في غرفة العمليات الخاصة بلاري غبفلو-لارتي، تتوزع خرائط على الجدران ترصد تحركات الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل. وكلما وقع هجوم على قرية أو طريق، يسجله فريقه الشاب على تلك الخرائط.

ويقول العسكري المتقاعد، الذي عينه الرئيس الغاني لشغل منصب المبعوث الخاص لغانا إلى تحالف دول الساحل لموقع أفريكا ريبورت إن فهم الوضع بدقة يحتاج إلى خرائط.

احتواء التهديدات

رغم هدوئه في العلن، اضطر غبفلو-لارتي إلى التحرك بسرعة لكسب ثقة قادة النيجر وبوركينا فاسو ومالي، بعد الانقلابات التي دفعت هذه الدول إلى الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي.

ويقول لأفريكا ريبورت “نريد ضمان حسن الجوار، فهؤلاء على حدودنا، وإذا تفاقم الإرهاب هناك، فسينتقل إلينا. كل ما يمكننا فعله لمساعدتهم في احتواء الإرهاب، سنقوم به”.

وأضاف أن “مبادرة أكرا قد تكون في حالة حرجة، لكنها لم تمت… إنها في غرفة الإنعاش”.

وقد تصاعدت أعمال العنف منطقة في الساحل، وبدأت تهدد دول الجوار، بما فيها غانا، خاصة بعد انسحاب الشركاء العسكريين الغربيين.

ويرى غبفلو-لارتي أن التعاون الأمني يمكن أن يخدم هدفين: إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية بعد إدانة إيكواس للانقلابات، وحماية المنطقة من التهديدات.

إعادة تشكيل مبادرة أكرا

يقول غبفلو-لارتي إن الأمر قد يتطلب إعادة هيكلة مبادرة أكرا، التي أُطلقت عام 2017 لمنع تمدد الإرهاب من الساحل، وضمت بنين وكوت ديفوار وغانا وتوغو ومالي وبوركينا فاسو والنيجر. لكن الانقلابات أحدثت توترًا بين الأعضاء، وأعاقت تبادل المعلومات الاستخباراتية.

ويضيف “هناك انعدام ثقة بين مالي وبوركينا فاسو من جهة، وكوت ديفوار من جهة أخرى، وكذلك بين النيجر وبنين”.

وتحتفظ نيجيريا بوضع مراقب، لكن علاقاتها مع تحالف دول الساحل تدهورت بعد تهديد الرئيس بولا تينوبو بالتدخل العسكري في النيجر، وإغلاق الحدود، وقطع الكهرباء.

وفي مارس/ آذار الماضي، بعد شهرين من تنصيبه، زار ماهاما مالي برفقة غبفلو-لارتي، حيث قال له الرئيس أسيمي غويتا صراحة “بالنسبة لنا، مبادرة أكرا ماتت”.

فرد ماهاما مازحًا “ربما تكون مريضة جدًا، لكنها في غرفة الإنعاش، وليست ميتة. نحتاج فقط إلى أطباء جيدين ودواء فعال لإحيائها”.

وقد خفف هذا التعليق التوتر، وأثار الضحك، بحسب غبفلو-لارتي، الذي أشار إلى وجود عدة مقترحات لإبقاء تحالف دول الساحل منخرطًا في المبادرة.

ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا

من بين المقترحات تغيير اسم المبادرة إلى “مبادرة الساحل وخليج غينيا”، لتكون أكثر شمولًا، ونقل مركز العمليات المشتركة من أكرا إلى بوركينا فاسو، لأنها “في قلب العاصفة”، وتعيين رئيس لفريق الاستخبارات من إحدى دول الساحل بدلًا من غانا.

كما يجري البحث عن شركاء لتدريب القوات على تأمين “ممرات التنقل”، لحماية المركبات المدنية على طرق معينة، وضمان تدفق التجارة والغذاء والدواء دون خوف من الهجمات.

وقد تُعدّل الاتفاقية التي تربط الدول لتشكيل مركز عمليات مشترك بدلًا من قوة متعددة الجنسيات، لأن الأخيرة توحي بنية نشر قوات قتالية، وهو ما قد لا يكون مرغوبا.

ويعني مركز العمليات المشترك إشراك خبراء عسكريين واستخباراتيين لتحليل الوضع، ووضع خطط تشغيلية، مع التركيز على تدريب الكوادر داخل كل دولة.

