في عالمٍ يعج بالتحديات والصراعات، يظل الفن، وخاصةً السينما، منارة أمل وقوة دافعة للتغيير الإيجابي. هذا ما أكده البابا لاوون الرابع عشر خلال لقائه التاريخي مع نخبة من نجوم وشخصيات عالم السينما في الفاتيكان، مؤكدًا على دور الفن السابع في إحياء الرجاء في ظل العنف والحروب. هذا اللقاء، الذي جرى في قاعة كليمنتينا بالقصر الرسولي، لم يكن مجرد تجمع فني، بل كان رسالة قوية حول أهمية الفن في بناء عالم أفضل.
البابا لاوون والسينما: رسالة رجاء في عالم مضطرب
استقبل البابا لاوون الرابع عشر أكثر من 100 شخصية سينمائية بارزة، من ممثلين ومخرجين ومنتجين، من بينهم أسماء لامعة مثل كايت بلانشيت، أليسون بري، وجود أباتاو، وفيغو مورتنسن. اللقاء لم يقتصر على التحية والتبادل الودي، بل شهد حوارًا عميقًا حول دور السينما في تعزيز القيم الإنسانية ومواجهة التحديات العالمية.
كايت بلانشيت، بعد انتهاء اللقاء، عبرت عن إعجابها الشديد بكلمات البابا، مؤكدةً على أهمية أن يستلهم وزراء الثقافة حول العالم من رؤيته التي تركز على الرأفة والتعلم من مشاكل العالم. كما شهد اللقاء حضورًا لافتًا من الممثلين الإيطاليين داريو أرجينتو، ماتيو غاروني، ومونيكا بيلوتشي.
هدية من سبايك لي للبابا: رمزية الرقم 14
من بين اللحظات المميزة في اللقاء، كانت هدية المخرج الأمريكي سبايك لي للبابا، وهي قميص فريق “نيويورك نيكس” لكرة السلة، مع كتابة اسم “لاوون” ورقم 14 على ظهره. لي أوضح أن اختيار الرقم 14 يرمز إلى البابا لاوون الرابع عشر، وأن الفريق يضم ثلاثة لاعبين من جامعة فيلانوفا، حيث درس البابا روبرت بريفوست سابقًا. هذه اللفتة تعكس العلاقة الوثيقة بين الفن والثقافة الرياضية، وكيف يمكن للرموز أن تحمل معاني أعمق.
السينما كـ “حجاج للخيال” و “رسل للإنسانية”
خلال كلمته المؤثرة، وصف البابا العاملين في مجال السينما بأنهم “حجاج للخيال” و “ساردون للرجاء، ورسل للإنسانية”. وأكد على أن السينما قادرة على إيقاظ الروح وتجديد النظرة إلى الحياة، وأنها تساعد المشاهد على رؤية العالم بعيون جديدة، واكتشاف الأمل الذي لا غنى عنه.
وأضاف البابا أن “إحدى أثمن إسهامات السينما تكمن تحديدًا في مساعدة المشاهد على العودة إلى ذاته، والنظر بعينين جديدتين إلى تعقيدات خبرته الخاصة، ورؤية العالم كما لو كانت المرة الأولى”. هذه الرؤية تؤكد على قوة السينما في إثارة التأمل الذاتي وتعزيز الوعي الإنساني.
أفلام الأمل: اختيارات البابا الشخصية
أعلن البابا عن قائمة بأفلامه المفضلة، والتي تتمحور بشكل كبير حول موضوع الأمل. تضمنت القائمة كلاسيكيات مثل “It’s a Wonderful Life” (حياة رائعة)، و “The Sound of Music” (صوت الموسيقى)، و “Ordinary People” (أناس عاديون)، بالإضافة إلى الفيلم الإيطالي المؤثر “Life Is Beautiful” (الحياة جميلة). اختيار هذه الأفلام يعكس رؤية البابا حول أهمية تقديم قصص ملهمة تبعث على التفاؤل والأمل في مواجهة صعوبات الحياة. هذه الأفلام، على الرغم من اختلافها في الأسلوب والموضوع، تشترك في قدرتها على لمس القلوب وإلهام المشاهدين.
استكشاف الإمكانات الإبداعية لرسالة الكنيسة
أشار الفاتيكان إلى أن هذا اللقاء يهدف إلى استكشاف “الإمكانات التي يوفرها الإبداع الفني لرسالة الكنيسة وتعزيز القيم الإنسانية”. ويأتي هذا في سياق جهود الكنيسة المتواصلة للتواصل مع العالم من خلال الفن والثقافة. الإنتاج السينمائي، بفضل قدرته على الوصول إلى جمهور واسع، يعتبر وسيلة فعالة لنشر القيم الإنسانية وتعزيز التفاهم بين الثقافات.
دعوة لمواجهة جراح العالم
شدد البابا على أهمية مواجهة جراح العالم من خلال السينما، مؤكدًا على أن العنف والفقر والنفي والوحدة والإدمان والحروب المنسية هي جروح تطالب بأن تُرى وتُروى. ودعا العاملين في مجال الفن السابع إلى عدم الخوف من مواجهة هذه القضايا الصعبة، بل إلى استكشافها بعمق وتقديمها بطريقة إنسانية ومؤثرة. كما أكد على أن “السينما العظيمة لا تستغل الألم، بل ترافقه وتستقصيه”. هذه الدعوة تمثل تحديًا للمبدعين لتقديم أعمال فنية ذات تأثير اجتماعي وإنساني عميق.
في الختام، يمثل لقاء البابا لاوون الرابع عشر مع نجوم السينما لحظة تاريخية تؤكد على أهمية الفن في بناء عالم أفضل. السينما، كما أكد البابا، ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي أداة قوية للتغيير الإيجابي وتعزيز الرجاء في عالم مضطرب. إن هذه الرسالة تدعو إلى مزيد من التعاون بين الفن والدين من أجل بناء مستقبل أكثر إشراقًا وإنسانية. ندعوكم لمشاركة هذا المقال مع أصدقائكم وعائلاتكم، والتعبير عن آرائكم حول دور السينما في حياتنا.















