تصاعد التوترات: هل الحرب بين إيران وإسرائيل باتت حتمية؟

في ظل استمرار الضغوط الغربية المتزايدة على إيران بشأن برنامجها النووي، وتزامناً مع الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية المكثفة، تشير العديد من المؤشرات إلى أن طهران تتسارع في رفع جاهزيتها لمواجهة شاملة. هذه المواجهة، التي يراها قادة ومحللون إيرانيون أقرب من المتوقع، تأتي بعد هدنة قصيرة الأمد، اعتبروها مجرد “استراحة مقاتل” عقب الحرب التي اندلعت في يونيو/حزيران الماضي. هذا التحشيد والاستعداد يطرح السؤال المحوري: هل الحرب القادمة بين إيران وإسرائيل أصبحت مسألة وقت لا أكثر؟

“استراحة مقاتل”.. وإعادة تقييم الاستراتيجيات

لم يمر الكثير من الوقت حتى بدأت النبرة الإيرانية الرسمية تتحدث عن استمرار حالة التأهب القصوى. صرح العميد علي نائيني، المتحدث باسم الحرس الثوري، بأنهم “يفترضون بأن الحرب قد تندلع في أية لحظة”، مؤكداً على التركيز الكامل لجهودهم في تعزيز القدرات الدفاعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي العسكري. هذا التصريح يعكس قناعة راسخة بأن التهديد حقيقي ومستمر، وأن الدبلوماسية ليست بديلاً كافياً عن الاستعداد العسكري.

سباق مع الزمن: تعزيز القدرات وتصحيح المسارات

كشفت الاشتباكات الأخيرة عن بعض الثغرات في الجبهة الإيرانية، الأمر الذي دفع طهران إلى اتخاذ خطوات سريعة لتداركها. في مطلع أغسطس/آب، تم تشكيل “مجلس دفاع وطني” بهدف قيادة أي مواجهة عسكرية محتملة والتصدي لأي اعتداء خارجي. هذه الخطوة تؤكد الاستعداد لإدارة أزمة على نطاق واسع، تتطلب تنسيقاً عالياً بين مختلف المؤسسات العسكرية والأمنية. بالإضافة إلى ذلك، هناك تركيز متزايد على تطوير الردع الإيراني كآلية أساسية لضمان الأمن القومي.

تقييم الموقف: جولة ثانية من المواجهة تبدو حتمية

يعتقد عبد الرضا داوري، مستشار الرئيس الإيراني الأسبق، أن الرأي العام الإيراني لا يزال يترقب الشرارة التي قد تشعل جولة جديدة من الصراع. ويضيف أن العدوان الإسرائيلي، بدعم من الولايات المتحدة والغرب، لم يحقق أهدافه المرجوة، بل أثار القلق في تل أبيب بعد زعزعة صورة الجيش الإسرائيلي “الذي لا يقهر”. هذا الإخفاق، بحسب داوري، قد يدفع إسرائيل إلى شن هجوم جديد، في محاولة لاستعادة هيبتها. التطورات الأخيرة تؤكد هذا التوجه نحو التصعيد الإقليمي.

التعاون العسكري: روسيا والصين على خطوط الانطلاق

لم تكتفِ إيران بمعالجة نقاط الضعف الداخلية، بل سعت أيضاً إلى تعزيز تعاونها العسكري مع حلفائها. يشير مراقبون إلى أن إيران تعمل على تطوير ترسانتها العسكرية من خلال استيراد الأسلحة من دول صديقة، مثل روسيا والصين. وصلت بالفعل مقاتلات “سوخوي 35” الروسية، ويُتوقع وصول المزيد من المقاتلات الصينية “جيه ـ 10 سي” (J-10C) إلى القواعد الجوية الإيرانية، مما يعزز قدراتها الجوية بشكل كبير. هذا التعاون يعكس رغبة إيران في بناء قوة عسكرية قادرة على مواجهة أي تهديد محتمل.

خطط المواجهة: حرب هجينة وتشابك الجبهات

وفقاً للعميد المتقاعد حسين كنعاني مقدم، فإن إيران تستعد لمواجهة “هجينة” على ثلاثة مستويات: عسكرية، واقتصادية، وسيبرانية. تم وضع خطط هجومية ودفاعية بالتنسيق مع مختلف المؤسسات العسكرية، مع الأخذ في الاعتبار سيناريوهات مختلفة، بما في ذلك مشاركة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أي صراع مستقبلي. لا تستبعد طهران أيضاً توسيع نطاق الحرب ليشمل جبهات جديدة، مثل المياه والإغلاق المحتمل للمضايق الحيوية، بالإضافة إلى استهداف قواعد عسكرية غربية بعيدة عن المنطقة. هذا التشابك للجبهات يعكس رؤية إيرانية متكاملة للمواجهة المحتملة، ويهدف إلى إرباك وتهديد مصالح الخصوم.

القدرات السرية: أوراق إضافية في جعبة طهران

تؤكد مصادر إيرانية مطلعة أن بلادهم تحتفظ بالعديد من الأوراق العسكرية السرية التي لم يتم الكشف عنها بعد. هذه الأوراق تشمل تسليحات الليزر والبلازما، والصواريخ الفرط صوتية، والصواريخ الباليستية المدمرة وعابرة القارات. وتركز إيران على “سلب العدو قدرة الرد والتفكير في الاعتداء عليها مرة أخرى”. هذا التأكيد على القدرات السرية يهدف إلى زيادة الضغط النفسي على الخصوم، وإظهار أن إيران مستعدة للمفاجأة في أية لحظة. كما أن هناك جهوداً حثيثة لجمع المعلومات الاستخبارية حول قدرات ومواقع العدو، وتطوير القدرات في مجال الحرب السيبرانية.

مستقبل الصراع: هل يمكن تجنب الحرب القادمة بين إيران وإسرائيل؟

يبدو أن مسار الأمور يتجه نحو مزيد من التصعيد، وأن احتمالات اندلاع صراع مسلح جديد تزداد يوماً بعد يوم. إن الاستعدادات الإيرانية المتسارعة، والتوترات الإقليمية المتفاقمة، والضغوط الغربية المستمرة، تشكل كلها عوامل تدفع المنطقة نحو حافة الهاوية. في ظل هذه الظروف، قد يكون من الصعب تجنب الحرب القادمة بين إيران وإسرائيل، إلا إذا تم التوصل إلى حلول دبلوماسية جذرية تعالج الأسباب الجذرية للصراع. الاستعداد لحرب تكاد تكون حتمية هو خير ضمان للسلام، هذا ما تؤمن به طهران، وهي تعمل جاهدة على تحقيقه.

شاركها.
اترك تعليقاً