على الرغم من الاستقبال الحار الذي حظي به عمدة نيويورك المنتخب زهران ممداني في البيت الأبيض من الرئيس دونالد ترامب، إلا أن هذا اللقاء لم يخفِ الفجوة العميقة بينهما. هذا التباين يمتد ليشمل رؤيتهما للاقتصاد، والهجرة، والأمن، وحتى القضية الفلسطينية، مما يجعل مستقبل العلاقة بينهما محط اهتمام بالغ. هذه المقالة ستتناول بالتفصيل أوجه الاختلاف بين ترامب وممداني، وتحليل تأثير هذه الخلافات على السياسة الأمريكية.
لقاء رمزي يخفي خلافات جوهرية: نظرة على العلاقة بين ترامب وممداني
اللقاء الذي جمع الرئيس ترامب بعمدة نيويورك المنتخب، جاء بعد سنوات من التراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة. ترامب لم يتردد في وصف ممداني بـ “الشيوعي المختل”، بينما اتهمه ممداني بالعنصرية والسعي إلى حكم البلاد بالابتزاز. ورغم هذا التاريخ الحافل بالعداء، اتفق الطرفان مؤقتًا على ضرورة معالجة ارتفاع تكاليف المعيشة في نيويورك، وهي نقطة التقاء نادرة في بحر من الخلافات.
الاقتصاد: رؤيتان متناقضتان حول دور الدولة
يكمن أحد أبرز أوجه الاختلاف بين ترامب وممداني في رؤيتهما للاقتصاد. يتبنى ترامب نهجًا محافظًا يركز على خفض الضرائب، وتقليص دور الدولة في السوق، وتوسيع نطاق الخصخصة، معتقدًا أن السوق هو الأقدر على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
في المقابل، يفضل ممداني مقاربة اجتماعية تقدمية تدعو إلى زيادة الضرائب على الأثرياء، وتوسيع التمويل الحكومي للخدمات العامة، وتوفير وسائل مواصلات مجانية. يستلهم ممداني سياسات الرفاهية الإسكندنافية في مجالات الإسكان والتعليم والرعاية الصحية، مؤمنًا بأن الدولة يجب أن تلعب دورًا فعالًا في ضمان العدالة الاجتماعية.
الهجرة: صراع حول هوية أمريكا
يشكل ملف الهجرة نقطة خلاف حادة أخرى بين الرجلين. يصر ترامب على تشديد الحدود، وتقليص اللجوء، وزيادة عمليات الترحيل، ويربط الهجرة بارتفاع معدلات الجريمة. هذا النهج المتشدد يعكس رؤيته القومية التي تركز على حماية الهوية الأمريكية.
بالمقابل، يرى ممداني، وهو ابن مهاجرين، أن الهجرة هي “روح أمريكا”، ويدعو إلى تسهيل مسارات اللجوء، وإنهاء الاحتجاز، والحفاظ على برنامج “داكا” الذي يحمي الشباب الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني وهم أطفال. هذا الموقف يعكس إيمانه بالتنوع وقيم التسامح.
الأمن والشرطة: مقاربات مختلفة للتعامل مع الجريمة
يتفق ترامب وممداني على أهمية الأمن، لكنهما يختلفان حول كيفية تحقيقه. يؤيد ترامب زيادة التمويل والصلاحيات الممنوحة للشرطة، معتمدًا على مقاربة ردعية مباشرة.
في المقابل، يدعو ممداني إلى إعادة هيكلة الشرطة، ونقل جزء من ميزانيتها إلى برامج اجتماعية وتعليمية. كما انتقد عنف الشرطة تجاه الأقليات، مؤكدًا على ضرورة بناء الثقة بين الشرطة والمجتمع.
القضية الفلسطينية: فجوة أيديولوجية واسعة
تتضح الفجوة الأعمق بين ترامب وممداني في الموقف من القضية الفلسطينية. يتباهى ترامب بكونه “أفضل صديق لإسرائيل”، واعتبر أن أي يهودي يصوت لممداني “غبي”. هذا الموقف يعكس دعمه المطلق لإسرائيل وسياساتها.
بينما يتصدر ممداني الأصوات الأمريكية المؤيدة لفلسطين، واصفًا ما جرى في غزة بالإبادة الجماعية، ومحملًا واشنطن مسؤولية تمويلها. وقد أثار جدلاً واسعًا بإعلانه أنه سيطلب من شرطة نيويورك اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا زار المدينة، تنفيذاً لمذكرة المحكمة الجنائية الدولية، وهو موقف غير مسبوق لمسؤول محلي أمريكي. القضية الفلسطينية تمثل نقطة تحول حقيقية في السياسة الأمريكية.
مواقف ممداني غير التقليدية وتأثيرها السياسي
تساهم مواقف ممداني الجريئة وغير التقليدية في تعزيز حضوره السياسي وجذب انتباه الناخبين. إعلانه عن نيته اعتقال نتنياهو، على سبيل المثال، أثار ردود فعل واسعة النطاق، لكنه في الوقت نفسه أكد على التزامه بالقيم الإنسانية وحقوق الإنسان. زهران ممداني يمثل تيارًا سياسيًا جديدًا في أمريكا.
الخلاصة: خلافات عميقة ومستقبل غير واضح
على الرغم من أجواء المجاملة التي سادت لقاءهما الأخير، تبدو الهوة بين ترامب وممداني ثابتة وعميقة. هذه الخلافات تعكس رؤيتين متناقضتين لأمريكا ودورها في الداخل والخارج. التقارب اللحظي لا يلغي الصدام السياسي الممتد بينهما. من المؤكد أن العلاقة بينهما ستكون اختبارًا حقيقيًا للنظام السياسي الأمريكي في السنوات القادمة. السياسة الأمريكية تشهد تحولات جذرية.
هل ستتمكن هذه الخلافات من إعاقة عمل الحكومة المحلية في نيويورك؟ وما هو تأثير هذه الخلافات على السياسة الخارجية الأمريكية؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى متابعة وتحليل دقيقين. ندعوكم لمشاركة آرائكم حول هذا الموضوع في قسم التعليقات أدناه.















