يشهد البحر الكاريبي حاليًا توترًا متزايدًا مع تعزيزات عسكرية أمريكية غير مسبوقة قبالة سواحل فنزويلا، مما يثير تساؤلات حول نوايا واشنطن: هل هي مجرد مناورة ضغط، أم أنها تمهد لعملية عسكرية مباشرة؟ هذا ما يحاول تحليل هذه المقالة استكشافه، مستندين إلى تقرير للكاتب فابيو لوغانو نشره موقع “شيناري إيكونوميشي” الإيطالي. الوضع الراهن في فنزويلا يستدعي متابعة دقيقة، خاصة مع عودة الحديث عن تدخل محتمل، وهو ما سنركز عليه في هذا المقال.

التعزيزات العسكرية الأمريكية: حصار أم تمهيد لغزو فنزويلا؟

نشرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما يقرب من 25% من السفن الحربية التابعة للبحرية الأمريكية في منطقة البحر الكاريبي، في قلب هذا الحشد العسكري تتربع حاملة الطائرات العملاقة “يو إس إس جيرالد فورد”. ويرى لوغانو أن هذا الانتشار العسكري الواسع يتجاوز بكثير مهمة مكافحة تهريب المخدرات المعلنة، ويشير بقوة إلى فرض حصار بحري كامل الأركان على فنزويلا. قوة النيران التي ترافق هذه التعزيزات لم يشهد لها مثيل منذ الغزو الأمريكي لبنما، مما يزيد من حدة القلق حول مستقبل البلاد.

“يو إس إس جيرالد فورد”: جوهرة الترسانة الأمريكية

ليست “يو إس إس جيرالد فورد” مجرد حاملة طائرات عادية؛ بل هي الأحدث والأكثر تطورًا من نوعها في العالم. تتميز هذه الحاملة بنظام إطلاق كهرومغناطيسي يسمح بمعدل أكبر من الطلعات الجوية مقارنةً بحاملات الطائرات من فئة نيميتز. بعبارة أخرى، تُمثل “جيرالد فورد” قوة ضرب جوي هائلة، وقادرة على استهداف أي موقع في فنزويلا بسرعة وفعالية.

ترسانة بحرية متكاملة

إلى جانب حاملة الطائرات، نشرت الولايات المتحدة طرادات من فئة تايكونديروغا ومدمّرات من فئة آرلي بيرك، مما يخلق قبة جوية وصاروخية يصعب اختراقها. بالإضافة إلى ذلك، تتواجد غواصتان هجوميتان تعملان بالطاقة النووية، تحملان صواريخ توماهوك القادرة على ضرب مراكز القيادة والسيطرة الفنزويلية بدقة متناهية ودون سابق إنذار. هذا الحشد العسكري يشير إلى استعداد أمريكي لسيناريوهات متعددة، تتراوح بين الضغط الاقتصادي والعمل العسكري المباشر.

تصنيف “كارتل لوس سولوس” كـ “منظمة إرهابية”: تغيير قواعد اللعبة

يشير لوغانو إلى خطوة مثيرة للاهتمام اتخذها وزير الدفاع الأمريكي، باتريك شاناهان (الذي أصبح بيت هيغسيث لاحقًا)، وهي تصنيف “كارتل لوس سولوس” (كارتل الشمس) كـ “منظمة إرهابية أجنبية”. هذا التصنيف يغير بشكل كبير الطريقة التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها التعامل مع المجموعة، حيث تعتبرها رسميًا جزءًا من القوات المسلحة الفنزويلية، وتديرها الدائرة المقربة من الرئيس نيكولاس مادورو.

تفعيل قوانين مكافحة الإرهاب

من خلال هذا التصنيف، يمكن للولايات المتحدة تفعيل قوانين مكافحة الإرهاب التي تم إقرارها بعد أحداث 11 سبتمبر، مما يتيح لها استهداف “البنية التحتية الداعمة للإرهاب” – أي القواعد العسكرية الفنزويلية – دون الحاجة إلى الحصول على إذن بتنفيذ اعتقالات بموجب القانون الأمريكي. هذه الخطوة تمثل تصعيدًا كبيرًا في التوتر، وقد تكون مقدمة لعمليات عسكرية أوسع نطاقًا. وبالفعل، أصدرت الولايات المتحدة إشعارًا ملاحيًا يطلب من جميع الطائرات التي تعتزم التحليق فوق فنزويلا تقديم خطط طيرانها قبل يومين، مما يشير إلى استعدادات مكثفة لعمليات غير محددة.

هل نحن أمام حصار مطول أم هجوم خاطف على فنزويلا؟

السؤال الذي يطرحه الكاتب لوغانو هو: هل هذه التعزيزات العسكرية تهدف إلى فرض حصار كامل على فنزويلا، أم أنها تمهد لغزو بري شامل؟ ويرى أن الحشد العسكري الحالي يشير إلى أن الولايات المتحدة تستعد لعمليات طويلة الأمد، وليست مجرد هجوم خاطف يستمر بضعة أيام.

إعادة تنشيط قواعد الحرب الباردة

كجزء من هذه الاستعدادات، أعاد البنتاغون فتح قاعدة روزفلت رودز البحرية في بورتوريكو، وهي قاعدة كانت مغلقة منذ سنوات. تم نشر مقاتلات إف-35 لايتنينغ 2 في هذه القاعدة، بالإضافة إلى وضع قاذفات بي-52 في حالة تأهب في لويزيانا. هذا يسمح للولايات المتحدة بضرب أي نقطة في فنزويلا دون الحاجة إلى الاعتماد على حاملة الطائرات “جيرالد فورد”.

موازين القوى غير المتكافئة

يؤكد لوغانو على أن موازين القوى بين الولايات المتحدة وفنزويلا غير متكافئة بشكل كبير. فمجرد إقلاع مقاتلة واحدة من حاملة الطائرات “جيرالد فورد” في مهمة قتالية سيكون له تأثير فوري على الأسواق العالمية، وخاصة أسعار النفط، مما يخلق حالة من عدم اليقين والاضطراب.

في الختام، الوضع في فنزويلا معقد ومتوتر. التعزيزات العسكرية الأمريكية غير المسبوقة، بالإضافة إلى تصنيف “كارتل لوس سولوس” كمنظمة إرهابية، تشير إلى أن واشنطن قد تكون مستعدة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة. بالرغم من أن الهدف الفوري لهذه التعزيزات قد يكون مجرد الضغط على نظام مادورو، إلا أن السيناريو العسكري المباشر يبقى واردًا. ومع ذلك، من المهم متابعة التطورات على الأرض وتحليل الإشارات بشكل دقيق لتحديد المسار الذي ستسلكه الولايات المتحدة في علاقاتها مع فنزويلا. ويستدعي هذا الوضع تحليلاً دقيقاً من قبل الخبراء السياسيين والاقتصاديين لتقييم المخاطر المحتملة وتداعياتها على المنطقة والعالم.

شاركها.
اترك تعليقاً