لبنان: نحو استعادة الثقة وجذب الاستثمار – رؤية الرئيس عون

في خضم التحديات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها لبنان، أطلق الرئيس ميشال عون دعوة واضحة للاستثمار والثقة، مؤكداً أن لبنان لا يسعى إلى التعاطف بل إلى شراكات حقيقية تساهم في نهضته. هذا النداء جاء خلال افتتاح مؤتمر “بيروت 1” الذي يهدف إلى إعادة تحفيز الاستثمار في لبنان، وسط مشاركة واسعة من المستثمرين والجهات المعنية من مختلف أنحاء العالم. المؤتمر، الذي بدأ الثلاثاء، يُشكل نقطة تحول مُنتظرة للاقتصاد اللبناني الذي يعاني من أزمة حادة.

مؤتمر “بيروت 1”: منصة لإطلاق الإصلاحات الاقتصادية

مؤتمر “بيروت 1” لم يكن مجرد تجمع للمستثمرين، بل منصة رسمية لإعلان لبنان عن استعداده الكامل للدخول في مرحلة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية. أكد الرئيس عون، بحضور أكثر من 900 مشارك و 150 مستثمرا، على أن الهدف الأساسي هو استعادة دور لبنان كلاعب اقتصادي وثقافي حيوي في المنطقة، وكمحطة وصل هامة بين الشرق والغرب.

شعار “الثقة المستعادة” ورسالته للمستثمرين

الشعار الذي وُضع للمؤتمر – “الثقة المستعادة” – يحمل في طياته رسالة عميقة وموجهة بشكل خاص إلى المستثمرين المحتملين. شدد الرئيس عون على أن هذه الثقة ليست مجرد وعد، بل هي نتيجة خطوات فعلية تتخذها الحكومة اللبنانية، بما في ذلك إقرار قوانين تعزز الشفافية والمساءلة، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة على أسس أكثر صلابة وكفاءة. هذه القوانين، كما أوضح الرئيس، تهدف إلى إعطاء الأولوية للكفاءة على المحسوبيات، وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء.

دعوة للثقة والشراكة: لبنان ليس في حاجة للصدقة

الخطاب الرئيسي للرئيس عون كان واضحاً ومباشراً: “لبنان لا يطلب تعاطفاً، بل ثقة، لا ينتظر صدقة، بل يقدم فرصة”. هذه الكلمات تعكس رؤية جديدة للتعامل مع المجتمع الدولي، ترتكز على الشراكة القائمة على المصالح المتبادلة، وليس على المساعدات الإنسانية. ورأى أن حضور المستثمرين والوفود هو استثمار حقيقي في الاستقرار في لبنان، وفي مستقبل الأجيال الشابة، وفي إمكانية بناء اقتصاد أكثر ازدهاراً واستدامة.

إصلاحات هيكلية وتعزيز الأمن: ركيزتان أساسيتان لجذب الاستثمار

لم يقتصر خطاب الرئيس عون على الوعود والشعارات، بل تطرق إلى الإجراءات الملموسة التي تتخذها الحكومة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتعزيز مناخ الأعمال. من بين هذه الإجراءات تفعيل هيئات الرقابة والمحاسبة لضمان حماية أموال المستثمرين والمواطنين على حد سواء.

علاوة على ذلك، أكد الرئيس عون على أهمية تثبيت الأمن الداخلي، مشيراً إلى أن المستثمر يبحث عن بيئة مستقرة وآمنة لحماية استثماراته. وشدد على أن الأمن المرغوب ليس مجرد تهدئة مؤقتة، بل هو أمن دائم ومستدام يقوم على أسس قانونية واضحة. ولفت إلى أن عملية الإصلاح تواجه تحديات ومقاومة داخلية، إلا أن الحكومة عازمة على المضي قدماً في سبيل تحقيق التغيير المنشود.

عودة الوجوه العربية وفتح آفاق جديدة

كانت مشاركة الوفد السعودي في مؤتمر “بيروت 1” ذات رمزية خاصة، حيث اعتبرها الرئيس عون بمثابة “عودة مشتاقة” من الأشقاء. هذه المشاركة، الأولى من نوعها على هذا المستوى منذ فترة طويلة، تعكس تحسناً ملحوظاً في العلاقات بين لبنان والسعودية، وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري.

كما رحب الرئيس عون بوجود السفير الأمريكي ميشال عيسى، معتبراً ذلك لفتة مهمة من الإدارة الأمريكية تجاه لبنان، ومُعبراً عن شكره للدعم المستمر الذي تقدمه الولايات المتحدة.

نحو مستقبل أكثر إشراقاً: لبنان على مفترق طرق

في الختام، يمثل مؤتمر “بيروت 1” فرصة تاريخية للبنان لإعادة بناء اقتصاده واستعادة مكانته الإقليمية والدولية. النداء الذي وجهه الرئيس عون إلى المستثمرين، والذي يدعو إلى الثقة والشراكة بدلاً من التعاطف والصدقة، يعكس إيمانه بقدرة لبنان على النهوض من جديد. يبقى التحدي الأكبر في ترجمة هذه الوعود إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع، وفي إيجاد حلول جذرية للمشاكل الاقتصادية والسياسية التي تعيق التنمية المستدامة في لبنان. نجاح هذا المؤتمر، وبالتالي نجاح لبنان في استعادة ثقة المستثمرين، يعتمد على استمرار الإصلاحات وقدرة الدولة على توفير بيئة آمنة ومستقرة للأعمال. يبقى الأمل معقوداً على أن يكون هذا المؤتمر بداية لمرحلة جديدة من الازدهار والتقدم في لبنان.

شاركها.
اترك تعليقاً