ويقول مندوب غانا لدول الساحل “نتحدث الآن مع الدول بشكل فردي لعقد اجتماعات الهيئات التنظيمية. أولًا يجتمع رؤساء الاستخبارات، ثم مجلس وزراء الأمن، ثم مؤتمر رؤساء الدول”. ويضيف أن دول الساحل لا تزال تُعتبر أعضاء في المبادرة، لأنها لم تعلن انسحابها رسميًا.

فرنسا: انفصال أم طلاق؟

ويقول موقع أفريكا ريبورت إنه في ظل تصاعد المشاعر المعادية لفرنسا، فإن الشراكة معها مستبعدة حاليًا، لكن غبفلو-لارتي يعارض القطيعة التامة.

أما روسيا، التي أرسلت مجموعة فاغنر لمساعدة القوات المحلية، فقد تواجه صعوبات بسبب العقوبات التي تعرقل توريد المعدات العسكرية إلى دول الساحل غير الساحلية عبر موانئ الدول المجاورة. وقد اجتمع رؤساء الدفاع من روسيا ودول الساحل الثلاث نهاية أغسطس/ آب لبحث التعاون.

ويقول غبفلو-لارتي إن قادة مالي وبوركينا فاسو أبلغوا ماهاما بأن الانفصال عن إيكواس “مسار لا رجعة فيه”، وقد أنشؤوا كونفدرالية لها علم خاص، ويخططون لجواز سفر وعملة موحدة، وينسقون مواقفهم بشكل متزايد.

Meeting of foreign ministers of the Alliance of Sahel States in Bamako. المصدر: الصحافة المالية

ويرى غبفلو-لارتي أن الانخراط مع هذه الدول مهم حتى لا يبتعدوا تماما.

ويتابع: “لقد كانت لهم علاقة طويلة مع فرنسا، والآن هناك انفصال. الأمر يعتمد على كيفية إدارة فرنسا لهذا الانفصال حتى لا يتحول إلى طلاق”.

ويشير إلى أن دولًا أوروبية وعربية، وتركيا وقطر وروسيا، تسعى لبناء علاقات مع تحالف دول الساحل، وإذا لم تفعل غانا ودول غرب أفريقيا الشيء نفسه، فقد تخسر الكثير.

اهتمام جنوب أفريقي

دول أفريقية أخرى بدأت التواصل أيضًا، فقد أرسلت جنوب أفريقيا مسؤولًا رفيعًا من وزارة العلاقات الدولية في مهمة لمدة أسبوعين إلى تحالف دول الساحل، لاستكشاف طبيعة العلاقات المستقبلية، كما يخطط الرئيس السابق ثابو مبيكي لزيارة المنطقة.

وقال مبيكي لأفريكا ريبورت “أود الاستماع إليهم أولًا”. وأضاف أنه شارك سابقًا في جهود لحل الأزمة الأمنية في مالي، وتم التوصل إلى نزع سلاح بسبب معالجة قضية الطوارق، لكنها عادت للظهور.

ويقول غبفلو-لارتي إن الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا سيكون موضع ترحيب إذا قرر زيارة تحالف دول الساحل. ويضيف “أتطلع إلى مزيد من الرؤساء والقادة للتواصل معهم وفهمهم”، مشيرًا إلى أن عدة دول بدأت التواصل على مستوى السفراء.

بناء السلام

ويرى غبفلو-لارتي أن معالجة الوضع الأمني في الساحل ستعزز ثقة المجتمعات المحلية، وقد تفتح الباب لحوار بين الدول والمجموعات حول قضايا عملية، مثل إيصال الدواء والغذاء إلى القرى، ولو في أيام محددة من الأسبوع.

تصميم خاص خريطة مجموعة الساحل

ويضيف أن إقناع نيجيريا وكوت ديفوار بموقف غانا كان أكثر صعوبة، لأنهما كانتا تأملان في عودة تحالف دول الساحل إلى إيكواس، ومن المرجح أن غانا تشاركهما هذا الهدف، لكنه ليس أولوية في ظل التحديات الأمنية الراهنة.

وفي مكتب غبفلو-لارتي في أكرا، تتوسط صورة تاريخية تجمع زعيم استقلال غانا كوامي نكروما، ونظيره البوركينابي موريس يامييوغو، ورئيس النيجر حماني ديوري.

والرسالة واضحة “ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، ولذلك علينا أن نحافظ على وحدتنا”، يقول غبفلو-لارتي، آملاً أن تبقى هذه القناعة صالحة في زمننا الحالي.

شاركها.
اترك تعليقاً