القدس المحتلة- مع اقتراب مرور عامين على بدء هجمات جماعة أنصار الله اليمنية “الحوثيين”، تخفق إسرائيل في تحقيق حسم إستراتيجي على ما تسميها “الجبهة الجنوبية”.

وشملت الهجمات المستمرة من اليمن إطلاق عشرات الطائرات المسيّرة والصواريخ، بشكل أظهر نقاط ضعف حقيقية في منظومة الدفاع والأمن الإسرائيلية، بما في ذلك تعطّل مطار إيلات ومينائها، وتراجع قدرة البنية التحتية على الصمود أمام تهديدات غير تقليدية.

وشهدت الأيام الأخيرة تصعيدا غير مسبوق في هجمات الحوثيين، إذ تم اعتراض 3 طائرات مسيرة خلال نصف ساعة بمناطق إيلات وديمونة والبحر الميت، في حين دوت صافرات الإنذار في مدينة إيلات ومنطقة وادي عربة تحسبا لأيّ تسلل.

ويظهر هذا التصعيد حجم التحدي الذي يواجهه جيش الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد إصابة قاعة المسافرين في مطار “رامون” بمسيّرة انتحارية أُطلقت من اليمن، أسفرت عن جرح 8 أشخاص وأضرار مادية، من دون أن تستطع أنظمة الرصد تصنيف الطائرة على أنها “معادية”.

ووفق التحليلات الإسرائيلية، تتجاوز التحديات الحالية مجرد مواجهة الهجمات الفردية، فهي مرتبطة بعزلة إسرائيل النسبية بعد وقف الدعم الأميركي في البحر الأحمر، وصعوبة اتخاذ قرارات إستراتيجية حاسمة وسط تراكم التهديدات.

في المقابل، تستفيد جماعة أنصار الله من كل تأخير، مستغلة ثغرات الرد الإسرائيلي، مما يعكس استمرار الصراع بلا نهاية قريبة رغم الإنفاق العسكري الضخم والدور المكثف لسلاح الجو الإسرائيلي في استهداف مواقع الحوثيين في صنعاء والحديدة.

وتستعرض القراءات والتحليلات الإسرائيلية لهذه الهجمات الأسباب التي تجعل التصدي للأخطار التي يشكلها الحوثيون على الجبهة الجنوبية الإسرائيلية أمرا صعبا، في حين تستمر الجماعة في استغلال كل فرصة لتعميق تأثيرها على إسرائيل.

بلا حسم

يقول محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة هآرتس، تسفي بارئيل، إن “جماعة الحوثي تستمر في استغلال كل فرصة لتعميق تأثيرها على إسرائيل، مستفيدة من العزلة النسبية التي تواجهها الأخيرة بعد توقف الدعم الأميركي في البحر الأحمر”.

وكما فعلت الإمارات والسعودية قبلها، يضيف بارئيل “أوقفت الولايات المتحدة نشاطها العسكري المباشر”، تاركة إسرائيل تواجه الحوثيين وحيدة، مما يجعل أي محاولة لتوسيع دائرة الأهداف أو شن ضربات جوية واسعة غير كافية لتحقيق حسم إستراتيجي.

وفقا للمحلل الإسرائيلي، فإن الهجمات المستمرة للحوثيين تظهر أنهم ليسوا مجرد امتداد لإيران أو أداة ضغط إقليمية، بل إنهم كيان سياسي وعسكري مستقل قادر على استثمار أي فرصة لتحقيق مكاسب داخلية وخارجية، إذ يستمر الحوثيون في مهاجمة أهداف اعتبروها “إسرائيلية”، مما يبرر استمرارهم في العمل وفق مصالحهم الخاصة.

صراع مختلف

في هذا السياق، تعتمد إسرائيل -بحسب بارئيل- إستراتيجية شبيهة بإستراتيجية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، تعتمد على “الردع وتعطيل القدرات”، لكنها لم تحقق أهدافها، إذ لم تشكل الضربات على الحوثيين رادعا حقيقيا.

ولفت إلى أنه يكفي اختراق صاروخ أو طائرة مسيرة واحدة للمجال الجوي الإسرائيلي لإثبات قدرة الحوثيين على تحدي إسرائيل، مما يجعل الصراع مختلفا عن حروب تقليدية بين جيشين يسعيان للانتصار في منطقة محددة.

