يشكل ملف نزع سلاح حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة تحديًا معقدًا يثير قلقًا كبيرًا لدى الاحتلال الإسرائيلي والدول الداعمة له، وعلى رأسها الولايات المتحدة. يأتي هذا القلق في أعقاب اعتماد مجلس الأمن الدولي مشروعًا أمريكيًا يهدف إلى إنهاء العدوان الإسرائيلي في غزة، والذي تضمن بنودًا مثيرة للجدل تتعلق بإنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة للإشراف على عملية نزع السلاح. هذا الوضع يبرز تضاربًا عميقًا في وجهات النظر بين الأطراف المعنية حول الحق في المقاومة، والآليات القانونية والأخلاقية لنزع السلاح.
القلق الإسرائيلي والدولي من سلاح المقاومة في غزة
يرى الاحتلال الإسرائيلي أن نزع سلاح حماس هو شرط أساسي لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ويسعى جاهدًا لفرض هذا الشرط بشتى الطرق. من جهته، تدعم الولايات المتحدة هذا الموقف بشكل كامل، وتعتبر حماس منظمة إرهابية، وتسعى إلى تجريدها من أي قدرات عسكرية. ويرتبط هذا الاهتمام بشكل خاص بتأثير المقاومة على الأمن الإسرائيلي، وبجهود تحقيق تسوية سياسية شاملة.
إلا أن حركة حماس تشدد على حق الفلسطينيين المشروع في الاحتفاظ بالسلاح كجزء من حقهم في مقاومة الاحتلال، حتى تحقيق دولتهم المستقلة ذات السيادة. هذا الحق يستمد جذوره من القانون الدولي الذي يعترف بمقاومة الشعوب المحتلة، مما يجعل عملية نزع السلاح مسألة سياسية وقانونية معقدة للغاية.
القانون الدولي والمقاومة: ازدواجية المعايير
القانون الدولي، وفي مقدمته البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، يقر بشرعية مقاومة الاحتلال من قبل الشعوب المحتلة. ومع ذلك، يواجه تطبيق هذا المبدأ تحديات كبيرة، حيث يميل التعريف القانوني للمقاومة إلى الخضوع لتفسيرات أمنية ضيقة تهدف إلى تجريم الحركات المسلحة.
يشير الباحث آدم روبرتس في دراسته “المقاومة ضد الاحتلال العسكري” إلى أن “الشرعية القانونية لا تتحوّل دائمًا إلى حماية فعلية عندما تتزاحم الاعتبارات الأمنية للدول الكبرى مع قواعد القانون الدولي.” وهذا يعني أن هناك تطبيقًا انتقائيًا للقانون، حيث يتم التركيز على تجريم أفعال المقاومة بينما يُمنح الاحتلال غطاء لتوسيع قدراته العسكرية، مما يفاقم ازدواجية المعايير.
نزع السلاح: معايير إنسانية ومساءلة
تؤكد اللجنة الدولية للصليب الأحمر على ضرورة إدارة إجراءات نزع السلاح وفقًا لمبادئ إنسانية صارمة، واستنادًا إلى قواعد القانون الدولي الإنساني. ويجب أن يركز أي برنامج لنزع السلاح على حماية المدنيين وضمان استقرار المجتمعات المتضررة من النزاعات.
وتشدد اللجنة على أهمية الإشراف المؤسسي والقانوني على عمليات نزع السلاح، مع وجود آليات رقابة ومساءلة لضمان تحقيق نتائج إنسانية وتعزيز الاستقرار. فنزع السلاح يجب ألا يكون مجرد خفض لمستوى التسلح، بل يجب أن يرتبط بجهود بناء مؤسسات قوية وقادرة على ضمان الأمن والحقوق الأساسية للمواطنين.
ترسانات متفاوتة: السلاح الفلسطيني والأسلحة الإسرائيلية
تظهر البيانات أن هناك تفاوتًا كبيرًا في القدرات العسكرية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. فقد احتلت إسرائيل المرتبة الـ15 عالميًا في واردات الأسلحة خلال الفترة 2020-2024، حيث استأثرت بحوالي 1.9% من حجم التجارة العالمية في الأسلحة. وتعتبر الولايات المتحدة وألمانيا المصدرين الرئيسيين للأسلحة إلى إسرائيل، بنسب بلغت 66% و33% على التوالي.
بالمقابل، تُطالب الفصائل الفلسطينية بتفكيك بنيتها العسكرية ونزع سلاحها كشرط أساسي لإنهاء الصراع. وهذا يبرز مرة أخرى ازدواجية المعايير، حيث يتم فرض قيود على الطرف الأضعف بينما يتم تزويد الطرف الأقوى بأسلحة متطورة.
نماذج سابقة: دروس مستفادة من نزع السلاح بعد النزاعات
تشير الدراسات الحديثة إلى أن النماذج التي غالبًا ما تُستدعى في النقاشات الدولية حول نزع السلاح بعد النزاعات، مثل ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، لا يمكن تطبيقها بشكل مباشر على سياقات أخرى، بما في ذلك قطاع غزة. فقد ارتبطت هذه التجارب بظروف استثنائية فرضت أثمانًا سيادية واقتصادية باهظة.
يمكن تقسيم تجارب نزع السلاح الدولية إلى ثلاثة مسارات رئيسية:
- نزع السلاح تحت إشراف خارجي وإعادة تشكيل الدولة: كما حدث في ألمانيا والعراق واليابان، حيث فرضت القوى المحتلة قيودًا صارمة على التسلح وأشرفت على إعادة بناء المؤسسات السياسية والعسكرية.
- نزع السلاح بعد تحقيق هدف سياسي وسيادة وطنية: كما حدث في الجزائر وأيرلندا الشمالية وجنوب أفريقيا، حيث تم نزع السلاح كجزء من عملية انتقال سياسي شاملة، وتحت إشراف مؤسسات وطنية شرعية.
- نزع السلاح التقني بلا أفق سياسي مسبق: كما حدث في أنغولا وبوسنيا وناميبيا، حيث أدى نزع السلاح إلى هشاشة المؤسسات الأمنية وفراغ في السلطة.
مستقبل نزع السلاح في غزة: تحديات وفرص
إن معالجة قضية نزع سلاح حماس تتطلب مقاربة شاملة ومتوازنة تأخذ في الاعتبار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والاعتبارات الأمنية لجميع الأطراف. يجب أن يرتكز أي حل على ثلاثة عناصر أساسية:
- آلية دولية مستقلة لمراقبة تدفقات الأسلحة.
- الحفاظ على القدرة على حماية المدنيين.
- ربط أي إجراءات أمنية بخارطة طريق واضحة تضمن توازن القوة والمساءلة.
تشير الدراسات إلى أن التدخل الخارجي لتفكيك سلاح الفصائل الفلسطينية بدون إطار سياسي شامل قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية والإنسانية في غزة. لذلك، يجب أن يكون الحل جزءًا من عملية سياسية أوسع تهدف إلى تحقيق سلام دائم وشامل، يضمن حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير والأمن والعيش الكريم. الرفض الشعبي للوصاية الخارجية، كما أظهرت استطلاعات الرأي، يجب أن يؤخذ في الاعتبار بشكل جدي.















