قمة العشرين في جوهانسبرغ: غياب أمريكي يثير جدلاً وتهديدات لدور المجموعة
اختتمت فعاليات قمة مجموعة العشرين في مدينة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا يومي السبت والأحد، لتترك وراءها تساؤلات حول مستقبل التعاون الدولي في ظل تصاعد الخلافات الجيوسياسية. شهدت القمة، التي تعد الأولى من نوعها في القارة الأفريقية والأولى بمشاركة الاتحاد الأفريقي كعضو دائم، غيابات بارزة وشروطًا دبلوماسية غير مسبوقة، أبرزها المقاطعة الأمريكية الجزئية التي أثارت جدلاً واسعاً. هذا المقال يسلط الضوء على أبرز ملامح القمة، الخلافات التي عرقلتها، ومستقبل مجموعة العشرين وما يحيط بها من تحديات.
خلافات أمريكية أفريقية تلقي بظلالها على القمة
كان الغياب اللافت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قمة جوهانسبرغ، واستبداله بالقائم بالأعمال في سفارتهم، مارك دي ديلارد، بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الخلاف. اعتمدت الإدارة الأمريكية هذا الإجراء احتجاجاً على ما وصفته بـ “اضطهاد عنيف” للأقلية الأفريقانية البيضاء في جنوب أفريقيا، وهو اتهام نفته بريتوريا بشدة.
رفضت جنوب أفريقيا اعتبار إرسال القائم بالأعمال بمثابة تمثيل لائق لتسلم الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين. صرح وزير العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا، رونالد لامولا، بأن تسليم الرئاسة لشخص دون مستوى رئيس الدولة أو ممثل خاص يعينه الرئيس يعتبر إساءة لرئيس البلاد، سيريل رامافوزا. وشدد على أن رئيس جنوب أفريقيا مستعد لتسليم الرئاسة لأي جهة أمريكية محددة داخل جنوب أفريقيا، ولكن ليس للقائم بالأعمال.
غيابات قيادية أخرى وتأثيرها على ديناميكية القمة
لم يكن الغياب الأمريكي الوحيد الذي أثر على ديناميكية القمة. فقد مثّل لي تشيانغ الصين بدلاً من الرئيس شي جين بينغ، بينما أرسل الكرملين ماكسيم أورشكين بدلاً من الرئيس فلاديمير بوتين. كما غاب الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، وأرسل وزير الخارجية بابلو كيرنو بدلاً منه.
هذه الغيابات، مجتمعة مع الخلاف الأمريكي الأفريقي، أثارت مخاوف بشأن التزام القوى الكبرى بمجموعة العشرين، وأفسحت المجال لحديث عن تراجع دورها في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية الضاغطة. بينما حاول الرئيس رامافوزا التقليل من شأن هذه الغيابات، مؤكداً على أهمية التعاون الدولي و”التعددية” التي تمثلها المجموعة، بقيت التساؤلات قائمة حول مدى فعالية هذا التعاون في ظل هذه الظروف.
إعلان القمة: توافق محدود في ظل الانقسامات
على الرغم من التحديات، تمكن قادة المجموعة من اعتماد إعلان قمة يركز على قضايا حاسمة مثل تغير المناخ، وتمويل الطاقة، وإعادة هيكلة الديون، والمعادن الاستراتيجية. تضمن الإعلان أيضًا دعوة إلى تحقيق “سلام عادل” في مناطق الصراع المختلفة، بما في ذلك أوكرانيا والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية والأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومع ذلك، يعكس هذا التوافق الضيق حقيقة أن القمة لم تتمكن من معالجة القضايا الأكثر إثارة للجدل بشكل فعال. تحذيرات قادة بارزين، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، باحتمال “انتهاء دور” مجموعة العشرين، والدعوات البريطانية إلى إيجاد “سبل بنّاءة لمواجهة التحديات العالمية”، تشير إلى وجود شعور بالقلق المتزايد بشأن مستقبل المجموعة.
القارة الأفريقية تتألق كمضيف للقمة
أحد الجوانب الإيجابية للقمة هو تنظيمها في القارة الأفريقية، ومشاركة الاتحاد الأفريقي كعضو دائم. هذا يمثل اعترافاً متزايداً بأهمية القارة الأفريقية في الاقتصاد العالمي، ويعزز التنمية الاقتصادية في المنطقة. لكن هذه الإيجابية لم تخفِ المخاوف المتعلقة بالتحديات الداخلية التي تواجهها المجموعة.
تحضيرات ترامب لاستضافة قمة 2026 تثير المزيد من الجدل
أضاف إعلان الرئيس ترامب عن استضافة الولايات المتحدة قمة المجموعة عام 2026 في نادي الغولف الخاص به في ولاية فلوريدا، المزيد من الوقود إلى نار الجدل. يثير هذا الإعلان تساؤلات حول مدى ملاءمة مثل هذا الموقع غير التقليدي لاستضافة قمة دولية هامة، ويعكس استمرار النزعات الفردية التي تميز أسلوب ترامب في التعامل مع الشؤون الدولية.
مستقبل مجموعة العشرين: هل تواجه المجموعة أزمة وجودية؟
في الختام، كانت قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ قمة ذات طابع استثنائي، شهدت مزيجاً من التحديات والانقسامات والفرص. فقد تلقى دور المجموعة في التنسيق الاقتصادي العالمي ضربة قوية بسبب الغيابات البارزة والخلافات الدبلوماسية.
ومع ذلك، لا يزال يتعين على قادة مجموعة العشرين العمل على إعادة بناء الثقة وتعزيز التعاون الحيوي لمواجهة التحديات العالمية الملحة. إذا فشلت المجموعة في القيام بذلك، فإنها تخاطر بفقدان مكانتها كمنتدى رئيسي للقيادة الاقتصادية العالمية. النجاح في ذلك يتطلب إظهار التزام حقيقي بالحوار البناء والتسويات الضرورية، وتجاوز المصالح الوطنية الضيقة لصالح المصلحة العالمية المشتركة.















