تتميّز مدن ساحل بلادنا الشرقي بالعطاء؛ تفيض دعة وحنوّاً، تشعرك بدفء لا يشبه الا أهلها وساكنيها.

أمضيتُ في المنطقة الشرقية عامين مطلع تسعينات القرن المنصرم، ولمست في مجتمعها حيوية يحتذى بها، لا على الصعيد الأخلاقي فقط بل على الصعيد العملي، وأدهشني أن الكثير منهم يمتلك ثقافته الخاصة العميقة.

عرّفني الراحل الغالي جبير المليحان (رحمه الله)، على مجموعة من الجميلين من بينهم العزيز شاكر الشيخ (رحمه الله)، ورغم نُدرة اللقاءات التي جمعتني بأبي بدر إلا أن لتفاصيل تلك اللحظات جذوراً في الذاكرة والقلب معاً..

تفاصيل تُحيّرك على أي جزئية منها تسلط الضوء عليه.

أذكر أنني ذات ثلاثاء مطير تلقيت اتصالاً من العزيز شاكر يدعوني فيه لمنزله، المساء الذي يليه. وكنت في الموعد برفقة (أبو أيمن) جبير المليحان، وكانت تلك المرة الرابعة التي ألتقي فيها بشاكر، فأول لقاء كان قبل ذلك بأربعة أعوام في مدينة جدة، وتحديداً في عام ١٩٨٨، على هامش ندوة التراث التي نظمها نادي جدة الأدبي، وكان شاكر وقتها مشرفاً على الصفحات الثقافية بجريدة اليوم.

يجمع (أبو بدر) المضياف بين الأصالة والحداثة على نحو مبهج، يمتلك ثقافة عالية، جمالها في تنوعها، والأجمل أنه يُشعرك بأنه يعرفك منذ عقود، لديه أسلوب أخاذ وتلقائية فاتنة، وهو يسرد تجاربه على الأصعدة كافة؛ الإدارية والصحفية والفنية، بمعلومات لا تتوفر إلا لديه.

شاكر فنانٌ مفعمٌ بالعذوبة والرقة، ينطلق من أرضية صلبة، تدرك ذلك من خلال أنغام عوده التي داعبت مسامعنا بدانات وأغانٍ تراثية، وتوجها بألحانه الشجية لقصائد حديثة سبق أن خصّ بها الفنان عبدالله البريكان.

أستغرب لماذا لم تستمر تلك التجربة المتألقة والفريدة، التي أخالها ثروة لم ننجح في الحفاظ عليها.

الذي أعجبني في شاكر حرصه على تنمية مهاراته في اللغة الإنجليزية ليصل لمرحلة الترجمة، فقلت في نفسي: هذا منجز يضيفه أبو بدر لسلسلة منجزاته، وعرفت في ما بعد أنه قام بترجمة بعض النصوص، ولا ريب أن (شاكر الشيخ) كان منهلاً عذباً يفيض ليروي كل من حوله.

محب لأسرته وأصدقائه ولكل من يعرفه.

استضافني عقب ذلك، مع (أبو أيمن) في شاليه في البحرين ليلتين، شاليه واسع للنفس، رغم ضيق مساحته إلا أنه جميل كروحه.. ليلتان غمرنا فيهما بكرمه وكشف لنا عن مهارة الطهي التي يمتلكها، وهو سيرة لا حدود ولا ضفاف لها، تبقى في ذاكرتنا ووجداننا ما بقي الجمال.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً