في الحياة، غالبًا ما نجد أنفسنا عالقين في دوامة الانتظار، نؤجل أحلامنا وطموحاتنا إلى حين تتحسن الظروف، أو تتوفر الفرصة المناسبة. لكن ماذا لو كان الانتظار نفسه هو العائق الأكبر أمام تحقيق ما نرغب به؟ هذه القضية تثيرها قصة مؤثرة، بدأت في الصين في الستينيات، وتجسدت في رواية “الانتظار” للكاتب الصيني الأمريكي ها لين.

قصة لين كونغ: 18 عامًا من الانتظار المرير

تدور أحداث القصة حول الطبيب الصيني “لين كونغ”، الذي اضطر للزواج من امرأة ريفية لا يحبها امتثالاً لرغبة والده. فكر في أن الانتظار قد يكون الحل، آملاً أن تتغير الأمور وتتيح له الانفصال دون إغضاب والده. لكن الأيام مرت دون جدوى، وزادت الأمور تعقيدًا عندما التقى بممرضة في المستشفى العسكري وأحبها، مما دفعه للتفكير بجدية في الطلاق والزواج بحبيبته.

الأمر المثير للدهشة هو أن هذا الانتظار استمر لثمانية عشر عامًا كاملة! ربما كان مترددًا، أو ربما كانت الظروف الاجتماعية والقانونية لا تسمح له باتخاذ القرار. لكن في النهاية، وبعد كل هذه السنوات، تمكن من تحقيق رغبته. المفاجأة المؤلمة كانت أنه لم يشعر بالفرح عند الطلاق، بل بفراغ عميق، وكأن سنوات الانتظار قد حفرت داخله فراغًا لا يمكن ملؤه. هذه القصة ليست مجرد قصة حب فاشلة، بل هي تأمل فلسفي عميق في طبيعة الزمن البشري، وكيف يمكن أن يتحول الانتظار إلى سجن، وكيف تذوب الرغبات مع طول الأجل.

هل نحن جميعًا عالقون في فخ الانتظار؟

عندما ننظر حولنا، نجد أننا جميعًا تقريبًا نعاني من هذا الداء. ننتظر وظيفة أفضل، أو تحسنًا في الأوضاع المادية لنستمتع بالحياة، أو الفرصة المناسبة لنفعل ما نحب. غالبًا ما نتردد، وننتظر أكثر مما نعمل، ونقوم بالواجب ونتنازل عن رغباتنا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل لدينا حقًا القوة على الفعل؟ هل ننتظر الظروف المثالية، أم نصنعها بأنفسنا؟

الكنز المدفون: اكتشاف الذات والمواهب

قد يعيش البعض حياتهم كفقراء بائسين، بينما كنوزهم مدفونة في مكان ما، ولا يبذلون جهدًا للبحث عنها. يفضلون انتظار المجهول على عناء البحث، ويندمون على حياتهم وأحوالهم. لكل منا كنز مدفون، وهذا ليس مجرد كلام إنشائي، بل هو حقيقة. لم يخلق الله أيًا منا عبثًا، بل خلقه لغرض ما، ومنحه مواهب دفينة، وترك لنا مهمة اكتشافها.

قد نتردد في البحث عن هذه المواهب، ونفضل الانتظار، معتقدين أن الظروف لن تتغير، وأننا عاجزون عن اتخاذ قرارات حياتنا. لكن هذا هو الجحود بنعمة الله. الله يمنحنا النعم، لكننا ننكرها، ولا نستمتع بها، لأننا أنكرنا وجودها من البداية. يجب أن نتعرف على أنفسنا حق المعرفة، وأن نكتشف المواهب المدفونة التي قد تتفجر عند الأزمات، ولكن غالبًا ما يكون ذلك متأخرًا. تطوير الذات هو مفتاح إطلاق العنان لهذه الكنوز.

التفاؤل والرضا: مفتاح السعادة الحقيقية

دع التفاؤل يهزم تشاؤمك. التفاؤل لا يعني تجاهل الواقع، بل يعني العمل على أكمل وجه ممكن، ثم تقبل النتيجة أيا كانت. هذا هو قدر الله، والرضا به هو أعلى درجات السعادة. الأمر لا يتعلق بالحسابات المادية، فإذا كنت في وضع اجتماعي ومادي متوسط، فإن تفاؤلك لن يجعلك بالضرورة أفضل وفقًا لهذه الحسابات، لكنك ستكون أسعد، لأنك أديت واجبك كاملاً.

تمامًا مثلما إذا هاجمك عدو قوي وقررت أن تدافع عن نفسك، فليس بالضرورة أن تنتصر، لكنك في كلتا الحالتين فائز. المقاوم ينتصر حتى وإن مات، والمستسلم ينهزم حتى وإن عاش. الجنة على الأرض هي في أن تفعل ما بوسعك، وترضى بما يقدره الله، والجهنم هي الانتظار.

قصة السيدة مريم: فعل ما في وسعك

كان النهار يميل إلى الغروب حين وصلت السيدة مريم إلى أطراف الوادي، في مكان مهجور وحيد. اشتد بها المخاض، وتمنت لو ماتت قبل ذلك، لكن الله أمرها أن تهز جذع النخلة. كيف تفعل والمرأة في حالة مخاض تكون في أضعف حالاتها الجسدية؟ إذن ستفعل ما في وسعها، حتى وإن لامست يداها جذع النخلة امتثالاً لأمر الرحمن. المهم أن تفعل شيئًا، المهم ألا تستسلم، المهم ألا تنتظر.

هزوا نخلتكم يا شباب!

يا شباب! هزوا نخلتكم، هزوا جذع النخلة، فقط افعلوا ما عليكم أن تفعلوه. ليس كل أمر يتعلق بالحسابات المادية، ثمة أمور لا يعرفها الذكاء الطبيعي ولا الاصطناعي. ابحثوا عن الكنز الذي وضعه الله في أنفسكم، وأنتم تجاهلتموه. ثقوا في أنفسكم وفي قدراتكم. في كل منا كنز، حتى المريض، حتى الأعرج، حتى الأعمى، حتى العجوز لديه ما لديه.

ستقولون: إن السيدة مريم كانت مؤيدة من ربها! كلنا مؤيدون من ربنا إن أطعناه. هزوا النخلة يا شباب. لا تنتظروا وهزوا النخلة. تذكروا أن العمل الجاد هو مفتاح النجاح، وأن الانتظار هو مضيعة للوقت والفرص.

في الختام، دعونا نتذكر أن الحياة ليست مجرد انتظار، بل هي سلسلة من الأفعال والقرارات. لا تدعوا الخوف والتردد يسيطران عليكم، بل تحركوا، وابحثوا عن كنوزكم المدفونة، وافعلوا ما في وسعكم، وارضوا بما يقدره الله. عندها فقط ستجدون السعادة الحقيقية والرضا في هذه الحياة.

شاركها.
اترك تعليقاً