في تطور يُعد ضربة موجعة للمدعي العام الرئيسي في المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، أصدرت غرفة الاستئناف قرارًا بإقصاء كريم خان من التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة خلال «حرب المخدرات» التي شنها الرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي، بسبب تضارب مصالح محتمل.

هذا القرار، بحسب وسائل إعلام عالمية، يأتي في وقت تُعاني فيه المحكمة من عقوبات أمريكية مشددة وتحقيقات داخلية، مما يثير تساؤلات حول استقلاليتها وفعاليتها في مواجهة الجرائم الدولية الكبرى.

القضية، التي تُعد التحقيق الرئيسي النشط في المحكمة حاليًا، تشمل اتهامات بقتل آلاف الأشخاص، معظمهم من الفقراء والمستخدمين للمخدرات، في حملة أثارت إدانة عالمية واسعة.

6,000 قتيل في «حرب مخدرات» دوتيرتي

حرب المخدرات، التي أطلقها دوتيرتي بعد توليه الرئاسة في يونيو 2016، أسفرت عن مقتل ما يُقدر بـ30,000 شخص على الأقل، وفقًا لتقديرات منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي إنترناشونال.

وبدأت الحملة كسياسة محلية في مدينة دافاو، حيث كان دوتيرتي عمدة، وانتقلت إلى مستوى وطني، إذ شجع الرئيس علنًا الشرطة على «قتل» المشتبه بهم في تجارة المخدرات دون محاكمة، معتبرًا إياهم «أعداء الدولة».

الإحصاءات الرسمية الفلبينية تُسجل نحو 6,000 قتيل في عمليات شرطية، لكن الضحايا الحقيقيين يشملون آلافًا آخرين قُتلوا على يد «مجهولين»، غالبًا في عمليات إعدام ميدانية.

**media«2598837»**

أمر اعتقال بحق دوتيرتي

وفي مارس 2025، أصدرت المحكمة أمر اعتقال ضد دوتيرتي، متهمًا بـ43 حالة قتل على الأقل بين 2011 و2019، وتم تسليمه إلى لاهاي في 12 مارس، حيث يُحتجز حاليًا في سجن المحكمة.

دوتيرتي، البالغ من العمر 80 عامًا، يدعي أن اعتقاله غير قانوني ويُشبه بالاختطاف، ويُجادل محاموه بأنه غير لائق للمحاكمة بسبب مشكلات صحية، مما أدى إلى تأجيل الإجراءات.

لماذا تم إقصاء المُدعي العام؟

القرار بإقصاء المدعي العام الرئيسي في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان، جاء بعد طلب قدمته دفاع دوتيرتي في أغسطس الماضي، مُجادلًا بأن المدعي العام السابق مثّل ضحايا الحملة كمحامٍ خاص في 2018 يُشكل تضاربًا يمنعه من إجراء تحقيق محايد.

ووفقًا للقرار، كان «خان» قد مثل لجنة حقوق الإنسان الفلبينية (PHRC) في تقديم شكاوى إلى المحكمة، مما ساهم في تسمية دوتيرتي كمشتبه رئيسي.

«هذا الدور السابق يُثير شبهة التحيز، مما يجعل استمرار خان في القضية غير مناسب»، حسبما ورد في الوثيقة، مشيرًا إلى أن «المرء العاقل المُطّلع يمكن أن يرى في ذلك خطرًا على الحيادية»، ورد «خان»، الذي عارض الطلب، بأن «لا تضارب ينشأ من تمثيله لرئيس اللجنة وضحايا في الاتصالات مع المحكمة»، لكن غرفة الاستئناف رفضت حجته في 2 أكتوبر.

ليس الإقصاء الأول

هذا ليس الإقصاء الأول لخان، ففي أغسطس، أمرت المحكمة بعزل نفسه عن تحقيق في فنزويلا بسبب دور زوجة أخته كمحامية للحكومة، وفي مايو الماضي، أخذ إجازة إدارية أثناء تحقيق أممي في اتهامات بالسلوك الجنسي غير اللائق، يشمل اللمس غير المرغوب والضغط على موظفة.

وينفي خان جميع الاتهامات، ويصفها بأنها «حملة تشويه»، لكن التحقيق التابع لمكتب الرقابة الداخلية الأممي (OIOS) مستمر، وقد امتد ليشمل اتهامات بالانتقام من موظفين. مكتب المدعي لم يُعلق فورًا على القرار الجديد.

**media«2598836»**

ويُدار التحقيق الآن بواسطة المدعي المناوب مامي ماندياي نيانغ، الذي يواجه بدوره عقوبات أمريكية فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترمب في أغسطس، متهمًا بـ«دعم إجراءات غير مشروعة ضد إسرائيل».

هذه العقوبات، التي شملت تجميد أصول ومنع الدخول إلى النظام المالي الأمريكي، جاءت رد فعل على أوامر الاعتقال الصادرة في نوفمبر 2024 ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، بما في ذلك التجويع كوسيلة حرب والهجمات على المدنيين.

الاتهامات الموجهة لـ«دوتيرتي»

وبالنسبة لـ«دوتيرتي»، يُمثل القرار انتصارًا جزئيًا لفريقه، الذي يطالب بتأجيل غير محدود للإجراءات بسبب صحة المدعى عليه، ومع ذلك، أكدت المحكمة في سبتمبر الماضي ثلاث تهم رئيسية: قتل 19 شخصًا في دافاو بين 2013 و2016، و57 قتلًا آخرين في حملة وطنية بين 2016 و2018، متهمة دوتيرتي بـ«المشاركة غير المباشرة» في جرائم ضد الإنسانية.

الاتهامات تعتمد على شهادات ضحايا، وثائق شرطية، وتحليلات تُظهر نمطًا من «القتل المنهجي»، بما في ذلك دفعات مالية للشرطة تصل إلى 17 ألف دولار لكل قتيل، كما كشفت شهادة ضابطة سابقة في أكتوبر 2024 أمام لجنة برلمانية فلبينية.

الرئيس الحالي فيرديناند ماركوس جونيور، الذي خاض الانتخابات مع ابنة «دوتيرتي»، يرفض التعاون مع المحكمة، مُصرًا على الاختصاص الوطني، مما يُعقد تنفيذ أي أمر.

تحذير من تقويض مصداقية المحكمة

على صعيد آخر، حذّر خبراء من أن مثل هذه الإقصاءات والعقوبات قد تُقوض مصداقية المحكمة، التي أُنشئت عام 2002 لمحاسبة الجرائم الدولية عند فشل الدول الوطنية، ويقول الخبير القانوني فيليب ألستون في تصريح لصحيفة «الغارديان» إن المحكمة تواجه تحديًا وجوديًا، إذ تُصبح أداة في الصراعات الجيوسياسية بدلًا من العدالة.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً