حياة بابكر بدري: سيرة ذاتية غنية بأحداث السودان في القرن التاسع عشر

“أصدق التاريخ ما كُتب في زمانه وصدق فيه كاتبه وصدّقه معاصروه فيما روى”، بهذه العبارة صدّر بابكر بدري مذكراته التي أودعها بين دفتي كتابه “حياتي”. هذا السِفر لا يسجل يوميات فرد فحسب، بل هو تأريخ لشمال السودان في تلك الفترة، ورسم دقيق لطبوغرافيته الثقافية والاجتماعية والسياسية.

نشأة بابكر بدري وتأثيراتها في حياته

وُلد بابكر بدري في عام 1861 أو 1864 في منزل متواضع على نهر عطبرة. انتقل وهو صغير إلى رفاعة حيث درس في الخلاوي وحفظ القرآن في سبع سنوات على يد الشيخ أحمد حامد الكراس. كانت والدته تلعب دورًا محوريًا في تشكيل شخصيته، فقد كانت “صماء العقيدة” في إيمانها بالمهدية، وهي التي دفعته ليكون جنديا مجاهدا في صفوف المهدية.

مشاركته في الثورة المهدية وتأثيرها عليه

شارك بابكر بدري في الثورة المهدية ولبس الجبة المرقعة، وكان يتعرض للرصاص طلبًا للشهادة. هاجر إلى المهدي الذي كان يحاصر الخرطوم، وشارك في حملة ود النجومي لفتح مصر. بعد وفاة المهدي، شارك في حملة توشكي التي انتهت بالهزيمة والأسر في مصر ثم العودة إلى السودان.

تعامله مع الاحتلال البريطاني

بعد عودته إلى السودان، تعامل بابكر بدري مع الاحتلال البريطاني بتعقيد. كان يرى أن الحكم البريطاني يحمل جوانب إيجابية، فعندما سُئل عن رضا الناس في الجزيرة بعد وصول السكة الحديد إلى سنار، أجاب بحيرة بين الطبيعة التي تأمره بمحبة الإنجليز والشريعة التي تنهاه عن ذلك. في موقف آخر، أثنى على الحكومة البريطانية لتصرفها في منع مجاعة طاحنة في عام 1914.

دوره في تعليم البنات وتطوير التعليم في السودان

أسس بابكر بدري أول مدرسة للبنات في رفاعة عام 1907، وبدأها ببناته تشجيعًا للآخرين. اقترح على المستر كروفوت فتح الخلاوي النظامية في البوادي لتعليم أولادهم، ونُفذ المقترح لاحقًا. تدرج في مناصب التعليم حتى أصبح مفتشًا للمعارف، وكان له دور بارز في تطوير التعليم في السودان.

مواقفه من القضايا الاجتماعية والسياسية

عارض بابكر بدري بعض السياسات التي رأى أنها تعيق تطور المرأة، ووقف ضد عادات موروثة مثل بقاء المرأة مع عائلة أمها بعد الزواج. كان يؤمن بأن تعليم البنات سيحفز الشباب على الزواج من بنات بلدهم. كما كان يوصي طلاب قسم المعلمين والقضاة بكلية غوردون بتجنب العمل السياسي المناهض للإدارة الاستعمارية، مع التركيز على طلب العلم.

إرث بابكر بدري وتأثيره على المجتمع السوداني

ترك بابكر بدري إرثًا كبيرًا في مجال التعليم، خاصة تعليم البنات. كان رجلاً موهوبًا وذا حساسية عالية تجاه الأطفال والنساء. جمع بين نضال السيف في صفوف المهدية ونضال القلم في معركة التعليم. كانت له آراء متزنة في التعامل مع الاحتلال البريطاني، وآمن بأن إصلاح المجتمع يبدأ من العقل.

في الختام، تُعد سيرة بابكر بدري نموذجًا يحتذى به في الإصلاح والتعليم، وتجسد رؤيته المتزنة للتعامل مع التحديات التي واجهت السودان في تلك الفترة. نتمنى أن تكون هذه السيرة قد قدمت لكم معلومات قيّمة حول حياة هذا الرجل العظيم وتأثيره في المجتمع السوداني. يمكنكم مشاركتنا آراءكم حول دور شخصيات مثل بابكر بدري في تشكيل تاريخ وثقافة السودان.

شاركها.
اترك تعليقاً