يرى بارئيل أن الحوثيين يعتمدون على مواردهم المحلية، مستفيدين من الحرب لتعزيز نفوذهم داخليا وتهديد إسرائيل خارجيا، وهو ما يجعل الحسم العسكري بعيدا ويضمن استمرار نشاطهم في البحر الأحمر لفترة طويلة، مدعوما بقدراتهم على تصنيع الصواريخ والطائرات محليا، واستثمار أي فرصة لتحقيق أهدافهم الإقليمية.

باختصار، وفقا للمحلل الإسرائيلي، إن تل أبيب وجدت نفسها في مواجهة كيان مستقل، وذكي إستراتيجيا، لا يعتمد على دعم خارجي مباشر، ويستغل كل تأخير أو تردد لتحقيق مكاسب، مما يجعل أي تصور لحسم سريع أو إستراتيجي أمرا بعيد المنال في المستقبل القريب.

تهديد مكلف

يقول محرر اقتصاديات الأمن في صحيفة “ذا ماركر” حاجي عميت “بعد مرور عامين على بدء الهجمات الحوثية، لا تزال إسرائيل تواجه اضطرابات متكررة تهدد اقتصادها وبنيتها التحتية الحيوية، مع تعطيل المطارات والموانئ والبنية الرقمية”، وهو ما يعكس فشلها في تحقيق حسم إستراتيجي رغم الإنفاق العسكري الكبير.

وحسب عميت، فإن الهجمات الحوثية تُكلف إسرائيل مبالغ طائلة من دون أن تسفر عن نتائج ملموسة، بينما يظل الإسرائيليون مضطرين للجوء إلى ملاجئ آمنة بشكل متكرر، ويتأثر الاقتصاد بشكل مباشر بسبب تعطيل الموانئ والخدمات الحيوية.

إضافة إلى ذلك، يضيف عميت أن “الحوثيين يعتمدون على موارد محلية كبيرة، ولديهم القدرة على البقاء طويلا”، مستفيدين من ضعف الدولة اليمنية وقلة الموارد الخارجية المخصصة لهم. وهذا يسمح لهم بتحويل الحرب إلى أداة مزدوجة: استمرار التهديد لإسرائيل، وتعزيز نفوذهم السياسي داخليا.

FILE PHOTO: A plane is reflected in the facade of the Ramon International Airport after an inauguration ceremony for the new airport, just outside the southern Red Sea resort city of Eilat, Israel January 21, 2019. REUTERS/Ronen Zvulun/File Photo

فاعلية محدودة

والقراءة ذاتها تتبناها الدكتورة ميخال يعاري، من جامعة “بن غوريون” في بئر السبع، إذ ترى أن الصعوبة الرئيسية التي تواجه إسرائيل في مواجهة الحوثيين نابعة من عدم فهم أهداف التنظيم وطبيعته.

فالهجمات الحوثية، التي تبدو أحيانا “انتحارية”، تقول يعاري المتخصصة في شؤون دول الخليج -في حديث لصحيفة “ذا ماركر”- إنها “لا تتبع المنطق العسكري التقليدي”، مما يجعل فرضيات الردع والضغط التي تعتمدها إسرائيل محدودة الفاعلية.

وتضيف يعاري أن الضربات العسكرية، بما في ذلك استهداف الموانئ ومحطات الطاقة واغتيال كبار المسؤولين، لم تؤثر بشكل ملموس على قدرة الحوثيين على الاستمرار في الهجمات، مؤكدة أن المنظمة تستند إلى نظام تشغيل مختلف عن التنظيمات الأخرى مثل حزب الله، وهو ما يزيد من صعوبة التعامل معها.

ولفتت إلى أنه حتى بعد موجات من الضربات الإسرائيلية، يظل الهجوم البري على مناطق الحوثيين في اليمن عملية صعبة ومعقدة، نظرا لبُعد المسافة والقدرات اللوجستية المحدودة.

وفي المحصلة، تظهر التجربة أن الجيش الإسرائيلي يواجه صعوبة في مواجهة منظمة مسلحة تمتلك قدرة عالية على الصمود، وقدرة على استغلال كل ثغرة لتعميق تأثيرها على إسرائيل، مما يؤكد -حسب يعاري- أن الحسم العسكري بعيد المنال، وأن الهجمات الحوثية ستستمر كعامل تهديد أساسي على الاقتصاد والبنية التحتية الإسرائيلية لفترة طويلة.

شاركها.
اترك تعليقاً