وفقًا لدراسة حديثة نشرت في دورية “كومينيكيشنس إيرث أند إينفيرومينت”، اكتشف باحثون من جامعة برشلونة أول عينات من الكهرمان المحملة بالحشرات في أمريكا الجنوبية، مما يوفر نافذة فريدة على الحياة في العصر الطباشيري. يمثل هذا الاكتشاف، الذي يعود تاريخه إلى حوالي 112 مليون سنة، مصدرًا جديدًا بالغ الأهمية لفهم التنوع البيولوجي والأنظمة البيئية القديمة في قارة غندوانا.
تم العثور على هذه العينات النادرة في محجر جينوفيفا في الإكوادور، وتتضمن حشرات وحبوب لقاح محفوظة بشكل استثنائي داخل الراتنج المتحجر. يأتي هذا الاكتشاف في وقت كانت فيه المعرفة حول الحياة في نصف الكرة الجنوبي خلال هذه الفترة الجيولوجية محدودة، حيث كانت معظم الاكتشافات السابقة تتركز في نصف الكرة الشمالي. تُعد هذه النتائج بمثابة خطوة هامة نحو فهم شامل لتطور الحياة على الأرض.
نظام قديم محفوظ في الكهرمان
يحتوي الكهرمان المكتشف على ما لا يقل عن خمسة أنواع من الحشرات، بما في ذلك أنواع مختلفة من الذباب، وخنافس الفطريات، والدبابير، وذباب الكاديس. بالإضافة إلى ذلك، عثر الباحثون على دليل على نشاط العناكب، بما في ذلك قطعة من شبكة عنكبوتية محفوظة بشكل ملحوظ. تشير هذه الاكتشافات إلى وجود نظام بيئي غني ومتنوع في غابات الراتنج الرطبة في غندوانا الاستوائية.
تكوين الكهرمان وأهميته
الكهرمان هو راتنج الأشجار المتحجر، والذي يمكن أن يحفظ بقايا النباتات والحيوانات الصغيرة بشكل استثنائي. يُستخدم الراتنج في العديد من الصناعات، بما في ذلك إنتاج الورنيش والصمغ، كما أنه مصدر مهم للمواد الخام في الكيمياء العضوية. ومع ذلك، فإن أهمية الكهرمان تكمن في قدرته على توفير لمحة عن الحياة في الماضي البعيد.
الظروف البيئية في غندوانا
وفقًا للباحثين، فإن وجود كميات كبيرة من راتنج الجذور في محجر جينوفيفا يشير إلى أن التربة كانت مشبعة بالمياه، مما أدى إلى ضعف نمو الفطريات فوق سطح الأرض. هذا الأمر ساهم في حفظ الحشرات بشكل أفضل داخل الراتنج، حيث لم يكن هناك الكثير من الكائنات الحية التي تتغذى عليها أو تحللها. تُظهر هذه النتائج أن الظروف البيئية في غندوانا كانت فريدة من نوعها، مما أدى إلى تطور أنظمة بيئية مختلفة عن تلك الموجودة في نصف الكرة الشمالي.
فحص رواسب الكهرمان
قام فريق البحث بفحص عينات الكهرمان والصخور المحيطة بها بعناية لتحديد أنواع الحشرات والنباتات المحفوظة بداخلها. اكتشفوا نوعين مختلفين من الكهرمان: أحدهما يتكون من الراتنج المتسرب من جذور الأشجار تحت الأرض، والآخر يتكون من الراتنج الذي لامس الهواء وحاصر الحشرات. يُعتبر كهرمان الحشرات أكثر أنواع الكهرمان شهرة، ولكنه أيضًا أكثر ندرة.
أظهرت التحاليل أن شبكة العنكبوت المكتشفة كانت مشابهة لشبكات العنكبوت الكروية الحديثة، على الرغم من أنها تفتقر إلى القطرات اللزجة التي تميز هذه الأنواع من الشبكات. هذا يشير إلى أن العناكب في العصر الطباشيري كانت تمتلك بالفعل القدرة على بناء شبكات معقدة لالتقاط الفرائس. الكهرمان يوفر لنا معلومات قيمة عن تطور هذه المخلوقات.
بالإضافة إلى الحشرات والعناكب، عثر الباحثون على حبوب لقاح محفوظة داخل الكهرمان، مما يوفر معلومات حول أنواع النباتات التي كانت موجودة في المنطقة في ذلك الوقت. تساعد هذه البيانات في إعادة بناء النظام البيئي القديم وفهم العلاقات بين الكائنات الحية المختلفة. الكهرمان هو كنز دفين للعلماء.
تُظهر الدراسة أن الكهرمان يمكن أن يكون أداة قوية لفهم تاريخ الحياة على الأرض، خاصة في المناطق التي لم يتم استكشافها بشكل كامل حتى الآن. الكهرمان يفتح آفاقًا جديدة للبحث العلمي.
من المتوقع أن يستمر الباحثون في تحليل عينات الكهرمان المكتشفة في محجر جينوفيفا، بهدف الحصول على مزيد من المعلومات حول الحياة في العصر الطباشيري. سيتم التركيز بشكل خاص على تحديد أنواع جديدة من الحشرات والنباتات، وفهم العلاقات البيئية بينها. من المرجح أن تكشف هذه الأبحاث عن المزيد من الأسرار حول تطور الحياة على الأرض، ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به.















