في مفاجأة قد تغير نظرتنا للصحة والوزن، كشفت أبحاث حديثة عن أن السمنة الخفية قد تكون أكثر انتشارًا مما نعتقد، وأن الاعتماد على مؤشر كتلة الجسم (BMI) وحده ليس كافيًا لتقييم المخاطر الصحية. هذه النتائج، التي نشرتها مجلة الجمعية الطبية الأمريكية “جاما” في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تستند إلى بيانات شاملة لأكثر من 471 ألف شخص من 91 دولة، وتثير تساؤلات حول المعايير التقليدية للوزن الصحي.

ما هي السمنة الخفية وكيف تختلف عن السمنة التقليدية؟

تُعرف السمنة الخفية بأنها وجود نسبة عالية من الدهون في الجسم، خاصة حول منطقة البطن، على الرغم من أن مؤشر كتلة الجسم للشخص يقع ضمن النطاق الطبيعي. هذا يعني أن الشخص قد يبدو نحيفًا ظاهريًا، ولكنه في الواقع يعاني من تراكم الدهون الحشوية، وهي الدهون التي تتراكم حول الأعضاء الداخلية وتزيد من خطر الإصابة بأمراض خطيرة. بينما تركز السمنة التقليدية على الوزن الكلي والطول، فإن السمنة الخفية تسلط الضوء على أهمية توزيع الدهون في الجسم.

مؤشر كتلة الجسم (BMI) ليس المعيار الوحيد

لطالما اعتُبر مؤشر كتلة الجسم (BMI) معيارًا ذهبيًا لتحديد ما إذا كان الشخص يعاني من نقص الوزن أو زيادة الوزن أو الوزن الطبيعي. يتم حسابه بقسمة وزن الشخص بالكيلوغرام على مربع طوله بالمتر. ومع ذلك، تشير الأبحاث الجديدة إلى أن هذا المعيار قد يكون مضللاً. فقد وجدت الدراسة أن 45% من سكان العالم يعانون من سمنة البطن بشكل عام، ووصلت النسبة إلى 22% لدى الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي. هذا يشير إلى أن العديد من الأشخاص قد يكونون معرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري، حتى لو كان مؤشر كتلة الجسم لديهم طبيعيًا.

أهمية قياس محيط الخصر

بدلاً من الاعتماد على مؤشر كتلة الجسم وحده، يوصي الباحثون باستخدام قياس محيط الخصر كأداة إضافية لتقييم المخاطر الصحية. تُعرف سمنة البطن بمحيط خصر لا يقل عن 80 سم لدى الإناث و94 سم لدى الذكور. قياس محيط الخصر يوفر مؤشرًا أفضل على كمية الدهون الحشوية الموجودة في الجسم، وبالتالي يساعد في تحديد الأشخاص المعرضين للخطر.

العلاقة بين السمنة الخفية والأمراض المزمنة

أظهرت الدراسة وجود ارتباط وثيق بين سمنة البطن، حتى لدى الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي، وارتفاع ضغط الدم، وداء السكري، وارتفاع الكوليسترول الكلي، وارتفاع الدهون الثلاثية، بالإضافة إلى اضطرابات القلب والأيض. هذه الأمراض تُعد من الأسباب الرئيسية للوفاة في جميع أنحاء العالم. لذلك، من الضروري عدم تجاهل مخاطر سمنة البطن، حتى لو كان وزنك طبيعيًا.

من هم “النحفاء السمان”؟

يشير مصطلح “النحفاء السمان” إلى الأشخاص الذين يتمتعون بوزن طبيعي ولكن لديهم نسبة عالية من الدهون في الجسم. هؤلاء الأشخاص قد لا يدركون أنهم معرضون للخطر، لأنهم يعتمدون على مؤشر كتلة الجسم وحده لتقييم صحتهم. غالبًا ما يكون هؤلاء الأشخاص أقل نشاطًا بدنيًا، ويستهلكون كميات أقل من الفواكه والخضروات، ويعملون في وظائف مكتبية أو لا يعملون. هذا المزيج من قلة الكتلة العضلية وقلة الحركة يجعل تراكم الدهون الحشوية أكثر سهولة.

تعريف جديد للسمنة يتجاوز مؤشر كتلة الجسم

في يناير/كانون الثاني 2025، قدمت لجنة تابعة لمجلة “لانسيت” تعريفًا جديدًا للسمنة يتجاوز التصنيف البسيط القائم على مؤشر كتلة الجسم. أكدت اللجنة أن مؤشر كتلة الجسم ليس مقياسًا دقيقًا لدهون الجسم أو السمنة، وأن ارتفاعه لا يشير دائمًا إلى زيادة الدهون. بل على العكس، قد يُظهر أن الأشخاص الذين يعانون من زيادة الدهون لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي. كما أكدت اللجنة أن زيادة الدهون ليست مرضًا في حد ذاتها، وأن بعض الأشخاص الذين يعانون من زيادة الدهون قد لا يصابون بمشاكل صحية مرتبطة بها.

نمط الحياة الصحي هو المفتاح

لا يتعلق الأمر فقط بالوزن، بل بنمط الحياة بشكل عام. تؤكد الدكتورة ليزلي هاينبرغ، اختصاصية علم النفس السريري وإدارة الوزن، أن اتباع نمط حياة صحي هو المفتاح لحماية نفسك من الحالات المزمنة المرتبطة بالسمنة الخفية. يشمل ذلك اتباع نظام غذائي متوازن وغني بالفواكه والخضروات، وممارسة الرياضة بانتظام لبناء العضلات ومنع تراكم الدهون. لذا، لا تجعل وزنك محور حياتك، بل ركز على صحتك العامة وعافيتك. تذكر، التغذية السليمة والنشاط البدني المنتظم هما أهم من مجرد رقم يظهر على الميزان.

شاركها.
اترك تعليقاً