كتب عدد من المؤرخين عن العديد من مشاهد الكرم وحسن استقبال أهل مكة لضيوف بيت الله الحرام والمشاعر؛ مشيرين إلى أنهم كانوا ينصبون الخيام حول مراكز أحيائهم لاستقبال الحجاج وضيافتهم؛ حيث يخرجون من وسط مكة إلى الضواحي ويؤجرون بيوتهم للحجاج؛ بهدف التوسعة عليهم وتوفير سكن لهم وقت الحج.

وكان لنساء مكة المكرمة عادة منذ قديم الزمان أيام الحج؛ وتحديدًا في يومي التروية وعرفة، والتي يطلق عليها “الخليف والقيس”؛ حيث لا يبقى في هذين اليومين غير النساء، وأيُّ رجل يرينه في مكة يوبخنه، من خلال أغنيتهن المعروفة “يا قيس يا قيس.. قوم اذبح التيس، كل الناس حجوا وانت ما حجيت”.

وفي يوم عرفة كان لنساء مكة مهام محددة، تتمثل في مراقبة ‏المتخلفين من رجال مكة المكرمة عن أداء الحج أو حتى الذهاب إلى العمل خلال ‏موسم الحج؛ ولذلك عُرِفَ ذلك اليوم ‏تحديدًا باسم “الخليف”؛ فضلًا عن أعباء ومهمات لم يكن يقوم بها إلا الرجال.. وقد أخذت ‏كلمة “القيس” من عبارات كانت ترددها سيدات مكة، “في حال وجدن أحد ‏الرجال المتخلفين عن الذهاب للحج، وتبدأ هكذا: “يا قيسنا يا قيس، الناس حجت، ‏وانت هنا قاعد ليش”؛ لذلك فإن غالبية المتخلفين عن الذهاب إلى الحج أو خدمة ‏الحجاج في ذلك الوقت هم من كبار السن أو المرضى، وهذا يجعل من ليلة ‏عرفة ليلة استثنائية في حياة نساء مكة.

ونوّهت دارة الملك عبدالعزيز، في نشرها عن هذه العادة، بأن غالبية الأسر الحجازية حرصت على ممارسة نسائهم لعادة “الحليف” و”القيس” ففي العقود الماضية كان النساء يعملن على التنكر بأزياء الرجال للإيهام بأنهن لسن وحدهن وترديد بعض ‏الأناشيد الخاصة بهذه العادات.. وعلى الرغم من التطور العمراني واختفاء الحارات القديمة؛ ‏إلا أنه لن تستطع تلك العادات التي كانت نساء مكة يمارسنها داخل ‏حاراتهن، أن تتلاشى، وظلت مستمرة ولكن بشكل آخر.

ويقول عدد من المؤرخين: إن عادة “الخليف والقيس” ظلت تمارس منذ ما يقارب ‏ خمسة عقود؛ حيث كان نساء مكة يقمن بمهام عدة أثناء موسم الحج فهن من كن ‏يحرسن البيوت في ظل غياب الرجال الذين يذهبون إلى المشاعر المقدسة خوفًا ‏عليها من السرقة، إضافة إلى أنهن كن يعملن على تقديم الماء والغذاء ومساعدة ‏العاجزين وكبار السن داخل البيوت.‏

أما في العصر الحاضر فتحرص النساء على إحياء عادة “الحليف والقيس” ولكن بطريقة مختلفة؛ فخلال يوم عرفة تبقى معظم أحياء مكة مثل: (المسفلة، والمنصور، وجرول، والهجلة، وأجياد، ريع بخش)، خالية تمامًا من الحجيج بحكم وجود الحجاج في المشاعر حيث إن غالبية أهالي مكة المكرمة يعملون في الطوافة وخدمة حجاج ‏بيت الله منذ القدم؛ لذا فهم يغادرونها منذ اليوم الثامن من ذي الحجة والذي يطلق ‏عليه “يوم اليتيمة”؛ إذ تخلو مكة من غالبية الرجال من أرباب الأسر فيما تحرص ‏نساؤها على صيام اليوم التاسع من ذي الحجة والإفطار في الحرم المكي بعد أن يكن قد تجمعن منذ الصباح الباكر في يوم عرفة في منزل العائلة قبل أن يتوجهن إلى الحرم ‏ويبدأن في الطواف ثم افتراش ساحات الحرم في انتظار أذان المغرب للإفطار.

ولا يزال بعض نساء مكة يحرصن في يوم عرفة على تعليم بناتهن القيام بعادة “الحليف”؛ حيث تذهب مجموعة النسوة اللائي عزمن على إحيائها، إلى الحرم؛ لإقامة المحاضرات والندوات، وتناول طعام الإفطار بعد صيام يوم عرفة الذي يمثل يوم الحج الأكبر.

ويكتظ الحرم المكي بالسواد في يوم عرفة بسبب ‏امتلائه بالنساء اللائي يقدمن وجبة الإفطار لزوار الحرم الصائمين ومن ثم يؤدين صلاة المغرب والطواف حول الكعبة، ولا يخرجن إلا ‏بعد صلاة العشاء.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.