في خضم الأحداث العالمية المتسارعة، اختتمت قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا، وسط أجواء مشحونة بالتوترات الدبلوماسية وغياب لافت للوفد الأمريكي. ورغم هذه التحديات، تمكن القادة من التوصل إلى إعلان مشترك يعالج قضايا محورية مثل المساواة بين الجنسين، والتغير المناخي، والأزمات الإنسانية في غزة والسودان وأوكرانيا والكونغو الديمقراطية. هذه القمة، التي سلطت الضوء على أهمية التعاون الدولي، تركت إرثًا معقدًا يتشابك فيه الإنجاز الدبلوماسي مع المخاوف بشأن مستقبل التعاون متعدد الأطراف. يركز هذا المقال على تفاصيل قمة مجموعة العشرين الأخيرة، وأهم مخرجاتها، والتحديات التي واجهتها.

غياب أمريكي يلقي بظلاله على قمة مجموعة العشرين

شهدت قمة مجموعة العشرين هذه مستوى غير مسبوق من التوتر بسبب مقاطعة الولايات المتحدة، التي أعلنت عنها إدارة ترامب في وقت سابق من نوفمبر، بذريعة “اضطهاد الأقلية البيضاء” في جنوب أفريقيا. هذا القرار أثار غضبًا واسعًا في الدوائر الدبلوماسية، وأدت التصريحات المتبادلة بين المسؤولين الجنوب أفريقيين والأمريكيين إلى تصعيد الأزمة.

رفضت جنوب أفريقيا طلبًا أمريكيًا متأخرًا يسمح بدخول ثمانية موظفين من السفارة لحضور ختام القمة، الأمر الذي عزز الانطباع بأن المقاطعة كانت تعبيرًا عن موقف متصلب. الرئيس سيريل رامافوزا، بشكل رمزي، كان قد أعلن سابقًا أنه سيقوم بتسليم الرئاسة إلى المقعد الفارغ المخصص لنائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس.

بالإضافة إلى ذلك، واجهت السفارة الأمريكية صعوبات في تلبية مطالبها الأمنية، بما في ذلك طلب مرافقة شرطية خاصة وفحص دقيق لسيارات الموكب، مما زاد من تعقيد الوضع.

خلافات أمنية وتوتر دبلوماسي

الخلافات الأمنية لم تكن مجرد عقبة إجرائية، بل كانت تجسيدًا للتدهور في العلاقات بين البلدين. وزير العلاقات الدولية في جنوب أفريقيا، رونالد لامولا، كرر اتهاماته السابقة للإدارة الأمريكية بممارسة ما أسماه “أجندة تفوق البيض”، وهي تصريحات أدت في السابق إلى طرد السفير الجنوب أفريقي من واشنطن. هذا التصعيد اللفظي أضاف بعدًا إيديولوجيًا إلى الأزمة، وجعل من الصعب إيجاد أرضية مشتركة.

التوصل إلى إعلان مشترك: انتصار دبلوماسي لجنوب أفريقيا

على الرغم من التحديات الكبيرة، تمكنت جنوب أفريقيا من تحقيق إنجاز دبلوماسي هام بالتوصل إلى مسودة إعلان مشترك بين الدول الـ19 المشاركة في قمة مجموعة العشرين. استمرت المفاوضات لمدة خمسة أيام متواصلة، وشملت جلسة ليلية مكثفة، حيث تركزت الخلافات الرئيسية حول قضايا المناخ والطاقة المتجددة والمساواة بين الجنسين.

المتحدث باسم الرئاسة، فينسنت ماغوينيا، أكد أن الإعلان يعكس نجاح جنوب أفريقيا في “توسيع صوت أفريقيا” على أجندة التنمية العالمية، مشيرًا إلى أن القارة الأفريقية حظيت بذكر خاص في النص. هذا الإنجاز يعكس التزام جنوب أفريقيا بتمثيل مصالح الدول النامية في المحافل الدولية.

قضايا رئيسية في الإعلان المشترك

ركز الإعلان المشترك على عدة قضايا رئيسية، بما في ذلك:

  • التغير المناخي: التأكيد على أهمية الالتزام بأهداف اتفاق باريس، وتسريع التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة.
  • المساواة بين الجنسين: تعزيز حقوق المرأة وتمكينها في جميع المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والسياسة.
  • الأزمات الإنسانية: الدعوة إلى حلول سلمية للأزمات في غزة والسودان وأوكرانيا والكونغو الديمقراطية، وتقديم المساعدة الإنسانية للمتضررين.
  • الاستدامة المالية: معالجة قضايا الديون المستدامة للدول النامية، وتوفير التمويل اللازم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

إرث القمة وتوقعات المستقبل

على الرغم من النجاح في التوصل إلى إعلان مشترك، يرى البعض أن تنفيذ التوصيات قد يشهد تباطؤًا تحت الرئاسة الأمريكية القادمة. ومع ذلك، أكدت جنوب أفريقيا أنها استعانت بمؤسسات متعددة الأطراف لمتابعة قضايا عدم المساواة واستدامة الديون، وأن هذه الملفات ستبقى على جدول الأعمال حتى بعد انتهاء رئاستها.

من الجدير بالذكر أن ممثلي قطاع الأعمال الأمريكي شاركوا في قمة الأعمال المصاحبة لـ قمة مجموعة العشرين، كما تعهدت واشنطن عبر اتصال مرئي بتقديم 4.6 مليار دولار لصندوق الصحة العالمي، على الرغم من أن هذا المبلغ أقل من التعهد السابق.

الباحث في العلاقات الدولية، جون سترملو، اعتبر أن نهج الرئيس ترامب تجاه جنوب أفريقيا يقوم على “التنمر”، لكنه أشاد بتمسك قادة جنوب أفريقيا بمبادئ حقوق الإنسان العالمية، وبالدعم الدولي الكبير الذي حظوا به خلال القمة.

الخلاصة

اختتمت قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ بإعلان مشترك يعكس التزام الدول الأعضاء بمعالجة التحديات العالمية الملحة. ورغم الغياب اللافت للوفد الأمريكي والتوترات الدبلوماسية المصاحبة، تمكنت جنوب أفريقيا من إبراز دورها القيادي في تمثيل مصالح الدول النامية، وتوسيع صوت أفريقيا على الساحة الدولية. يبقى التحدي الأكبر هو ترجمة هذه التوصيات إلى إجراءات ملموسة، وضمان استمرار التعاون الدولي في مواجهة الأزمات المتفاقمة. نتطلع إلى رؤية كيف ستتعامل الإدارة الأمريكية القادمة مع هذه القضايا، وما إذا كانت ستعود إلى طاولة المفاوضات من أجل تعزيز التعاون متعدد الأطراف.

شاركها.
اترك تعليقاً