في تطور مثير للجدل، تواجه الحكومة السلوفينية عاصفة من الانتقادات بسبب إقرار قانون جديد يمنح الشرطة سلطات واسعة النطاق في المناطق التي تعتبر “عالية الخطورة”. هذا القانون، الذي يُعرف بـ “قانون شوتار”، أثار مخاوف كبيرة بشأن حقوق الإنسان والتمييز، خاصةً في ما يتعلق بجماعة الروما. وتعتبر هذه القضية، التي ألهبت المشاعر العامة، من القضايا الهامة التي تتطلب فهمًا شاملاً، خاصةً في ظل اقتراب الانتخابات السلوفينية و تأثيرها المحتمل على مستقبل البلاد.

خلفية قانون “شوتار” والأحداث التي سبقت إقراره

جاء إقرار هذا القانون بعد حادثة مأساوية شهدتها مدينة نوفو ميستو، حيث قُتل شاب يدعى أليش شوتار في شجار مع شاب من الروما يبلغ من العمر 21 عامًا. أثارت هذه الحادثة موجة غضب واحتجاجات شعبية واسعة، وطالب العديد بتصعيد الإجراءات الأمنية. استقالت على إثر ذلك وزيرة الداخلية ووزيرة العدل، مما زاد من الضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات سريعة.

النتيجة كانت “قانون الإجراءات العاجلة لضمان الأمن العام”، الملقب بـ “قانون شوتار”، والذي يهدف ظاهريًا إلى تعزيز الأمن العام، ولكنه يثير تساؤلات حول مدى توافقه مع مبادئ حقوق الإنسان. ويثير هذا القانون جدلاً واسعًا في أوساط المجتمع المدني و المنظمات الحقوقية.

تفاصيل القانون الجديد وصلاحيات الشرطة الموسعة

يتضمن القانون الجديد صلاحيات واسعة للشرطة في المناطق المصنفة على أنها “مناطق عالية الخطورة”. تسمح هذه الصلاحيات للشرطة بدخول الممتلكات الخاصة ووسائل النقل دون الحصول على أمر قضائي، وذلك بهدف “المصادرة الفورية للأسلحة” إذا اعتبرت ضرورية.

بالإضافة إلى ذلك، يسمح القانون باستخدام الوسائل التقنية للمراقبة، مثل الطائرات المسيّرة والتصوير والتسجيل، وحتى التعرف على لوحات المركبات، في حال وجود تهديد لحياة أو ممتلكات الأفراد. ويُترك لتقدير المدير العام للشرطة أو مديري الإدارات الأمنية تحديد “المناطق عالية الخطورة” بناءً على تقييم رسمي. هذا الجانب يثير قلقاً بشأن الشفافية وإمكانية سوء الاستخدام.

انتقادات حقوقية ومخاوف من التمييز ضد الروما

أثار القانون انتقادات حادة من قبل منظمات حقوق الإنسان والناشطين، الذين يرون فيه تمييزًا ممنهجًا ضد جماعة الروما. نائب رئيس “مؤسسة روما لأوروبا”، منصور حليتي، وصف القانون بأنه يعكس “تمييزًا ممنهجًا” ضد الروما، وأنّه يحول أحياءهم إلى “مناطق أمنية” ويضع سكانها تحت المراقبة المستمرة.

وأشار حليتي إلى أن القانون يعامل أقلية بأكملها كتهديد أمني، وهو ما يُنظر إليه على أنه تراجع خطير في قيم الديمقراطية وسيادة القانون في سلوفينيا. كما دعا المفوضية الأوروبية إلى التدخل و فحص القانون للتأكد من مطابقته لمعايير الاتحاد الأوروبي، مشددًا على أن تجاهل هذه الانتهاكات الداخلية قد يضعف قدرة أوروبا على الدفاع عن مبادئها في الخارج. مظاهر التمييز ضد الروما في سلوفينيا ليست جديدة، و هذا القانون يفاقم هذه المشكلة.

ردود الفعل السياسية والانقسام المجتمعي

شهدت الساحة السياسية السلوفينية انقسامًا حادًا حول القانون الجديد. قاطع ائتلاف يساري جلسات البرلمان احتجاجًا على القانون، واصفًا إياه بأنه “قمعي” و انتهاك للحريات المدنية. ومع ذلك، أظهرت استطلاعات الرأي دعمًا شعبيًا ملحوظًا للقانون، حيث اعتبر أكثر من 60% من المستطلعين في استطلاع أجرته هيئة الإذاعة السلوفينية أن استجابة الحكومة للحادث كانت “مناسبة”.

هذا الدعم الشعبي، بالإضافة إلى السياق السياسي المحيط بـ الانتخابات السلوفينية القادمة في مارس/آذار المقبل، ساهم في تمرير القانون. يواجه حزب رئيس الوزراء روبرت غولوب، الذي ينتمي إلى تيار الوسط اليساري، احتمال خسارة السلطة لصالح حزب “الديمقراطي السلوفيني” اليميني القومي بقيادة رئيس الوزراء السابق يانِز يانشا. يعتقد الكثيرون أن الحكومة الحالية استغلت الحادثة لتعزيز موقفها الأمني ​​قبل الانتخابات.

الآثار المحتملة و مستقبل الحقوق المدنية في سلوفينيا

يثير القانون الجديد تساؤلات حول مستقبل الحقوق المدنية والحريات الفردية في سلوفينيا. يخشى الكثيرون من أن هذه الصلاحيات الواسعة للشرطة قد تؤدي إلى تجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان، خاصةً في ما يتعلق بالتفتيش والمراقبة.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي القانون إلى تفاقم التوتر العرقي والاجتماعي في البلاد، وزيادة التمييز ضد الروما. من الضروري مراقبة تنفيذ القانون عن كثب، والتأكد من أنه لا يُستخدم لاستهداف أو قمع أي مجموعة عرقية أو اجتماعية.

وفي الخلاصة، يمثل “قانون شوتار” نقطة تحول في المشهد السياسي والحقوقي في سلوفينيا. وبينما تهدف الحكومة إلى تعزيز الأمن العام، إلا أنها تواجه اتهامات بالتمييز و الانتهاك للحريات الأساسية. ويبقى السؤال الرئيسي: هل ستتمكن سلوفينيا من الموازنة بين الأمن والحريات، أم أنها ستنزلق نحو المزيد من القيود و التمييز؟ يجب على الاتحاد الأوروبي و المنظمات الحقوقية أن تلعب دورًا فعالًا في مراقبة الوضع و الضغط على الحكومة السلوفينية لضمان احترام حقوق الإنسان و سيادة القانون. هذا الأمر يتطلب أيضًا حوارًا مجتمعيًا بناءً لمعالجة أسباب الجريمة و التمييز و بناء الثقة بين جميع مكونات المجتمع السلوفيني.

شاركها.
اترك تعليقاً