تجسيدُ الهويةِ الفلسطينيةِ على القماش: قصةُ الفنانةِ ميرا غنيم
تُعدّ اللوحات الفنية وسيلةً قويةً للتعبير عن المشاعر والذكريات والهوية، وهذا ما تجسّده الفنانة الشابة ميرا غنيم، ابنة بلدة الخضر في محافظة بيت لحم، بأعمالها التي تنبض بالأمل والصمود. تحوّل ميرا، الطالبة في دائرة الفنون الجميلة بجامعة القدس، حجرات منزلها إلى مرسمٍ فريد، حيث تُعيد رسم الحكاية الفلسطينية بفرشاةٍ لا تعرف الانكسار. ولم تقتصر موهبتها على حدود فلسطين، بل حققت إنجازاتً لافتة على مستوى الجامعات العربية، تاركة بصمةً مميزة في عالم الفن التشكيلي.
من الخضر إلى العالمية: مسيرة فنية واعدة
ولدت ميرا غنيم في بيت لحم عام 2005، ونشأت في بلدة الخضر، حيث تلقت تعليمها الأساسي والثانوي. منذ الطفولة، أبدت ميرا شغفًا بالرسم، وكان لعّمها مأمون غنيم دور محوري في صقل موهبتها، حيث شجّعها على الالتحاق بدورات فنية، وبدأت رحلتها بالرسم بالفحم والرصاص. ومع تطور مهاراتها، انتقلت ميرا إلى استخدام ألوان “الغواش” و”الأكريليك”، قبل أن تستقر على الألوان الزيتية التي وجدت فيها التعبير الأمثل عن رؤيتها الفنية.
اكتشاف الموهبة وتطورها
لم يكن الرسم مجرد هواية لميرا، بل كان عالمًا خاصًا تجد فيه نفسها وتعبر عن كل ما يختلج في صدرها. تقول ميرا: “كنت أقضي معظم وقتي في الرسم منذ نعومة أظفاري. كان الرسم وسيلتي للتواصل مع العالم والتعبير عن مشاعري.” وتضيف: “عمي مأمون كان دائمًا يشجعني ويوجهني، وقد ساهم بشكل كبير في تطوير مهاراتي الفنية.”
القدس في القلب واللوحات: رمزية الحضور
تُمثل القدس محورًا رئيسيًا في أعمال ميرا الفنية. على الرغم من الحرمان القسري من زيارة المدينة المقدسة، إلا أنها حاضرة بقوة في لوحاتها، سواء من خلال قبة الصخرة المشرفة أو من خلال رموز أخرى مرتبطة بالقدس. تعبر ميرا عن هذا الارتباط العميق بالقول: “أنا محرومة من زيارة القدس، ولكنها تعيش في قلبي وفي خيالي. قبة الصخرة المشرفة تحديدًا، لطالما سرقت قلبي بنقوشها وزخارفها.”
رموز فلسطينية في أعمالها الفنية
لا تقتصر لوحات ميرا على قبة الصخرة، بل تضم العديد من الرموز الفلسطينية الأخرى، مثل شجرة الزيتون وخريطتها وتراثها، وطائر الحمام الذي يرمز للسلام، بالإضافة إلى مفتاح العودة الذي يجسد حق العودة للفلسطينيين إلى ديارهم. كما أن العناصر المرتبطة بالاحتلال، مثل الأسلاك الشائكة والجدار العازل، تحضر أيضًا في لوحاتها، ولكنها تعكس الألم والمعاناة في فضاءً فنيٍ يعبر عن الواقع.
إشراقات فنية وإنجازات متتالية
حققت ميرا غنيم العديد من الإنجازات الفنية في فترة قصيرة. فازت بالمركز الثالث في مسابقة “إشراقات فنية” التي نظمتها الجامعة القاسمية في الشارقة، وذلك عن لوحتها الزيتية التي استوحت زخارفها من مصليات المسجد الأقصى ونوافذه الجصية. وعادت ميرا لتحقق إنجازًا محليًا آخر، حيث فازت بالمركز الرابع في مسابقة “باقون كجذور الزيتون” عن لوحة دمجت فيها العديد من الرموز الفلسطينية، وعلى رأسها شجرة الزيتون وقبة الصخرة. وتعتبر هذه المسابقة منصة مهمة لدعم المواهب الشابة في مجال الفن.
لوحة “الوطن بين يديّ”: مزيج من الواقعية والسريالية
تواصل ميرا العمل على تطوير فنها وتقديم أعمال جديدة تعبر عن هويتها وقضيتها. حاليًا، تعمل على لوحة جديدة بعنوان “الوطن بين يديّ”، والتي تجمع بين الفن الواقعي والفن السريالي. تصوّر اللوحة مسنة ترتدي الكوفية الفلسطينية وتحمل مصلى قبة الصخرة المشرفة، لتعكس الصمود والأمل في مستقبل أفضل.
صوت الحرية يتردد في فرشاتها
تؤمن ميرا بقوة الفن في التعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية. تقول: “الفنان لا يحتاج إلى كتابة الكثير ليعبر عن مشاعره، يكفيه أن يفرغ ما في قلبه على القماش.” وتستلهم ميرا الإلهام من أغاني الحرية والأمل، مثل أغنية “بتنفس حريّة” لجوليا بطرس. “صوت الحرية يبقى أعلى من كل الأصوات، مهما تعصف ريح الظلم.” تعكس هذه الكلمات فلسفة ميرا في الحياة والفن.
في الختام، تُعد ميرا غنيم مثالًا للجيل الشاب الفلسطيني الذي يسعى إلى التعبير عن هويته وقضيته من خلال الفن. فمن خلال لوحاتها الفنية، تحمل ميرا رسالة أمل وصمود للعالم، وتجسد بذلك قوة الإرادة الفلسطينية في مواجهة التحديات. ندعوكم لمتابعة أعمال هذه الفنانة الواعدة وتشجيعها على مواصلة مسيرتها الفنية المتميزة، ومشاركة هذه القصة الملهمة مع الآخرين.
Keywords: اللوحات الفنية, الفن التشكيلي, المواهب الشابة, الفن الواقعي















