى الهند.

“الجالي” هو ألواح ضخمة، تحل محل النوافذ، تساعد في خفض درجة الحرارة عبر ضغط الهواء المار عبر ثقوبها الزخرفية، فلا تمنح شكلا جماليا وهندسيا وحسب، بل تستغل أيضا الفيزياء؛ فثقوب الجالي مصممة على طريقة أنابيب فنتوري، وهي تقنية فيزيائية عبارة عن أنبوب واسع عند الطرفين، ضيق في المنتصف، وهكذا تبرّد النوافذُ الهواء عند دخوله.

وتتجلى أبرز نماذج “الجالي” في دلهي، حيث يقع أحد أشهر القصور التي استخدمت فن الجالي في التبريد، وهو قصر عيسى خان نيازي، المشيد في الفترة بين 1547 و1548.

الملاقف والسراديب والجدران العازلة

في كتابه “التبريد في التراث العلمي العربي” يرصد الباحث السوري، سائر بصمه جي، تطور صناع التبريد وطرائقها، وعلى رأسها التهوية والتكييف بواسطة الملاقف، تلك التي قال عنها شيخ المعماريين حسن فتحي في كتابه “عمارة الفقراء” إنها قادرة على خفض درجة الحرارة 10 درجات تقريبا، لذلك استخدمها في المدارس التي بناها في قرية “القرنة” في “الأقصر” بمصر، وكانت الملاقف واحدة من العناصر الأساسية في أسلوبه المعماري.

ووفق وارن جونسون، في كتابه “المحافظة على التبريد والتدفئة في العمارة الإسلامية”، فإن معادلة تكييف الهواء القديمة تكونت من ملف ونفق أرضي ونافورة، وكان “الملقف” يلتقط الهواء الخارجي الساخن، ويحوله إلى هواء بارد داخل نفق أرضي يستخدم في تبريد المسكن، ويقوم الملقف بدور مستودع كبير للكتلة الحرارية، حين تبرد أحجار البرج ليلا، وعندما يسخن الهواء نهارا في اليوم التالي، يبقى البرج باردا، ولأن الهواء البارد أثقل من الساخن، فإنه يخبط عبر البرج لينعش الغرف حين يصل إليها عبر النفق الأرضي.

أشكال الملاقف عديدة، منها الشكل المثلثي المجوف الذي لا تزيد قاعدته على متر، وارتفاعه متر، وهو يُشيَّد فوق السطح العلوي للمنزل، ويفتح من ناحية الشرق، ويرتبط في نهايته بمجرى داخلي موجه نحو سرداب المنزل (قبو واسع جوه جميل صيفا) كان يوجد في معظم بيوت بغداد قبل انتشار المنازل الأسمنتية، وتكتمل المهمة عبر جدران معزولة بمواد جيدة على رأسها الطين، تحفظ للمنزل برودته صيفا ودفأه شتاء.

الحصر المبللة

رغم جمال السجاد، وثمنه الباهظ، فإن الحصير المصنوع من ألياف النباتات يعد أفضل غطاء للأرضيات في وقت الصيف، ولا نتحدث هنا عن الحصير الحديث المصنوع من البلاستيك، بل المصنوع من ألياف القصب، والخوص، وغيرها، والذي لم يُستخدم كعازل يخفف حرارة الأرض فحسب، بل كان القدماء يقطرون الماء على الحصائر، للوصول إلى ما يسمى “التبريد التبخيري”.

تقنيات التبريد الذاتية

لجأ القدماء إلى تقنيات لتبريد الجسم، مثل تبريد مناطق النبض، عند الرسغين وجوانب الرقبة، باستخدام الماء البارد أو حتى قطعة قماش مبللة، هكذا تقل درجة حرارة الجسم بصورة أفضل. كما لجؤوا إلى توظيف الملابس في تخفيف الحرارة، عبر اختيار نوعيات قماش بعينها.

ففي كتابها “الطرق الشرقية القديمة للتخلص من الحر”، تشرح الكاتبة نادية الغزي، كيف لجأ القدماء إلى الألياف النباتية كالكتان والقنب والخيش، من أجل تخفيف أثر الحرار صيفا، كما هو الحال عام 1760 ق.م حين تم الاستعانة -في صنع ثياب الملكة “شيبتو” زوجة الملك زمري ليم، ملك مملكة حلب حاليا، وبناتها الست- بالكتان المصبوغ بالأصفر والأحمر والأزرق.

ومن بين الطرق أيضا إضافة بعض القطع إلى الملابس وعلى رأسها العمامة، تلك التي قال عنها أبو الأسود الدؤلي إنها “جُنة في الحرب، ومكنة من الحر، ومِدفأة من القر، ووقار في الندى، وواقية من الأحداث، وزيادة في القامة، وهي بعدُ عادة من عادات العرب”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.