نشرت الكاتبة الإنجليزية الكندية الشهيرة مارغريت آتوود، يوم الخميس، كتاب سيرة ذاتية طال انتظاره، تنقل فيه القراء إلى عوالمها المتعددة: من طفولتها غير التقليدية في الغابات الكندية، إلى نشاطاتها النسوية، وتغوص بعمق في كواليس النجاح الباهر الذي حققته روايتها الأيقونية “ذي هاندمايدز تايل” (حكاية الجارية). هذا الكتاب، الذي يحمل عنوان “كتاب الحيوات” (The Book of Lives)، يعد إضافة مهمة إلى مسيرة آتوود الأدبية، التي تشمل حوالي 50 عملًا بين رواية ومقالة وديوان شعري.
## حياة غير تقليدية في الغابات الكندية
تفتتح آتوود (86 عامًا) كتابها بعبارة شعرية عميقة: “أسافر عبر الزمن، وعندما أكتب يسافر الزمن من خلالي”. هذه العبارة تعكس عمق تجربتها الأدبية والشخصية، التي تتشابك فيها الذكريات والخيال. في المقدمة، تُعلن آتوود أن ذاكرتها قد تخونها أحيانًا، قائلة: “قد تكون الذكريات دقيقة لكنها خيالية”، مما يعكس أن ما تقدمه ليس استرجاعًا موضوعيًا بحتًا، بل شهادة تتراكب فيها الذاكرة والنص والخيال. تُروي آتوود، المولودة في أوتاوا يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1939، قصصًا من طفولتها غير التقليدية كابنة لرجل متخصص في علم الحشرات. تمتعت بقدر كبير من الحرية وهي تكبر في كوخ وسط غابة في أونتاريو، حيث تقول: “عشتُ نصف الأعمار في الشمال، في كوخٍ بدون كهرباء أو هاتف”. هذه النشأة الاستثنائية حفّزت مخيلتها وشغفها بالقصص، فكتبت أولى حكاياتها الخيالية في سن السادسة، مفتونةً بقصص الأخوين غريم.
### تأثير البيئة على أسلوبها الروائي
تكشف آتوود في فصول متعددة عن العلاقة العميقة بين تجربتها البيئية الصامتة وذلك العالم الداخلي المعقد، وبين أسلوبها الروائي. تشرح كيف أن “الصمت الذي يلفّ الغابة هو نفس الضجيج الذي أشعر به عندما أكتب: أصواتٌ خافتة، رياحٌ بين الأشجار، حشراتٌ لا تُرى، ومع ذلك تحيّر”. هذه اللحظة تربط ببراعة بين البيولوجيا والشعر والكتابة، وتُذكّر بأن الأدب عندها ليس قراراً منزلياً منعزلاً، بل هو ميدان بحث مستمر عن الذات والعالم. علاوة على ذلك، تُظهر آتوود كيف أن نشأتها في بيئة طبيعية غير مألوفة قد أثرت بشكل كبير على أسلوبها في الكتابة، حيث كانت الطبيعة مصدر إلهام لها.
## مسيرة أدبية حافلة بالإنجازات
يضم كتاب “كتاب الحيوات” حوالي 600 صفحة تروي تفاصيل حياة غنية أنجزت خلالها آتوود ما يقرب من 50 عملًا بين رواية ومقالة وديوان شعري. وقد تُرجمت أعمالها إلى لغات عدة، وحازت مكافآت أدبية مرموقة من بينها جائزة بوكر البريطانية. في هذا الكتاب، تروي آتوود بحنين بالغ قصصًا من طفولتها، وتكشف عن العلاقة العميقة بين تجربتها البيئية وأسلوبها الروائي. كما تخصص حيزًا لروايتها الأشهر “حكاية الجارية” التي نُشرت عام 1985، ويُنظر إليها اليوم كقصة استشرافية، خصوصًا بعد أن أصبحت ظاهرة عالمية إثر تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني ناجح عام 2017.
### “حكاية الجارية”: رواية استشرافية
“حكاية الجارية” تُصوّر أميركا وقد تحولت إلى دكتاتورية دينية أبوية حيث تعيش النساء تحت نير الاستعباد الجنسي خدمة لعائلات تعاني العقم. وقد استفادت آتوود من نجاحاتها الأدبية وشاركت في مناسبات كثيرة بالنقاشات العامة في بلدها والبلدان الناطقة بالإنجليزية. الرواية تُعد واحدة من أشهر أعمال آتوود، وقد لاقت استحسانًا كبيرًا من النقاد والقراء على حد سواء.
## ردود الفعل على “كتاب الحيوات”
قوبلت المذكرات باحتفاء كبير، ووصفتها “ذا غارديان” البريطانية بأنها “أقلّ من سيرة تقليدية وأكثر بروح السيرة الذاتية الكاملة.. 85 عاماً من العمر في مجمَل واحد، تُروى بنكتة وبدون تزويق”. ومع ذلك، يرى بعض المراجعين أن المذكرات تمثل اختيارًا واعيًا من جانب الكاتبة لتقديم نسخة مقبولة لجمهور واسع، بدلاً من فضح كل التفاصيل الخفية. في ختام سيرتها الذاتية، تُعرب آتوود عن قلقها العميق من أن “عصر التفاؤل” الذي عرفته قد شارف على الانتهاء “لأن الاستبداد آخذ في الازدياد، حتى جنوب الحدود الكندية” في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة.
### نقد وتأملات حول السيرة الذاتية
بعض المراجعات أشارت إلى أن الكتاب “يكشف أكثر من شخص واحد، وليس كلّها في سلام تام مع بعضها البعض، لكنها تُركّبها في سرد يمتاز بالحيوية”. هذا يؤكد أن التداخل بين “الأنا المتعددة” داخل النص يبقى اختيارًا فنيًا، وليس بالضرورة شفافية مطلقة. ورغم هذا، يظل الكتاب إضافة مهمة إلى مسيرة آتوود الأدبية، ويُعد شهادة على حياة غنية بالتجربة والإبداع. من خلال كتابها، تُقدم آتوود للقارئ رحلة عبر عوالمها المتعددة، مما يجعل “كتاب الحيوات” عملًا يستحق القراءة والتدبر.















