بقلم:&nbspيورونيوز

نشرت في

كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير موسع أن الفلسطينيين في قطاع غزة يواجهون واحدة من أكثر عمليات الانتشال مشقة في تاريخ الحروب الحديثة، بينما تتواصل المفاوضات حول الهدنة الهشة.

وذكر التقرير أن الفلسطينيين بدأوا الحفر بين 61 مليون طن من الأنقاض، أي ما يعادل عشرين ضعفًا لمجموع الركام الناتج عن جميع الحروب منذ عام 2008، مشيرًا إلى أن ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص يُعتقد أنهم ما زالوا مدفونين تحت الردم.

وأوضح التقرير، المرفق بصور ورسوم بيانية توثّق حجم الكارثة، أن الغارديان تحدثت مع عدد من العائلات الفلسطينية التي تبحث بيأس عن جثث أقاربها المفقودين، إضافة إلى عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني.

عمليات بحث بأدوات بدائية

ويشير التقرير الى إن فرق الإنقاذ في غزة تعمل بوسائل بسيطة للغاية، مستخدمة المجارف والمعاول والعربات اليدوية والمناجل وحتى الأيدي، في غياب تام للمعدات الثقيلة.

وأوضح التقرير أن الدفاع المدني الفلسطيني قدّم مرارًا طلبات إلى إسرائيل للسماح بإدخال الحفارات والجرافات لتسهيل عملهم، لكن لم يرد أي جواب حتى الآن.

ونقلت الغارديان عن الدكتور محمد المغيّر، مدير الدعم الإنساني والتعاون الدولي في الدفاع المدني، قوله: “لقد شاهد العالم كله المعدات التي جُلبت لانتشال جثث الرهائن الإسرائيليين بما في ذلك الجرافات والحفارات، ونحن أيضًا بحاجة إلى المعدات نفسها لانتشال جثثنا”.

وتشير تقديرات وزارة الصحة والدفاع المدني في غزة إلى أن نحو 10 آلاف شخص ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض، فيما يرى بعض الخبراء أن العدد قد يصل إلى 14 ألفًا.

وبحسب التقرير، فقد تم انتشال 472 جثة خلال أول 16 يومًا من الهدنة ونُقلت إلى المشارح لتحديد الهوية، من دون احتساب 195 جثة أعادتها إسرائيل ضمن اتفاق وقف إطلاق النار.

ويؤكد مسؤولو الدفاع المدني أنه حتى لو سُمح بإدخال المعدات الثقيلة اليوم، فإن انتشال معظم الجثث سيستغرق تسعة أشهر على الأقل.

وتقتصر الجهود الحالية على المنازل الصغيرة والمباني المكونة من طابق أو طابقين، إذ يستطيع المنقذون الوصول إلى الجثث باستخدام الأدوات البدائية المتاحة، بينما تبقى الأبراج العالية مدفونة بالكامل.

عائلات تبحث وسط الركام

يضيف التقرير أن مئات العائلات الفلسطينية تصطف يوميًا أمام المستشفيات ومكاتب وزارة الصحة والدفاع المدني بحثًا عن ذويها المفقودين.

وقال المغيّر للغارديان إن مقر الدفاع المدني في مدينة غزة وحده يستقبل أكثر من 30 عائلة يوميًا تطلب المساعدة في العثور على أحبائها.

الفقدان الغامض ومعاناة الأحياء

توضح الغارديان أن تحديد هوية الضحايا لا يهدف فقط إلى حفظ كرامة الموتى، بل هو ضروري أيضًا للحفاظ على الصحة النفسية للأحياء.

ويصف علماء النفس حالة ذوي المفقودين بأنها “فقدان غامض” يؤدي إلى الاكتئاب والاضطراب النفسي وفقدان الهوية وهي حالة باتت شائعة في غزة.

ويشير التقرير إلى أن المستشفيات القليلة المتبقية في القطاع تفتقر إلى معدات تحليل الحمض النووي الضرورية للتعرف على الجثث، في حين تمنع إسرائيل دخول المواد اللازمة لذلك.

وبسبب هذا النقص، وبفعل تحلل كثير من الجثث، يواجه الأطباء الشرعيون صعوبات كبيرة في تحديد الهوية.

وفي إطار الهدنة التي رعتها الولايات المتحدة، أعادت إسرائيل إلى غزة 195 جثة فلسطينية. وذكرت الصحيفة أن عددًا من الجثث المعادة كانت مكبّلة الأيدي والأقدام أو معصوبة الأعين وتحمل آثار طلقات نارية.

وحتى الآن تم التعرف على عشرات الجثث، فيما لا يزال 54 فلسطينيًا مجهولي الهوية دُفنوا هذا الشهر.

جبال الركام وخطر الموت المتجدد

ينقل التقرير عن جاكو سيلييرز، الممثل الخاص لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للمساعدة في الأراضي الفلسطينية، أن المرحلة الأولى من العمل تركز على فتح الطرق وإتاحة الوصول إلى المستشفيات والمدارس، موضحًا: “لو بنيت جدارًا بارتفاع 12 مترًا حول سنترال بارك في نيويورك وملأته بالركام، فذلك يعادل كمية الأنقاض التي يجب إزالتها في غزة”.

ووفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن إزالة الركام بالكامل ستستغرق سبع سنوات باستخدام 105 شاحنات تعمل يوميًا، في وقت تضررت فيه 77 في المئة من شبكة الطرق في القطاع.

وحذرت مجموعة الأمم المتحدة لإدارة الركام من وجود مخلفات خطيرة مثل الذخائر غير المنفجرة والأسبستوس السام.

ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، سجّلت خدمة الأمم المتحدة لإزالة الألغام (UNMAS) 147 حادثًا متصلًا بالذخائر داخل الركام، أسفرت عن 52 وفاة ومئات الإصابات.

وقال لوك إيرفينغ، رئيس برنامج نزع الألغام في الأمم المتحدة، إن “الخطر الآن يتمثل في أن الناس سيعودون إلى منازلهم فور الهدنة، وحين يبدأون بإزالة الركام، سيصطدمون حتمًا بذخائر غير منفجرة في المناطق التي شهدت قتالًا عنيفًا”.

ما بين الأنقاض والأمل

تختم الغارديان تقريرها بالقول إن أي أمل في عملية شاملة لإزالة الركام أو لعودة الحياة الطبيعية في غزة يتلاشى مع استمرار الضربات الإسرائيلية.

ويصف التقرير مشهد القطاع بأنه فسيفساء من الهياكل الخرسانية المدمرة والجدران المحطمة والطرقات المقطوعة، حيث لم يعد السؤال ما الذي قد يسقط بعد، بل ما الذي يمكن أن يقف من جديد.

شاركها.
اترك تعليقاً