في اكتشاف يثير تساؤلات جوهرية حول فهمنا للكون، أعلن فريق بحثي من جامعة بيليفيلد في ألمانيا أن النظام الشمسي يتحرك بسرعة أكبر بكثير مما تشير إليه النماذج الكونية السائدة. هذه النتيجة، المنشورة في دورية “فيزكال ريفيو ليترز”، تعتمد على تحليل غير مسبوق لتوزيع مئات الآلاف من المجرات عبر نطاقات موجات الراديو، وقد تهزّ الأسس التي بني عليها النموذج القياسي لعلم الكونيات.

أجريت الدراسة في التاسع عشر من نوفمبر عام 2025، وتأتي في أعقاب سنوات من الرصد الدقيق لتوزيع المجرات. يستند العمل إلى بيانات من مسوحات راديوية حديثة، ويتحدى الافتراض الراسخ بأن الكون متجانس على نطاقات واسعة. هذه السرعة الأكبر للحركة قد تتطلب مراجعة شاملة للعديد من الحسابات المتعلقة بتمدد الكون.

ما هو النموذج القياسي لعلم الكونيات؟

النموذج الكوني القياسي، المعروف أيضًا بنموذج لامدا سي دي إم (ΛCDM)، هو الإطار النظري الأكثر قبولاً وشاملًا لوصف تطور الكون وبنيته. يفترض هذا النموذج أن الكون بدأ بانفجار عظيم، وأن تمدده مستمر، مدفوعًا بقوة غامضة تسمى الطاقة المظلمة.

وتشير الأبحاث إلى أن الجزء الأكبر من محتوى الكون لا يتكون من مادة عادية مرئية، بل من مادة مظلمة لا تتفاعل مع الضوء، تؤثر في حركة المجرات من خلال جاذبيتها. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد البنية الكبيرة للكون على توزيع هذه المادة المظلمة، حيث تتشكل المجرات والعناقيد الكونية حول تجمعاتها.

بينما قد تبدو التفاصيل الصغيرة مختلفة، مثل مواقع المجرات الفردية وتجمعاتها، فإن الصورة الكلية تظهر نمطًا موحدًا من العناقيد والفراغات. من خلال هذا النموذج، يسعى العلماء إلى فهم العلاقة بين المادة والطاقة، وتاريخ الكون، ومصيره النهائي.

سرعة النظام الشمسي ونتائج الدراسة

يعتمد قياس سرعة النظام الشمسي على تحليل “تباين الخواص ثنائي القطب” في توزيع المجرات. هذا التباين هو الفرق بين عدد المجرات التي نراها في اتجاه حركتنا وعدد المجرات التي نراها في الاتجاه المعاكس، وهو مشابه لتأثير حركة السيارة وسط المطر.

وفقًا للنموذج القياسي، يجب أن يكون هذا التباين في نطاق معين. ومع ذلك، وجدت الدراسة أن التباين الفعلي أكبر بحوالي 3.7 مرة مما هو متوقع، وهو اختلاف كبير جدًا يصل إلى مستوى الثقة الإحصائية الذي يزيد عن 5 سيغما، وهو معيار صارم في الفيزياء.

لتحقيق هذه الدقة، طوّر الباحثون خوارزميات جديدة للتعامل مع تعقيدات مسوحات الراديو، حيث أن المجرات غالبًا ما تظهر بهياكل متعددة. هذه الخوارزميات سمحت لهم بتمييز المجرات الحقيقية عن الأجزاء المتفرقة، مما أدى إلى حساب أكثر دقة لسرعتنا.

تأثيرات محتملة على فهمنا للكون

هذه النتائج تفتح الباب أمام احتمالين رئيسيين. الأول، أن النظام الشمسي يتحرك بالفعل أسرع مما كنا نعتقد، وهذا قد يؤثر على قياسنا لمعدل تمدد الكون (ثابت هابل) وفهمنا لحركة المجرات القريبة. الثاني، والأكثر إثارة، هو أن الكون ليس متجانسًا كما افترضنا سابقًا.

إذا تبين أن الكون غير متجانس، فهذا يعني أن النموذج القياسي لعلم الكونيات قد يحتاج إلى تعديلات جوهرية. قد يتطلب الأمر إعادة النظر في المفاهيم الأساسية حول طبيعة المادة المظلمة والطاقة المظلمة، وعلاقتها بتمدد الكون وتطوره. هذا يمثل تحديًا كبيرًا للفيزيائيين وعلمائهم حول العالم.

بالإضافة إلى ذلك، يُثير هذا الاكتشاف تساؤلات حول “الإطار المرجعي الكوني”، وهو المرجع الذي نستخدمه لقياس حركاتنا في الكون. إذا كان النظام الشمسي يتحرك بسرعة غير معتادة، فقد يؤثر ذلك على دقة هذا الإطار وجعله غير موثوق.

هناك حاجة إلى مسوحات راديوية أوسع وأكثر دقة لتأكيد هذه النتائج بشكل قاطع. يسعى الباحثون حاليًا إلى الحصول على بيانات إضافية من تلسكوبات راديوية جديدة، ويتوقعون الحصول على نتائج أكثر تحديدًا في غضون السنوات القليلة القادمة.

نظرة مستقبلية

تعتبر هذه الدراسة خطوة مهمة نحو فهم أعمق للكون. على الرغم من الحاجة إلى مزيد من البحث، إلا أن النتائج الأولية تشير إلى أن نموذجنا الحالي قد لا يكون كاملاً، وأن هناك جوانب مهمة في الكون لا تزال غير مفهومة. من المتوقع أن تلهم هذه النتائج المزيد من الدراسات في مجال علم الكونيات، وأن تؤدي إلى اكتشافات جديدة تفتح آفاقًا أوسع للمعرفة البشرية.

شاركها.
اترك تعليقاً