جنيف تستضيف مفاوضات حاسمة حول خطة ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وسط تفاؤل حذر وتعديلات مقترحة. شهدت مدينة جنيف السويسرية على مدار الأيام الماضية محادثات مكثفة بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين وأوروبيين، تهدف إلى بحث تفاصيل خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تتضمن 28 بندًا لوقف الحرب الدائرة في أوكرانيا. وتأتي هذه الاجتماعات في ظل قلق متزايد تعرب عنه كييف وحلفاؤها، بشأن ما يرونه تنازلات كبيرة محتملة لصالح روسيا في الخطوة الأولية للمفاوضات. خطة ترامب للسلام في أوكرانيا هي محور هذه التطورات، وشكلت نقطة انطلاق لمناقشات هامة.

تطورات المفاوضات ووجهات النظر المختلفة

قاد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الجانب الأمريكي في هذه المحادثات، معربًا عن تفاؤله الحذر أمام الصحفيين. ووصف الجولة الحالية بأنها “الأكثر إنتاجية وأهمية حتى الآن”، كاشفًا عن إجراء تعديلات على الخطة بهدف الوصول إلى صيغة مقبولة للطرفين الأمريكي والأوكراني. وأكد روبيو: “الخطة في النهاية تحتاج إلى موافقة الرئيسين، وأنا مرتاح جدًا لاحتمال حدوث ذلك في ضوء التقدم المحرز”.

من جانبه، أعرب رئيس الوفد الأوكراني أندريه يرماك عن شعوره بالتقدم، مشيراً إلى أن المحادثات تسير في اتجاه “سلام عادل ودائم يستحقه الشعب الأوكراني”. هذا التصريح يعكس التفاؤل النسبي الذي يسود الوفد الأوكراني، على الرغم من التحديات الكبيرة التي لا تزال قائمة.

ردود الفعل على تصريحات ترامب

تزامنت هذه المفاوضات مع تصريح للرئيس ترامب عبر منصته للتواصل الاجتماعي، انتقد فيه ما وصفه بـ “عدم امتنان” كييف للجهود الأمريكية. إلا أن هذه التصريحات لم تؤثر سلبًا على سير المفاوضات، حيث بادر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى التأكيد على الامتنان العميق لشخص ترامب وللشعب الأمريكي.

وكتب زيلينسكي على منصة X: “ممتن لترامب شخصيًا، وأمتن لأمريكا ولكل قلب أمريكي على المساعدة التي أنقذت أرواح أوكرانيين”. هذه الرسالة جاءت بمثابة محاولة لتهدئة التوتر واستعادة الثقة في العلاقة بين البلدين. الوضع السياسي في أوكرانيا يلعب دوراً هاماً في هذه التطورات، حيث تسعى كييف للحفاظ على الدعم الدولي.

بنود الخطة ومصادر الجدل

الخطة الأمريكية، التي وُصفَت بأنها “أساسًا لتسوية نهائية” من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تتضمن بنودًا مثيرة للجدل. أبرز هذه البنود هو المطالبة بتنازل كييف عن أراضٍ، وقبولها بفرض قيود على قدراتها العسكرية، والتخلي عن طموحاتها في الانضمام إلى حلف الناتو.

هذه الشروط أثارت غضبًا واسعًا في أوساط الأوكرانيين، بمن فيهم الجنود المنتشرين على الجبهات، الذين يرونها بمثابة “استسلام” غير مقبول. ولا يخفي الرئيس زيلينسكي الضغوط الداخلية التي تواجهه، خاصة بعد تفجر فضيحة فساد تورط فيها وزراء وشخصيات مقربة منه. وقد حذر من أن قبول خطة لا تراعي المصالح الحيوية لأوكرانيا قد يؤدي إلى خسارة “كرامتها وحريتها”.

موقف الاتحاد الأوروبي

من جهتها، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن حدود أوكرانيا “لا يمكن أن تُغيّر بالقوة”، وأن الجيش الأوكراني “لا يجوز أن يُترك عرضة للهجمات”. وشددت على ضرورة أن يلعب الاتحاد الأوروبي دورًا محوريًا في أي اتفاق سلام مستقبلي، وأن يتم ضمان أمن واستقرار أوكرانيا. المفاوضات الدولية حول أوكرانيا تتطلب تنسيقاً جهوداً من جميع الأطراف المعنية.

التعديلات المقترحة وخطوات المستقبل

أشارت التصريحات الرسمية إلى أن النسخة الحالية من المسودة الأمريكية “تعكس بالفعل معظم الأولويات الأساسية لأوكرانيا”، لكنها لا تزال قيد المراجعة النهائية. ويؤكد المفاوضون الأوكرانيون أن التعاون مع الولايات المتحدة “بناء”، وأنهم يرحبون بالاهتمام الأمريكي بملاحظاتهم.

الخطوة التالية تعتمد بشكل رئيسي على الموافقة النهائية من الرئيسين الأمريكي والأوكراني. ويرى مراقبون أن نجاح هذه المفاوضات يتطلب تنازلات من جميع الأطراف، وإيجاد حلول وسط ترضي المصالح الأساسية لكل منهم. الوضع الحالي يتطلب حكمة وبعد نظر لتجنب المزيد من التصعيد والوصول إلى حل مستدام يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة.

في الختام، تمثل المفاوضات الجارية في جنيف فرصة هامة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. ومع استمرار التعديلات على خطة ترامب، يبقى الأمل معلقًا على التوصل إلى اتفاق سلام عادل ودائم يلبي تطلعات الشعب الأوكراني ويحافظ على الأمن الإقليمي. من المهم متابعة التطورات الجارية بشكل دقيق، وتحليل مواقف جميع الأطراف المعنية، لفهم أبعاد هذه المفاوضات ونتائجها المتوقعة. هل ستنجح الدبلوماسية في إحلال السلام، أم أن المنطقة ستظل على أعتاب حرب أوسع نطاقاً؟ هذا هو السؤال الذي يشغل بال العالم في هذه اللحظات.

شاركها.
اترك تعليقاً