يشكل مستقبل العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، وتحديدًا موقف الجيل الشاب الأمريكي، مصدر قلق متزايد في إسرائيل. لم يهدأ هذا القلق مع انتهاء الأحداث في غزة، بل تفاقم باستمرار، كما كشف مقال نشر في موقع واي نت العبري. يشير هذا التحول في الرأي العام إلى تحدٍ أعمق يتعلق بتشكيل الوعي لدى جيل جديد، وهو ما يستدعي فهمًا دقيقًا وتحركًا استراتيجيًا. يركز هذا المقال على تحليل أسباب هذا التوجّه المتزايد، والتأثيرات المحتملة على دعم أمريكا لإسرائيل.
تزايد القلق الإسرائيلي من موقف الشباب الأمريكي
أثار مقال الخبير في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، كوبي باردا، اهتمامًا واسعًا بتأكيده أن القلق الإسرائيلي من تراجع دعم أمريكا لإسرائيل في أوساط الشباب ليس مجرد رد فعل عابر للأحداث الجارية. بل هو نتيجة عملية تراكمية تهدف إلى غرس قيم معينة لدى جيل كامل، تركز على قضايا الهوية والعدالة الاجتماعية.
المثير للدهشة، هو التغريدة التي نشرها نالين هايلي، نجل السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة والمرشحة للرئاسة، والتي جاء فيها: “إسرائيل مجرد دولة أخرى. عليكم أن تتوقفوا عن التدخل في السياسة الأمريكية إذا كنتم تريدون فعلاً الحفاظ على علاقتنا.” هذا الخطاب، الصادر من شخص مقرب من أحد أقوى حلفاء إسرائيل في الولايات المتحدة، يعكس مدى انتشار هذه المشاعر بين الشباب.
التحالفات غير التقليدية وتأطير القضية الفلسطينية
يعزو باردا هذا التحول إلى تشكيل تحالف غير مسبوق في الجامعات الأمريكية بين حركات يسارية راديكالية، والتي غالبًا ما تتبنى مواقف مناهضة للرأسمالية والعنصرية، وتيارات إسلامية قريبة من جماعة الإخوان المسلمين. هذا التحالف، على حد قوله، يعمل على تأطير القضية الفلسطينية كرمز للظلم والاضطهاد، مستغلاً حساسية قضايا العدالة الاجتماعية لدى الشباب.
يستخدم هذا التحالف، بحسب المقال، ما يُعرف بـ “معاداة السامية” كأداة لتأجيج الانقسامات الداخلية في المجتمع الأمريكي، من خلال خلق شعور بالذنب التاريخي لدى الشباب البيض، مما يدفعهم للتعاطف مع من يرونهم كضحايا. ونتيجة لذلك، أصبحت إسرائيل هدفًا مركزيًا لهذه المشاعر السلبية.
مراحل “التطرف الطلابي” في الجامعات الأمريكية
يناقش المقال أربع مراحل رئيسية يصفها بأنها تشكل مسارًا نحو ما يسميه “التطرف الطلابي” فيما يتعلق بالقضية الإسرائيلية الفلسطينية:
التعبئة المبكرة في المدارس
تبدأ هذه العملية في المدارس من خلال ربط القضية الفلسطينية بقضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، غالبًا دون تقديم صورة متوازنة للأحداث والتاريخ.
كسر قواعد الحوار في الجامعات
تتضمن هذه المرحلة شرعنة الشعارات والمواقف المعارضة لإسرائيل في المناقشات الجامعية، وتصوير أي نقد للقضية الفلسطينية على أنه دعم للظلم والاضطهاد.
التجاوزات السلوكية ضد الطلاب اليهود والإسرائيليين
تتجسد هذه المرحلة في الاعتداءات اللفظية والتحرش بالطلاب اليهود والإسرائيليين، وتهميشهم في الأنشطة الجامعية.
تجاوز القانون واحتلال الجامعات
تصل هذه المرحلة إلى ذروتها باحتلال الطلاب لمبانٍ جامعية، وتعطيل سير الدراسة، والاستعداد للاعتقال، مما يشكل تحديًا مباشرًا للسلطات والقوانين.
دور التمويل وغياب التأثير الفكري الإسرائيلي
يرى الكاتب أن هذا التوجّه لا يقتصر على اليسار فحسب، بل يمتد أيضًا إلى اليمين الأمريكي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى دور التمويل في عدد من الجامعات، مما يسمح لجهات معينة بتوجيه الخطاب الأكاديمي.
يُلقي المقال الضوء أيضًا على غياب إسرائيل عن ساحة التأثير الفكري والجامعي، أو ضعف حضورها، مما ساهم في هذا التحول في الرأي العام، وأعطى مساحة أكبر للجهات التي تتبنى مواقف معارضة. هذا الغياب يترك فراغًا يمكن أن يتم ملؤه بسهولة بمعلومات مضللة أو أحادية الجانب.
ضرورة التحرك الاستراتيجي لتعزيز دعم أمريكا لإسرائيل
يخلص الكاتب إلى أن المعركة على وعي الشباب الأمريكي أصبحت عنصرًا حاسمًا في مكانة إسرائيل الدولية، وأن التعامل معها بات ضروريًا وعاجلاً قبل أن يتجذر هذا التحول ويصبح من الصعب عكسه. ويشدد على أهمية مواجهة منظمة ومدروسة، من خلال دعم المبادرات الخاصة التي تعمل حاليًا في هذا المجال، بهدف تقديم صورة أكثر واقعية وتوازناً للقضية الإسرائيلية الفلسطينية، وتعزيز العلاقات بين إسرائيل وأمريكا على أساس الحقائق والتفاهم المتبادل. كما يؤكد على أهمية تعزيز الحضور الفكري والثقافي الإسرائيلي في الجامعات الأمريكية، لتقديم وجهة نظر إسرائيلية قوية ومؤثرة. هذا الجيل سيكون صانع القرار في المستقبل، وعليه فإن التأثير عليهم الآن يمثل استثمارًا استراتيجيًا في أمن إسرائيل واستقرار دعم أمريكا لإسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، يجب العمل على بناء جسور التواصل مع الشباب الأمريكي، من خلال الحوار المباشر والتبادل الثقافي، لمنحهم فرصة للتعرف على إسرائيل من الداخل، وتكوين رأيهم الخاص بناءً على التجربة والمعرفة. هذه الجهود المتكاملة ستساهم في الحفاظ على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية القوية، وتعزيزها في المستقبل.















